أكادير ( 1960 – 2025 )..65 سنة بعد الزلزال مدينة عاشت بإرادة ثلاثة ملوك

Sans titre 12 أكادير والجهات

تستحضر ساكنة مدينة أكادير يوم 29 فبراير، كل أربع سنوات، الذكرى الأليمة لحادث الزلزال الذي حولها إلى مدينة مؤودة في أحد ليالي رمضان. ورغم كون سنة 2025 سنة كبيسة لإنعجام اليوم التاسع والعشرين فيها، فإن مسؤولي المدينة خصصوا يوم 28 فبراير موعدا للكرى، لأن سن   2025 تطفئء شمعة 65 سنة على هذه الفاجعة. وبالفعل، ينظم أمام بلدية أكادير معرضا مفتوحا للعموم علقت فيه صور للحادث تمكن من التعرف على بعض لقطات النكبة وما تلاها من انجازات في البناء و العمران في المدينة المولدة من جديد.

1 2

لا يمكن للزائر سوى أن يثمن هذه المبادرة، ويثني على القائمين عليها، خاصة أنها تربط الحاضر بالماضي، وتفتح أفاقا لتعريف الناشئة والشباب الأكاديري، وعموم الزوار، مغاربة وأجانب، بتاريخ المدينة وذاكرتها، علما أن التاريخ التذكاري يقوي الشعور بالإنتماء ويساهم في بناء الهوية الوطنية. بلأن تنظيم هذه التظاهرة يمثل فرصة للوقوف عند تنمية المدينة وما شهدته من تطورات على مستوى ما تحقق من انجازات، مع رصد بعض العوائق التي تحول أمام إرادة الانبعاث.

مساهمة في هذه الذكرى، التي لن تنحصر في البكاء على الأطلال، والتي نترحم من خلالها، في هذا الشهر المبارك، على شهداء زلزال أكادير، اخترنا لمقالنا العنوان أعلاه، فالمدينة، مباشرة بعد الزلزال، بصمتها إرادة ثلاثة ملوك؛ المغفور لهما: الملكان محمد الخامس والحسن الثاني تغمدهما الله برحمته الواسعة، والملك محمد السادس نصره الله. وهذا ما يتبين من خلال ما يلي:

 1 – محمد الخامس وإرادة الانبعاث:

2 1

مباشرة بعد وقوع الحادثة، قام المغفور له الملك محمد الخامس، رفقة ولي العهد آنذاك المرحوم الحسن الثاني، بالحضور الفعلي إلى عين المكان، والوقف على اثار الكارثة وانعاساتها على البنيان والنسان. ووضع حجر الأساس للمدينة الجديدة في 30 يونيو 1960 .

وبعد هذه الزيارة الملكية لأكادير، والرعاية الخاصة التي يوليها لها عاهل البلاد، كان من الطبيعي أن تخرج المدينة المعروفة بمدينة الانبعاث من رمادها، كأنها طائر الفنيق، بعد الزلزال المأساوي، من دمارها لتشهد نهضة جديدة بعد القول المأثور للمرحوم محمد الخامس الذي صرح فيه ب” لئن حكمت الأقدار بخراب أكادير، فإن بنائها موكول إلى إرادتنا وإيماننا “. ومباشرة بعدالزلزال، تجند المغاربة ومعهم دول أجنبية صديقة لإعادة الإعمار بشكل هندسي جميل، وأعيد بناء المدينة وتطويرها مع الحفاظ على مينائها وهويتها البحرية والسياحية، حيث تم إنشاء مركز مدينة جديد مع طرق جميلة وواسعة ومجهزة بالمتاجر والخدمات والبنى التحتية الفندقية الحديثة، و داع صيت المدينة حيث كانت تعرف توافد مكثف للسواح المغاربة و الأجانب، حيث تم بناء أكادير الجديدة جنوب المدينة القديمة، وتميزت المدينة الجديدة بشوارعها الفسيحة وبناياتها الحديثة ومقاهيها، لدرجة تم نعتها بباري الصغيرة واعتبارها مدينة سياحية مغربية بعد مراكش لشواطئها الزرقاء وسمائها الصافية.

2 – الحسن الثاني يجعل من أكادير قاطرة مسيرة الوحدة والتنمية:

3 1

تفتخر مدينة أكادير بتشريفها بالإعلان عن انطلاق المسيرة الخضراء من قلب بلدية المدينة، في الخطاب السامي التاريخي للمرحوم الملك الحسن الثاني في 5 نوفمبر 1975، بمدينة أكادير، وكانت هذه اللحظة التي نقشت في ذاكرة المدينة وفي قلوب مواطنيها، فكانت لأكادير الحظوة بأن تكون فال خير على الوطن، حيث شكلت المسيرة السلمية إعلانا عن الإستمرار في مسير تنمية أقاليمنا الجنوبية على كل المستويات.

