إسدال الستار على مهرجان تيميزار 2025: تزنيت تكرّس زعامتها الرقمية في الحلي وتتأهب لغزو الأسواق العالمية

أكادير والجهات

agadir24 – أكادير24

عبد الله بن عيسى – فريق تحرير أكادير 24 (تزنيت)

أسدل الستار اليوم الأحد 20 يوليوز 2025، على فعاليات الدورة الثالثة عشرة لمهرجان “تيميزار للفضة” بمدينة تزنيت، بعد ستة أيام من الأنشطة المتواصلة التي حولت المدينة إلى نقطة إشعاع ثقافي واقتصادي، حيث امتزجت الفنون بالصناعة التقليدية، والهوية بالتنمية، وسط حضور جماهيري ورسمي، وتغطية إعلامية موسعة أكدت مكانة تزنيت كعاصمة وطنية للصياغة الفضية.

افتتحت فعاليات الدورة يوم الثلاثاء 15 يوليوز تحت شعار “الصياغة الفضية: هوية، إبداع، وتنمية”، في أجواء احتفالية راقية جمعت بين الحداثة والأصالة، وشهدت مشاركة عدد كبير من الفعاليات الرسمية، على رأسها لحسن السعدي، كاتب الدولة المكلف بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، والمدير العام لدار الصانع طارق صديق، إلى جانب عامل إقليم تزنيت عبد الرحمان الجوهري، ونائب رئيس مجلس جهة سوس ماسة حسن المرزوقي، ورئيس غرفة الصناعة التقليدية عبد الحق أرخاوي، وعبدالله غازي رئيس جماعة تزنيت والنائب البرلمان عن دائرة تزنيت، ومحمد الشيخ بلا رئيس المجلس الإقليمي، علاوة على عدد من المنتخبين والمسؤولين وممثلي المجتمع المدني.

وفي مداخلة قوية خلال الندوة الافتتاحية حول المجوهرات التقليدية، شدد طارق صديق، المدير العام لدار الصانع، على أن مستقبل قطاع الحلي المغربي يرتبط بمدى قدرة الفاعلين على التكيف مع التحولات العالمية والانخراط في منظومة الابتكار والرقمنة والاستدامة، مع الحفاظ على البصمة الثقافية الأصيلة التي تميز هذا المنتوج التراثي.

واستعرض صديق في مستهل مداخلته خارطة رقمية واقتصادية دقيقة لسوق المجوهرات العالمي، مبرزًا أن حجم المعاملات الدولية في هذا القطاع يتراوح ما بين 300 و400 مليار دولار سنويًا، بنسبة نمو تقارب 6%، مضيفًا أن آسيا تحتل الريادة بـ45% من السوق، تليها أمريكا بـ25%، ثم أوروبا بـ20%، وهو ما يعكس تركّز الاهتمام بهذه الصناعة في أسواق قوية تتطلب منتوجات ذات جودة عالية وهوية مميزة.

وأبرز المتحدث أن هذا القطاع يعرف اليوم ثلاث ثورات كبرى تحكمه، أولها الرقمنة، سواء في مراحل التصنيع أو التسويق عبر المنصات الإلكترونية العالمية، حيث أضحى من الممكن تصور المجوهرات بدقة ثلاثية الأبعاد دون الحاجة لزيارة المتجر، وثانيها الاستدامة، التي تشمل تتبع مصدر المواد الأولية، واعتماد الحرف اليدوية المحلية، وتثمين البعد الاجتماعي، وثالثها العودة إلى التميز الحِرفي، حيث أصبح المستهلك العالمي يبحث عن القيمة المضافة المرتبطة بالإنسان والهوية، وليس فقط المنتوج.

وأكد المدير العام لدار الصانع أن المغرب يمتلك كافة المقومات للمنافسة في هذا السوق العالمي، من خلال ما يزخر به من خبرات تقليدية وأيادٍ صانعة ماهرة، مذكّرًا بأن المبادرة التي أطلقتها الوزارة والمرتبطة بتتبع المواد الأولية سيكون لها وقع إيجابي كبير، حيث ستمنح للمنتوج المغربي ميزة التتبع والشفافية، وهي شروط أساسية في الأسواق الأوروبية والأمريكية.

