بقلم: احمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية.
مرة أخرى، يخرج الموقف الأمريكي من مجرد تصريحات دبلوماسية تقليدية، إلى تأكيد واضح ومتجدد على دعم سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. فزيارة وفد من الكونغرس الأمريكي إلى الرباط، والتصريحات القوية التي صدرت عنه، ليست فقط دعماً رمزياً لمقترح الحكم الذاتي المغربي، بل هي أيضاً رسالة سياسية واستراتيجية تتجاوز حدود المنطقة.
في لحظة إقليمية ودولية تتسم بالتحولات السريعة، يعيد الكونغرس الأمريكي التأكيد على موقف واشنطن المعبر عنه سنة 2020، والذي يعترف بشكل لا لبس فيه بسيادة المغرب على الصحراء. وما يميز هذه المرة هو أن هذا الموقف لم يأتِ فقط من الإدارة التنفيذية، بل أيضاً من ممثلين منتخبين عن الشعب الأمريكي، ما يعكس توافقاً نادراً في الرؤية داخل المؤسسات الأمريكية تجاه الشراكة مع الرباط.
تصريحات النائب مايك لولر لم تكن مجاملة دبلوماسية، بل بدت وكأنها خارطة طريق لتوسيع التعاون الأمريكي-المغربي، خاصة في الأقاليم الجنوبية، حيث دعا إلى استغلال الاعتراف الأمريكي لتشجيع الاستثمار وتعزيز التنمية. وهو ما ينسجم مع التوجه المغربي لتحويل هذه الأقاليم إلى مراكز تنموية واقتصادية منفتحة على إفريقيا.
أما النائب ريتشـي توريس، فقد ذهب إلى أبعد من ذلك، واصفاً المغرب بأنه “أفضل صديق لأمريكا في شمال إفريقيا”، في إشارة واضحة إلى أن الرباط لم تعد مجرد شريك عابر، بل باتت حجر زاوية في الاستراتيجية الأمريكية بالمنطقة.
هذه التصريحات لا تنفصل عن التوازنات الجيوسياسية الجديدة. فالمغرب اليوم يشكل قاعدة للاستقرار في شمال وغرب إفريقيا، ويلعب دوراً محورياً في قضايا الأمن، الهجرة، ومكافحة الإرهاب، فضلاً عن كونه فاعلاً اقتصادياً صاعداً يربط بين ثلاث قارات. وهو ما يجعل من موقف واشنطن دعماً لمشروع استراتيجي، لا فقط لموقف سياسي ظرفي.
في المقابل، تأتي هذه التصريحات في وقت يواصل فيه خصوم الوحدة الترابية للمملكة محاولاتهم لخلق واقع موازٍ في المؤسسات الدولية. لكن الفرق أن المغرب يتحرك بثقة، مستنداً إلى دعم دولي متزايد، ومبادرة حكم ذاتي تعتبرها قوى كبرى – مثل الولايات المتحدة وفرنسا – الأساس الواقعي لحل النزاع.
بالتالي، يمكن القول إن رسالة الكونغرس الأمريكي، من قلب العاصمة الرباط، لم تكن مجرد تأكيد لموقف سابق، بل خطوة متقدمة نحو تثبيت الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، وإشارة إلى أن العلاقات بين البلدين تدخل مرحلة أكثر نضجاً ووضوحاً.
وفي النهاية، من الواضح أن المغرب، تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، لم يعد ينتظر الاعترافات، بل يصنع التحولات على الأرض… والبقية تلحق.