بعد هذا التاريخ عرفت المدينة نموا وتسعا عمرانيا، ورغم كونه بطيئا، بسسب ظروف المرحل، فقد تم تحسين الشروط المعيشية بتجاوز مخلفات زلزال 1960، حيث تم فتح عد أوراش كبرى تمثلث في محاربة أحياء والصفيح ( أمسرنات – دار رجاء فالله – الخيام – بوتسرا – أنزا – بيكران…)، والشروع في تهيئة البنية التحتية، وهيكلة الأحياء العشوائية ( تدارت – بوركان…) والفضاءات الاقتصادية والسياحية، وإلحاق مدن مجارة ببلدية المدينة(تكوين – بنسركاو – أنزا)، إضافة لتوسيع المجال الحضري ب بخلق أحياء جديدة واسعة.

استمرت هذه القافلة التنموية المتواضعة لأكادير، بإيجابياتها وتعثراتها، حتى سنة 2024، لتعرف المدينة طفرة تنموية كوبرنيكية.

3 – الملك محمد السادس: مشروع تهيئة شاملة لأكادير جديدة.

 مدة 60 سنة، حظيت مدينة أكادير بزيارة تاريخية للملك محمد السادس، الذي أعطى تعليماته السامية لكل المسؤولين بالمدينة، للشروع في مباشرة تهيئة جديدة للمدينة، لتلتحق بالمدن التي عرفت النهضة العمرانية والحضرية، وبالفعل، وبعد مد قصيرة بدأت أكادير تتزين من جديد وتتهيأ لانبعاث جديد، لتهيئة متحورة من الموجة الخامسة، بعد خمس موجات سابقة من التهيئة. فبعد تجارب المجالس السابقة بـتعدد ألوانها، وما رافقها من مشاريع لتنمية المجال والإنسان، أخرجت الزيارة الملكية الأخيرة مشروع التهيئة الكبرى (2020 – 2024 ). هذا المشروع، الذي تشرف عليه شركة للتهيئة تضم عدة متدخلين من مختلف السلط بالمدينة والجهة. ولقد استبشرت به الساكنة خيرا بالمبادرة التي تجسدت على أرض الواقع، بعد أن كانت مجرد صور هندسية..
لا يمكن نكران الانعكاسات الإيجابية التي ولدتها التهيئة على جمالية المدينة ورونقها، حيث أنها تجعلها مدينة تشرف ساكنة سوس والمغاربة. فرغم التأخر في الإنجاز، وبعض الإزعاج الناجم عن الأشغال، فإن المشاريع الجديدة ستمنحها وجها مشرقا جديدا، وتجعلها في مستوى التطلعات

. وبالفعل، لا ننكر الانجازات التي أنتجتها برامج التهيئة المحلية، على امتداد الأربع سنوات الماضية. هذه التهيئة شملت الفضاءات العمومية، من حدائق وطرق وإعداد ممرات الحافلات الجديدة وإعادة تبليط بعض الأزقة والإحياء، مع تجديد البنيات التحتية، كالماء والكهرباء والصرف الصحي,,, وإنشاء مرافق عمومية جديدة في مجالات الصحة والثقافة والرياضة، كمنتزه الانبعاث والمركب الثقافي الموسيقي… هكذا تتكاثر المنجزات وتفصح عن جدواها وعن أهميتها وقيمتها.

لكن هذا التهيئة الجديدة تعاني من عوائق متوارثة من زمن طويل، مما سيجعل كل المجهودات غير ذات أهمية، علما أن هذه المعضلات السيئة السمعة والقبيحة المنظر، ليست فقط من مسؤولية جهة بعينها، بل هي مسؤولية مشتركة لعدة مصالح وزارية، وحتى للقطاع الشبه عمومي، دون أن ننسى مسؤولية بعض البشر المفتقد لحس المواطنة.

يمكن لمن شهد بناء المدينة منذ انبعاثها بعد الزلزال، ولمن زار مدنا أخرى بالمغرب، والتي عرفت هي الأخرى تجربة التهيئة المجالية كمراكش والرباط وطنجة…، ولمن زار مدنا من خارج المغرب كتركيا او بعض الدول المكافئة، ومن  خلال جولات قصيرة بالمدينة تظهر للعين المجردة بعض المعضلات الأكاديرية السلبية،  ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، ما يلي:

1 – المتشردون والمتسولون والمختلون عقليا: ابتليت المدينة مؤخرا بازدياد عدد المتشردين والمتسولين، ومنهم الأطفال الصغار، والمختلين نفسيا وعقليا، ومنهم الخطيرون، فتصادفهم في لاكورنيش وفي وسط المدينة وفي غالبية الأحياء وبساحة الحافلات والطاكسيات…والمؤسف أن يشكل شارع الحسن الثاني محمية لهؤلاء بشكل يشوه المدينة.

