بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
في خضم الضجيج الإعلامي العالمي، تُرسم صورة نمطية عن إفريقيا وكأنها قارة الفقر، الحروب، الفوضى، والتخلف. وهي صورة متجذّرة في العقل الجمعي العالمي، لا عن جهل فحسب، بل نتيجة تراكم تاريخي من التهميش وسوء التمثيل. لكن، ماذا لو لم تكن إفريقيا كما تُصوّر؟ ماذا لو أن القارة ليست فاشلة، بل مظلومة؟ ليست متأخرة، بل متقدمة بطرق لا تُرى؟ ليست ساحة للفوضى، بل ميدانًا لصراع السرديات؟
- المظلومية المعرفية: الوجه الآخر للاستعمار
الظلم الذي تعانيه إفريقيا ليس فقط اقتصاديًا أو سياسيًا، بل معرفي بالدرجة الأولى. هناك ظلم ممنهج في كيفية تقديم القارة للعالم، وفي انتقاء الأخبار، وفي تسليط الضوء على ما يخدم السردية الغربية التي نشأت منذ عصور الاستعمار واستمرت بأدوات جديدة بعده. حين يُقدَّم بلدٌ أفريقي على أنه “مصدر للهجرة غير الشرعية” دون الحديث عن موارده المنهوبة أو شبابه المبدع، فإننا لا نتحدث عن الواقع، بل عن سردية مُصمّمة لخدمة مصالح معينة.
الهيمنة على المعرفة، كما على الموارد، تُنتج شكلًا جديدًا من التبعية. فالصورة المُصدّرة عن إفريقيا ليست مجرد انطباع، بل أداة سياسية واقتصادية وثقافية تستخدم لتبرير التدخل، والنهب، والوصاية “الأخلاقية” من قبل دول ومؤسسات خارجية.
- إفريقيا المتقدمة التي لا تُرَى
نادرًا ما يُذكر أن بعض الاقتصادات الأسرع نموًا في العالم خلال العقد الأخير كانت أفريقية، أو أن قطاعات التكنولوجيا الناشئة في بلدان إفريقيا تُنافس نظيراتها في دول “الجنوب العالمي”. لا أحد يتحدث عن قصص النجاح المحلية في التعليم، أو في ريادة الأعمال النسائية، أو حتى في الزراعة المستدامة التي تُبهر خبراء البيئة.
الإعلام الغربي، وفي أحيان كثيرة حتى الإعلام العربي، لا يرى في إفريقيا سوى القرى الفقيرة، أو الانقلابات العسكرية، أو الطوابير أمام منظمات الإغاثة. أما مدنها النابضة بالحياة، وأدباؤها، ومفكروها، فلا يجدون طريقهم إلى الشاشات والعناوين.
- صراع السرديات: من يملك الكاميرا؟
ما يجري في إفريقيا اليوم هو صراع سرديات بامتياز. من يملك الكاميرا يملك القدرة على تعريف “الحقيقة”. ومن يملك المنصة يقرر من هو الضحية ومن هو الجاني. الصراع لم يعد فقط على الموارد، بل على الصورة، على الرواية، على من يروي الحكاية ولصالح من تُروى.
تحرير إفريقيا لا يكتمل باستعادة الأرض والثروات فقط، بل يبدأ بتحرير الصورة. لا بد من إعلام حرّ يعكس الواقع كما هو، لا كما يُراد له أن يُرى. لا بد من سردية تنبع من الداخل، تكتبها العقول الإفريقية، وتحمل أصواتها بلغاتها وثقافاتها وخصوصياتها. ولا بد من إرادة سياسية تدرك أن القوة الناعمة – من أفلام وأغاني ومقالات وتحليلات – توازي في أهميتها النفط والمعادن والحدود.
- الخروج من الدائرة
التحرر من هذه الصورة النمطية لا يأتي من باب الدفاع السلبي، بل من المبادرة الفعالة. لا يكفي أن نقول “لسنا فقراء”، بل لا بد أن نُري العالم ثراءنا الفكري والإنساني والاقتصادي. ولا يكفي أن نُدين الإعلام الأجنبي، بل لا بد أن نؤسس إعلامنا البديل، المستقل، المهني، والمتجذّر في واقع الناس.
في النهاية، إفريقيا لا تحتاج إلى من يُنقذها، بل إلى من يكفّ عن تزييف صورتها. قارةٌ ظلمها التاريخ، ولكن لا يزال بإمكانها أن تكتب مستقبلها – بشرط أن تستعيد سرديتها.
إفريقيا ليست عبئا….بل تنتظر ابناءها!