كما كشف أن المغرب يستهلك سنويًا حوالي 4800 طن من الذهب، و26 ألف طن من الفضة، ويُشغّل القطاع نحو 9000 شخص، برقم معاملات يناهز 2 مليار درهم، لكنه لا يُصدّر سوى 3 ملايين درهم فقط، وهو ما اعتبره مؤشرًا على الضعف الكبير في الترويج الدولي رغم المؤهلات، داعيًا إلى العمل على تحسين آليات التسويق والانخراط في منصات التجارة الإلكترونية العالمية مثل Etsy وAmazon.

ولفت طارق صديق إلى أن البيانات الرقمية الحديثة تُظهر أن تزنيت تستحوذ على 58% من الحضور الرقمي المتعلق بالحلي المغربي على الإنترنت، متقدمة على مدن عريقة كفاس ومراكش، وهو ما يُكرّس مكانتها كعاصمة وطنية للفضة، ليس فقط من حيث الإنتاج، بل من حيث التموقع الرقمي والتأثير الثقافي أيضًا.

وفي ختام مداخلته، دعا المدير العام لدار الصانع إلى تعزيز التصميم وجودة المنتوج وتجويد تجربة الزبون، مؤكدًا أن الحفاظ على الهوية المغربية لا يتعارض مع الابتكار، بل يُعد شرطًا أساسيًا لتحقيق التموقع القوي في الأسواق العالمية، وتحقيق الإقلاع المنشود لصناعة المجوهرات التقليدية المغربية.

هذا، واحتضنت ساحة المشور والفضاءات المحيطة بها عروضًا استثنائية جمعت بين المعروضات الحرفية الراقية، وعروض الفروسية التقليدية “التبوريدة” التي ملأت المكان بهالة من البارود والأهازيج والزغاريد، مع حضور عشرات الآلاف من الزوار القادمين من مختلف ربوع المملكة ومن خارجها، حيث عرفت تزنيت خلال أيام المهرجان حركة غير عادية على مستوى المبيت، والخدمات، والتجارة، ما انعكس إيجابًا على الاقتصاد المحلي.

وضمن أبرز لحظات هذه الدورة، قدّم الصانع أحمد الكرش قطعة نادرة من البلغة المحلية “إدوكان” التقليدية المرصعة بـ2.3 كيلوغرام من الفضة والأحجار الكريمة، ما أثار إعجاب الزوار وأعاد الاعتبار للمجهود الحرفي المحلي، في وقت برزت فيه أسماء حرفيين شباب بأعمال ابتكارية جسدت الاندماج بين التقنيات الحديثة والتقاليد الأصيلة.

لم يكن المهرجان مجرد معرض للمنتوجات، بل تميز ببرمجة ثقافية وفنية غنية، تضمنت تنظيم ندوة وطنية حول منظومة الصياغة التقليدية، ناقشت التحديات المرتبطة بالتصنيع والتسويق والابتكار، وخرجت بتوصيات تتعلق بتطوير قنوات البيع الإلكتروني وتوسيع التكوين المستمر للصناع، مع التركيز على تمكين النساء والشباب في القطاع.

وخلال الحفل الختامي، تم تكريم عدد من الحرفيين الذين تميزوا بمسارات مهنية استثنائية، كما جرى توقيع تسع اتفاقيات شراكة استراتيجية، همت تأهيل البنية التحتية للحرف التقليدية بجماعات تزنيت، تافراوت، أملن، وأربعاء الساحل، إضافة إلى مشاريع لفائدة النساء الحرفيات وورش لتسويق الحلي وطنياً ودولياً.

حرص رئيس غرفة الصناعة التقليدية عبد الحق أرخاوي على تقديم لحظة رمزية مؤثرة تمثلت في قيامه شخصيًا بصياغة قطعة فضية أمام الجمهور، في مشهد حظي بتصفيق حار، وترجم القرب الفعلي بين المسؤول والمهنة، وبين الغرفة والمهنيين، في وقت لا زالت فيه الكثير من القطاعات تبحث عن هذا الانسجام.

