أكادير خارج أسوارها

a 56 كُتّاب وآراء

 أجر قلمي اليوم على المدينة التي خذلتنا ثقافيا، ربما يكون هذا القلم عضوا من أعضاء التغيير الذي يسعى إليه سكان المدينة. أجر قلمي لأن المنهج المتبع في إعتقادي يبعدنا عن التغيير أكثر مما يقربنا إليه. لم اكن يوما من الاشخاص الذين يطالبون بالزيارة الملكية من أجل التغيير، لأن الزيارة عودتنا أن تصاحبها مسرحية يجسدها مسؤولي المدينة ؛ غرس أشجار، صباغة الشوارع، ترحال المتسولون.

غابت المسرحيات من القاعات التي نفتقدها في المدينة، لتحضر في تسييرهم وتدبيرهم، وليس أي نوع من الاتجاهات المسرحية، بل الاتجاه العبثي وفقط في سطحيته. دعوني أقف معكم عند ما تتفاخر به المدينة حتى نرى إن كان ذلك يخدم المدينة في شيء.

المدينة اليوم ليس لها شيء تفتخر به سوى الاثار المادية الموجودة فيها وهي معدودة على رؤوس الاصابع:

  • سوق الأحد: أكبر سوق حضري في إفريقيا.

  • كورنيش أكادير: يمتد على مسافة 7 كيلومترات تقريبا يطل على خليج أزرق

  • ميناء أكادير، وإلى جانبه مارينا.

  • قصبة أكادير اوفلا: معلمة تاريخية تتوق لاستعادة تاريخها

  • وادي الجنة: الطبيعة والمناظر الخلابة.

لن ننكر اليوم ثراء هذا الموروث المادي ( القصبة ) وما تستقطبه من سياح للمدينة دون أن ندخل في الاهمال الذي يحضى به هذا الموروث. كما لن نقف عند الكورنيش الذي تحول إلى شارع للتجار الذين دفعهم الواقع إلى اللجوء إليه. أضف إلى ذلك وادي الجنة الذي أصبح مرتعا للمتشردين.

لنسلم فقط بالجانب الايجابي في هذه المعالم، ونتساءل أليست هذه المعالم تتجه بالأمس واليوم إلى إنعاش الجانب الاقتصادي للمدينة فقط؟ متى كانت مدينة من المدن تفتخر باقتصادها فقط؟ نعلم اليوم ونسلم أن المغرب رسم لنفسه طريقا نحو الرأسمالية، لكن هل يشفع لنا هذا بالتغاضي عن الجانب الاجتماعي والثقافي للمدينة.

كيف لمدينة بمواصفات أكادير، وبمواردها المالية والمادية، أن تفتقر إلى مسرح للمدينة؟ كيف نفسر اغلاق دور السينما في مدينة عرفت أعلاما في هذه المجالات؟

من غريب الصدف التي نلتقي معها كل سنة هو إحياء مهرجانات للسينما والفيلم القصير يقوم بها شباب وفاعلون جمعويون لهم غيرة على هذا المجال مدعمة من الجهاز الوصي على القطاع، في مدينة تفتقر إلى فضاءات تعرض فيها هذه المنتوجات، ليلجأ المنظمون إلى حجز قاعات في فنادق خاصة، أو اللجوء إلى قاعة البلدية التي باتت أن تكون قاعة للإنعاش تستقبل ( المسرح، السنيما، الندوات، الموسيقى…).

من جهة أخرى تفتحنا النتائج الاخيرة لامتحانات البكالوريا على التفكير في جانب آخر يجب أن يكون من أولويات المدينة ألا وهو الخزانات، لا يعقل أن جهة سوس ماسة تحتل للسنتين متتاليتين مراتب أولى على الصعيد الوطني، وتفتقر إلى خزانات كبيرة يجد فيها الطالب والتلميذ كل الشروط الضرورية للقراءة؛ مراجع رئيسية، هدوء، فضاء مريح… إلخ. بل من غريب الصدف أن بعض الخزانات الموجودة – وهي على قلتها ولا تحمل من الخزانة إلا إسمها – تشتغل بتوقيت الادارات العمومية، أي أنها تتوقف على الاشتغال عند الساعة الرابعة ونصف. بل إن البلدية ذهبت إلى تقليص مساحة إحدى الخزانات ( خزانة ماء العينين أكادير ) لفتح مقاطعة تحت ذريعة تقريب الخدمة من المواطن. لكن تقريبها على حساب المعرفة والعلم يبقى محط جدل.

الجانب الاخر الذي أريد أن أشير إليه في هذا المقال هو  دَور دُور الشباب في تأطير الشباب وإحتوائهم. لعل النقطة المضيئة في المدينة هو توجهها في السنوات الاخيرة إلى تفعيل دور الحي، وتأهيل ملاعب القرب وتوفير قاعات للمجتمع المدني لتأطير الشباب وانخراطهم في النهوض بالمدينة. لكن هذا لا يمنع وزارة الشبيبة من أن تقوم بدورها في فضاءات دار الشباب، لأن هذه المرافق المطلوب منها هي الاخرى أن تؤطر كذلك، لا أن توفر قاعات، الكل يتذكر يوم كانت دار الشباب الحي المحمدي تشتغل بالدار البيضاء كانت منبعا لمجموعة من الطاقات التي نحثث إسمها من ذهب في شتى المجالات الفن، الادب…

بهذا نكون وضعنا يدنا على مكمن الخلل، وإن كانت أكادير اليوم تريد أن تسير في طريق التغيير، فإن التغيير يبدأ أولا من إعادة المدينة إلى داخل أسوارها الثقافية، وذلك من خلال إصلاح هذه الاتجاهات، لا بالهروب إلى الامام والمناداة بالزيارة الملكية، من أجل ترقيع فضاء صغير في المدينة.

ياسين بوفري

التعاليق (0)

اترك تعليقاً