في أروقة الجامعة، حيث تتلاقى أجيال من الباحثين عن المعرفة، يبرز صوت الأستاذ الجامعي المخضرم عبد الرحيم بن بوعيدة، و الذي قضى عقوداً من عمره بين مدرجاتها، ليوجّه رسالة صريحة إلى وزير التعليم العالي. هذه الرسالة ليست مجرد انتقاد عابر، بل هي صرخة من القلب تعكس قلقاً عميقاً على مستقبل التعليم في المغرب.
إصلاح أم ارتجال؟
يُشكك الكاتب في جوهر الإصلاحات الجديدة، مُشيراً إلى أنها ليست أكثر من استنساخ لسياسات سابقة أثبتت فشلها. فبعد أن ألغى الوزير الحالي البرامج الباذخة التي خلّفها سلفه، والتي أهدرت ملايين الدراهم دون جدوى، يقع هو الآخر في فخ “الإصلاح بالمزاج”. يرى الكاتب أن القرارات تُتّخذ بشكل أحادي، دون إشراك حقيقي للأطراف المعنية من أساتذة، وطلبة، وهياكل بيداغوجية، مما يهدد استقلالية الجامعة ويجعلها مجرد “مختبر تجارب” لكل وزير جديد.
توقيت خاطئ وقرارات مبهمة
يُسلّط الكاتب الضوء على التوقيت الذي اختاره الوزير لإعلان هذه الإصلاحات، وهو فصل الصيف، مما أثار استياء كبيراً في الأوساط الجامعية. هذا التوقيت، إلى جانب الغموض الذي يكتنف القرارات، فتح الباب أمام المجهول وترك الأساتذة والطلبة في حيرة من أمرهم. و يتساءل الكاتب عن مصير الطالب الفقير الذي يجد نفسه وسط برامج متلاحقة وقرارات متناقضة، كأنه “فأر تجارب” لا يعرف بأي نظام سيتخرج.
هوية الجامعات المغربية على المحك
يُشير الكاتب إلى أن القرارات الجديدة لا تقتصر آثارها على الجانب البيداغوجي فحسب، بل تمسّ بهوية الجامعة المغربية وتاريخها. فتقسيم الجامعات التاريخية مثل جامعة القاضي عياض وجامعة محمد الخامس وجامعة الحسن الثاني، وإفراغها من رمزيتها، يُعدّ بمثابة اغتيال لذاكرة وطنية عريقة. يُقارن الكاتب هذا الإجراء بما يحدث في دول أخرى، مثل فرنسا ومصر، حيث تُعدّ الجامعات الكبرى معالم لا تُجزّأ ولا تُمسّ.
كرامة الأستاذ الجامعي واستقلالية المهنة
يُشدّد الكاتب على رفضه للوصاية المفروضة على الأساتذة، مُندداً بالتعامل معهم وكأنهم “مشروع فساد يحتاج إلى رقيب دائم”. كما يذكّر الكاتب الوزير بأن كرامة الأستاذ ليست بنداً في قرار وزاري، وأن شرف المهنة خط أحمر. وينتهي المقال بمناشدة مفتوحة لكل من رؤساء الجامعات والعمداء والمسؤولين، بأن يتذكروا أن المناصب زائلة، وأن ما يبقى هو تاريخ الجامعة وخدمة الوطن.
نداء أخير.. للمراجعة
في النهاية، يُطلق الأستاذ نداءً أخيراً للوزير لمراجعة قراراته، قبل أن تُفتح أبواب الجامعة على احتقان جديد. ويسائل الوزير عما إذا كان قد جلس يوماً في مدرج مكتظ أو وقف أمام بنية تحتية متهالكة، مما يُظهر انفصال القرارات عن الواقع. هذا المقال هو دعوة لإصلاح حقيقي، يُشرك فيه الجميع، ويضع مصلحة الطالب والجامعة فوق كل اعتبار. فهل سيُدرك الوزير عمق هذه الرسالة قبل فوات الأوان؟
التعاليق (0)