من جهة أخرى، تألقت سهرات المهرجان بمزيج من الأصالة والمعاصرة، حيث شارك فنانون بارزون من قبيل فُوضيل، عبد الهادي إكوت “إزنزارن”، حاتم عمور، Statia، Saïd Mosker، إلى جانب فرق شبابية وأمازيغية محلية، ما ضمن توازنًا فنيًا يجمع بين الأجيال، ويراعي الذوق الثقافي المتنوع لساكنة الجهة وضيوفها.

وساهم الحضور الأمني واللوجستي المنظم في الحفاظ على أجواء هادئة وآمنة، رغم الكثافة غير المسبوقة للزوار. وبحسب معطيات أولية حصلت عليها “أكادير 24”، تجاوز عدد زوار المهرجان عشرات الآلاف، فيما بلغت نسبة الحجوزات الفندقية 100%، وسجلت محلات الحرف التقليدية أرقامًا قياسية في المبيعات، خاصة مع الترويج الرقمي الذي رافق العارضين بفضل منصات إلكترونية أنشأتها إدارة المهرجان.

أشادت الوفود الرسمية بالمستوى التنظيمي للمهرجان، وبدور الفعاليات المحلية في إنجاحه، لا سيما فرق النظافة، الأمن، التوجيه، المتطوعين، ومصالح الجماعة، التي تعبأت منذ أسابيع لضمان صورة حضارية ومهنية للمدينة. كما نوهت تصريحات عديدة بدور المجتمع المدني، خاصة الجمعيات النسائية الحرفية التي ساهمت في عروض الورشات وتنظيم المعارض، مما يعكس عمق المشاركة المجتمعية في الدينامية التنموية للمدينة.

وعبر عدد من الصناع المشاركين عن ارتياحهم الكبير من التنظيم والتفاعل مع الزوار، حيث وصف أحدهم هذه الدورة بـ”الأفضل في تاريخ المهرجان”، مؤكدًا أن مدينة تزنيت استطاعت أن تؤسس لنموذج سياحي–حرفي قادر على المنافسة الوطنية والدولية.

وفي تعليق خاص لـ “أكادير 24”، قال رشيد مطيع مسؤول في اللجنة التنظيمية إن المهرجان هذه السنة شهد تحسنا في أدوات العرض، والتصميم، والبث المباشر، مع توحيد الإخراج السمعي البصري لكافة الفعاليات، ما ساعد على تقديم صورة موحدة وراقية، خصوصا بعد الاستعانة بكفاءات تقنية وطنية لتأمين تغطية احترافية للحدث.

ويُجمع متتبعو الشأن الحرفي أن مهرجان تيميزار في دورته الثالثة عشرة لم يقتصر على بعده الاحتفالي، بل نجح في خلق تجربة اقتصادية واجتماعية حقيقية، انعكست آثارها على الحرفيين، الاقتصاد المحلي، والمشهد الثقافي لجهة سوس ماسة، كما كرّس مدينة تزنيت كعاصمة وطنية للصياغة ومركز إشعاع متعدد الأبعاد.

ولم تغب عن المشهد الفني والحرفي الرموز البسيطة ذات المعنى العميق، من بينها صورة عامل النظافة الذي شوهد باكرًا في صباح اليوم التالي ينظف مكان العرض، في مشهد اختلط فيه التعب بالفخر، وترجم استمرار العمل بعد انطفاء الأضواء.

وأوصى عدد من الفاعلين بضرورة ترسيخ المهرجان كموعد سنوي ثابت في الأجندة الثقافية الوطنية، مع تعزيزه بمنصة إعلامية دائمة، وتوسيع مجالات التكوين الموجه للحرفيين الشباب والنساء، وربط الحدث بمنصات تسويق دولية تتيح للمنتوجات المغربية منافسة نظيراتها عالميًا.

أثبتت دورة 2025 أن مهرجان تيميزار بات علامة مسجلة باسم تزنيت، وحدثًا يتجاوز العرض الموسمي إلى مشروع تنموي دائم، يجمع بين التراث والحداثة، ويمنح المدينة موقعًا استثنائيًا ضمن خريطة التظاهرات الثقافية والاقتصادية في المغرب.