2 –  أوكار المساج: انتشرت كالفطر، في العشر سنوات الأخيرة، بالمدينة ظاهرة أماكن مخصوصة تعرف فاللسان المتداول بمحلات المساج والتدليك والصونا. وتنتشر بمختلف أحياء المدينة مع التباين حسب الإقبال. وعادة ما تتوطن في الأحياء القريبة من وسط المدينة.

3 – احتلال الفضاء العمومي: سمعنا وشاهدنا مؤخرا كيف أن المدينة عرفت حركية متميزة وغير مسبوقة لمحاربة احتلال العمومي بعدة أحياء، وشملت الحملة عدة مواقع التي كانت لزمن طويل تهيمن على الأماكن المخصصة للراجيلن. ورغم هذه المبادرة المحمودة التي استحسنتها الساكنة، فإن إخطبوط اغتصاب الفضاء العمومي مازال قائما. ويظهر ذلك من زاويتين:

  • أماكن السير والجولان: تزايد، بشكل ملحوظ، احتلال الطوار حتى على مستوى الطرق التي تم تحديثها وتجديدها. فنجد أن السيارات الخاصة أو العامة المستغلة لأغراض خاصة، وكذا الدراجات، في الليل كما في النهار، تركن فوق الطوار بشكل مكثف، فتغلق ممرات الرجلين، وترمي المواطن للمشي فرب الناقلات حيث يتعرض لأنواع الأخطار,
  • هيمنة بعض المقاهي/المطاعم على الفضاء العمومي: رغم المجه0ودات المحمودة للسلطات لتحرير الملك العمومي على مستوى المدينة، مازالت بعض المقاهي/المطاعم تحتل الطوار وممرات الراجلين بطاولاتها وكراسيها المتنقلة التي تنشرها فوق الرصيف بشكل مفضوح.
  • 4 – أزمة المرحاض العمومي: يبدو أن هذه النقطة غير ذات أهمية، ويمكن أن يصنف البعض تناولها ضمن كلام التفاهة. لكن العكس هو الصواب؛ فموضوع المرحاض له أهميته وراهنيته بمدينة أكادير.

5 – الروائح الكريهة والازبال: قد تفاجئك روائح قنوات الصرف الصحة الكريهة، بسسب توقف المياه العادمة، فمثلا في مواقع عديدة بالمدينة تسود رائحة كريهة منبعثة من القارورات المنكسرة أحيانا، أما الأزبال ففيها كلام كثير، رغم مجهودات عمال النظافة وعجرفة بعض البشر النرجيسي والأناني.

6 سرطان دكاكين الشيشة: ابتليت مدينة أكادير، في السنوات الأخيرة، بتفشي دكاكين الشيشة في ع0دة مواقع. ونظرا لاحتجاجات السكان بالأحياء الشعبية، تفتقت حيل رعاتها، للتوطن في المناطق السياحية القليلة السكان أوالخالية منهم. هكذا نجد المعضلة تنتشر كالسرطان في الشوارع والازقة وسط المدينة وفي رئة متعاطيها.

7 غياب الصيانة: رغم التاريخ القصير للمدينة الجديدة والمجددة، يتبين أن مشكلة صيانة المنجزات، التي تصرف عليها الملاييير، تبقى قائمة. فالمجالس السابقة كانت تنجز مشاريع هامة، لكن سرعان ما كانت هذه المشاريع تؤول للخراب بسبب غياب الصيانة والمراقبة. يكفي أن نستحضر ما تم انجازه سابقا.

8 – الفتور الثقافي الجاد: بعد أن كانت أكادير مدينة الانبعاث الثقافي، ورغم شح الموارد والإمكانيات، بدأت أكادير تشهد فتورا ثقافيا جليا. فرغم أنها مدينة جامعية، بدأت المؤسسات والجمعيات تتراجع إلى الوراء في المساهمة الثقافية المنتظمة مقارنة بالسنوات العشر الماضية. لهذا فحتى التهيئة الثقافية ضرورية للحد من نظام التفاهة والغباء الرقمي والاحتفالي .
هذه مجرد بعض المشاهد بأكادير 2025. هذه المدينة التي تنتظر المزيد من المبادرات التنموية ليعود لها بريقها ورونقها.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً