عمدت سلطات الاح ..ت.. لال الص.. هي ..وني منذ عام 1948 الى ممارسة سياسة تهويد الارض والمقدسات الدينية والروحية وتغيير معالم الهوية الفلسطينية عبر تزييف الحقائق والوقائع من خلال الاستيلاء على الاراضي وممتلكات المواطنين الفلسطينيين اما بالقوة او بواسطة سن القوانين التي تضيق الخناق على الفلسطينيين لتدفعهم للنزوح والهجرة، وقد فرض الحكم العسكري الصهيوني قوانين لمصادرة الاراضي (قانون انظمة الطوارئ ومناطق الامن في سنة 1949) و (قانون املاك الغائبين عام 1950 ) و(قانون تجميع الاراضي عام 1960 ) الى غيرها من الاجراءات السالبة للحقوق وممتلكات المواطن والانسان الفلسطيني كما قامت سلطات الاحتلال الاسرائيلي بالعمل على تغيير معالم المناطق ذات الكثافة السكانية العربية حيث لجأت الى سياسة الاستيطان في كل الاراضي الفلسطينية بالجليل والضفة وغيرهما وذلك لأجل خنق الانسان الفلسطيني وعزله وحصاره حتى يفصل عن ثقافته وعن ماضيه الحضاري وتطمس الخصائص الاجتماعية والثقافية والسياسية لهذه الشخصية الفلسطينية من محيطها الاقليمي والقومي وعزلها ومحاصرتها وقتل ثقافتها واضعاف لغتها وزرع الفتن والاحقاد بين اطرافها متوسلة الوصول الى خلق جيل يخضع لواقع الاحتلال ويؤمن بسياسة الامر الواقع و يقبل التطبيع الا ان هذه السياسة العدوانية العنصرية للصهيونية ولحلفائها الامبرياليين ووجهت بعنف وضراوة بالسلاح وبالكلمة وكان الخطباء والشعراء والكتاب والمفكرون المفعمون بالروح الوطنية والدينية والقومية المعادية للاستعمار والصهيونية كانوا ابرز تلك الانتفاضات والثورات معبرين في كتاباتهم وابداعاتهم وخطبهم عن الغضب الثوري المقدس وعن الشوق الى الاستشهاد فتميزت هذه الانتفاضة والثورة والمقاومة الفلسطينية بانها قامت على وهج تفاعل سياسي– ثقافي حتى انه اصبحت كل الاعمال الثقافية الفلسطينية مميزة باندماج كلي بين السياسي والفكري والادبي وبرز دور المثقف الفلسطيني داخل الارض المحتلة وخارجها كما برز دور الثقافة كقوة توحد وتتلاحم بهموم الشعب الفلسطيني وتعبر عن طموحاته وتواكب انتفاضاته وتقدم صورا نضالية عن تمسكه بالأرض وتشبته بالبقاء واستشهاده من اجل الحرية والاستقلال وهكذا حملت قصائد محمود درويش وسميح القاسم وسالم جبران وراشد حسين وغيرهم صرخة الانسان الفلسطيني في صراعه مع الصهيونية العنصرية والامبريالية الاستعمارية ومواجهتها لسياسة التهويد والطرد والنزوح كما عبرت قصص اميل حبيبي ومحمد نفاع ومحمد طه وتوفيق فياض وعشرات القصاصين والروائيين عن الصمود الانساني والصلة بالأرض والتراب والماء والسماء والشجر والتراث والتاريخ والقيم الروحية والحضارية.
لقد تصدت المقاومة الثقافية في فلسطين وباقتدار لاستراتيجية العدو الرهيبة التي تقوم على خلق حالة من العدمية القومية والضياع الوجودي ودفع ابناء الوطن الفلسطيني في الداخل والخارج الى الاستسلام والانهزام والاستكانة وجعل المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية اشبه بالمعازل المتباعدة لا تقوم بينها اية اشكال من الروابط الوطنية والحضارية والقومية لكن الحياة الروحية للشعب الفلسطيني المتمثلة في ثقافته وتاريخه وقيمه النضالية والجهادية وتراثه الديني والفكري وترابطه الاجتماعي كانت وجدانه النابض الذي استطاع الوقوف في وجه استراتيجية العدو القائمة على التقتيل والتنكيل والتهجير والابادة.. وجاءت الاغنية والقصيدة الفلسطينية حاملة قيم التحدي والصمود تدعوا المقاومين الى مزيد من الانفجار بحجم الضغط الذي يعبئها بالغضب والالم والامل وكانت قصائد محمود درويش وسميح القاسم وغيرهما تحمل صور البطولة والتضحية والاستشهاد مما يبين دور الشعر او الكلمة عامة في المعركة المقدسة والكفاح ضد الظلم والعدوان فالأغنية والقصيدة الفلسطينية جعلت من الكلمة والبندقية والحجر القوة التي لا تقهر… وان محمود درويش ومعين بسيسو وسميح القاسم وابو سلمى وعبد الرحيم محمود وابراهيم طوقان وكل الشعراء الفلسطينيين كانوا يرسمون المعارك البطولية في قصائدهم وفي اعمالهم الابداعية يعتزون فيها بعروبتهم وبارضهم ووطنهم ولغتهم ومقدساتهم
بلادي لي
بلادي لي
كتبت اسمي بأسناني
على اشجارها وصخورها
وترابها الحاني
أأنساها وتنساني؟
بلادي لي
ان الشاعر الفلسطيني وكل مبدع او كاتب الا ويعيش محنة فلسطين بكل ابعادها وجوانبها ماسيها واحزانها نكساتها ونكباتها وسواء كانت تتصل بمأساته كشاعر او كاتب او مبدع يدافع عن كرامة الكلمة ويكافح مع شعبه لاسترداد حقه ولقد جاوروا المقاومين والفدائيين في متاريسهم وجاوروا راجمي الحجارة في الشوارع والساحات والازقة والدروب.
هكذا خاضت الثقافة الفلسطينية معركة البقاء ومعركة الارض ومعركة الحقوق المشروعة ومعركة الوجود وبرزت هذه الثقافة في معركة الشعب الفلسطيني كسلاح بيد الانسان ضد محاولة عزله عن مجتمعه وعن قوميته وعن تاريخه وادبه وتراثه.
هذا ما كان ….اما الان فليس احسن مما كان !!
الان لم تعد القضية الفلسطينية تحتل نفس المساحة في كتابات كثير من الكتاب والمثقفين والمبدعين كما ولم تعد تعني لهم الشيء الكثير كقضية مركزية في حياتهم واهتماماتهم وابداعاتهم مما يشيئ بان الشعب الفلسطيني اضحى لوحده يكابد الخسائر ويشيع الشهداء امام موت الضمير الانساني وتخاذل النظام الثقافي العربي حتى اولئك الذين يعتبرون انفسهم من المثقفين المناصرين للقضية الفلسطينية اغلبهم لا يزالون يقبعون في ضبابية الرؤية والموقف بل وغياب استراتيجية واعية لمواجهة الاستراتيجية الصهيونية كإيديولوجيا وكنظام مرتبطة تاريخيا وبنيويا بمخططات القوى الامبريالية العالمية وهو ما يدل على وجود خلل جسيم في انماط التفكير واسلوب التعامل مع الاحداث وتحليلها من قبيل التعامل مع القضية الفلسطينية بشكل انتقائي حيث نرى بعضهم وممن لهم مواقف سلبية من المقدس الديني ومن دعاة الفصل التام بين السياسي والديني نراهم يوجهون سهامهم للمقاومة الفلسطينية في غزة لمجرد انها حركة اسلامية وكأنهم بهذا الموقف السلبي المنهزم يحرضون الاحتلال والسلطة وبعض الحكومات لاغتيال قادتها وسحق مقاتليها باعتبارهم اشخاصا ارهابيين ينبغي اجتثاثهم متجاهلين بذلك الحق الشرعي للشعوب في تحرير اوطانها والدفاع عن ذاتها بكل الوسائل المتاحة وان منهم من يدينون المقاومة الفلسطينية التي تدافع عن حقها في الوجود وعن ارضها واصفين اياها بالإرهاب والاصولية ومعاداة الحداثة وانها تسعى لقيام دولة فلسطينية اسلامية؟؟؟
ان هذا الصراع الثقافي الحاد الذي يدور بين انصار التسوية “السلمية” مع اسرائيل بشروطها الراهنة وانصار المقاومة المسلحة يعد من بين الصراعات الثقافية الهامة وذلك لأنه يتضمن تناقضا جوهريا بين رؤى مختلفة للعالم بما في ذلك النظرة الى الذات وتصور الاخر ويتفرع من هذا الصراع الجدل المحتدم حول مقاومة التطبيع مع اسرائيل حتى ولو وقعت اتفاقيات سلام مع الدول العربية مادامت الدولة الفلسطينية لم تقم بعد ومادامت اسرائيل لم تنسحب من كل الاراضي العربية المحتلة.
هكذا كشفت الحرب الدائرة في غزة ولبنان سقوط النظام الثقافي العربي بعد سلسلة سابقة من الهزائم العسكرية والسياسية والقومية والتي لم تفضح هشاشة وموقف القرار العربي فحسب بل اسقطت اخر ورقة التوت التي تغطي سوءة العديد من المثقفين سواء ممن انخرطوا مجبرين او “بطيب خاطر” في تبرير النازية الجديدة لإسرائيل.
فهل يحق لنا القول بعد هذه الهزائم المتكررة وخروج المثقف من دائرة المقاومة وعجزه عن استنهاض العزائم الوطنية والقومية ان الجدار الثقافي العربي انهار وسقط ؟؟؟
ذ. محمد بادرة