الوسم: فسحة رمضان مع العلم والاختراعات

  • فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -26- .. اكتشاف الكهرباء وظهور الآلات الكهربائية

    فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -26- .. اكتشاف الكهرباء وظهور الآلات الكهربائية

     

    بعد اكتشاف الكهرباء، توالت الاختراعات في إنتاج وتخزين وتوزيع الكهرباء. فظهرت العديد من المعدات التي سمحت بنقل الكهرباء عبر خطوط الضغط العالي، وجعلِ المنازل مزودة بنورها. الذكاء الإنساني لم يقف عند هذا الحد، بل شرع في الاستفادة القصوى من هذا الاكتشاف الذي نقل حياة الإنسان من واقع إلى واقع مغاير مع مطلع القرن العشرين. سمح اكتشاف الكهرباء من تعزيز الأبحاث والتجارب، وهو ما أفضى إلى ظهور العديد من الأدوات الكهربائية التي جعلت الإنسانية تدخل عصر الحداثة، الأمر الذي سنتطرق له في هذه الحلقة.

    يعتبر الإبريق الكهربائي لغلي الماء من أقدم الأدوات الكهربائية المنزلية، فأول إبريق كهربائي ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1893. لكن الإبريق الموثوق والقابل للاستعمال الكثيف يعود لسنة 1923 من ابتكار الإنجليزي -لاَرْجْ-. وفي 1931 سيبتكر إنجليزي آخر قاطع الأمان الذي يحمي الإبريق حين يتجاوز السخان الحرارة المعهودة. وبذلك يصبح الإبريق الكهربائي منتشرا في المنازل وأحد المكونات الجديدة لأدوات المطبخ منذ ثلاثينيات القرن الماضي.

    أول ثلاجة تظهر للوجود بمدينة شيكاغو الأمريكية سنة 1913. وفي سنة 1918 سيشرع الأمريكي -ناتانييل واليس- في بيع ثلاجته للعموم. ولم تظهر الثلاجة بحرارتين تُمكن من تجميد الأغذية سوى سنة 1939 من قبل الشركة الأمريكية المعروفة جنيرال إلكتريك. هذه الأخيرة ستكون أول من سيضع في الأسواق التجارية مُحمصة الخبز (grille pain) سنة 1909. لكن محمصة الخبز كما نعرفها في عصرنا تم اختراعها من طرف الأمريكي -شارل ستريت- سنة 1918.

    يعود تاريخ غسالة الأواني إلى ما قبل حقبة الكهرباء. فأول غسالة للأواني كانت ميكانيكية وظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية ما بين عامي 1850 و1865. غسالة الأواني الكهربائية ظهرت في الأسواق سنة 1912، والغسالة الأتوماتيكية تم الشروع في تصنيعها سنة 1940 في الولايات المتحدة الأمريكية. ولم يُشرع في تصديرها لأوروبا إلا سنة 1960. أما غسالة الملابس فقد عرفت تاريخا مغايرا. فقد كان الإنسان يستعمل آلة تشتغل بالبخار قبل أن يخترع الأمريكي -ألفا فيشير- سنة 1901 أول غسالة كهربائية. لكن تصنيع هذه الآلة بكثافة وتسويقها لم يبدأ سوى في مطلع الحرب العالمية الثانية.

    إذا كانت طحانة القهوة اليدوية قديمة قدم استهلاك الإنسان للقهوة، حيث يعود تاريخ اختراعها إلى سنة 1687، فإن الطحانة الكهربائية لم تظهر للوجود سوى سنة 1937 من طرف الشركة الأمريكية -هوبار منيفاكتورين-.

    فرن الموجات الدقيقة (Micro-Ondes) تم اختراعه بالصدفة من قبل الأمريكي -بيرسي سبينسر- الذي لاحظ ذوبان حلوى كانت في جيبه حين كان يقوم بتجارب حول انبعاث الطاقة الكهرومغناطيسية من خلال الموجات القصيرة. فقامت الشركة الأمريكية -رايثيون- التي يقوم -بيرسي- بأبحاثه لصالحها، بتطوير تلك الملاحظة التي أفضت إلى طرح الشركة لفرن الموجات الدقيقة في الأسواق سنة 1947.

    كانت هذه الآلات بمختلف وظائفها هي البداية الفعلية لانطلاق الثورة الصناعية في الآلات المنزلية، وتعزيز مجتمع العصرنة. فأصبح المخترعون يتسابقون من أجل الاستفادة من اكتشاف الكهرباء، لاختراع آلات كهربائية تساعد الإنسان في حاجياته اليومية معلنة بداية عصر الرفاهية والاستهلاك الكثيف. لم يترك المخترعون أي مجال من مجالات حاجيات الإنسان اليومية إلا وطرحوا في الأسواق آلات تناسب تلك الحاجيات. هكذا بدأت تظهر بعض الآلات التي تزيد من رفاهية الإنسان كماكينة الحلاقة الكهربائية التي اخترعها الأمريكي -جاكوب سشيك- سنة 1928، ولم تظهر هذه الآلة في الأسواق الأوروبية سوى سنة 1945. ومجفف الشعر الذي ظهر في الأسواق الأمريكية في 1920، في حين لم يُشرع في إنتاج مجفف الشعر المنزلي سوى سنة 1951. أما الشواية الكهربائية فقد اخترعها الأمريكي -شارل أمسترونغ- وتم تسويقها ابتداء من سنة 1916. مِكواة الملابس اخترعها الأمريكي -هونري سيلي- سنة 1882، لكنها لم تكن تستعمل لأن المنازل لم تكن مرتبطة بعدُ بالشبكة الكهربائية. سنة 1924 اخترع الأمريكي -جوزيف مايير- المكواة بمنظم الحرارة (Thermostat)، قبل أن تطرح شركة أمريكية المكواة بالبخار سنة 1926. وفكرة المكواة قديمة جدا، تعود جذورها إلى القرن الخامس حيث كان الصينيون يستعملون صحونا من النحاس يضعون فيها الجمر الساخن لِكَيِّ الملابس. وظلت الإنسانية تستعمل هذه الطريقة في كَيِّ الملابس حتى القرن الثامن حيث ظهرت في الغرب المكواة التي يتم تسخينها فوق الفرن في القرن 19، ثم المكواة الكهربائية في القرن 20.

    قد يعتقد الناس أن تطور رفاهية العيش يزيد مع تطور الابتكار الإنساني، لكننا لا يجب أن نغفل حقيقة أن الرفاهية مهما بلغت من تقدم، يعود الفضل فيها لشيء واحد هو ابتكار الكهرباء.

    سعيد الغماز

  • فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -25- .. توماس أديسون أشهر مخترع في العالم

    فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -25- .. توماس أديسون أشهر مخترع في العالم

    أكادير24 | Agadir24

    “ابنكِ عبقري، هذه المدرسة متواضعة جدا بالنسبة له…من فضلك، علَّميه في المنزل” كانت هذه هي الكذبة التي صنعت اسم أديسون مخترع المصباح الذي أضاء العالم. وصاحبة الكذبة لم تكن سوى أمه التي توصلت برسالة طرد ابنها من المدرسة فحورت مضمونها لتشجيع فلدة كبدها على مواصلة تعلمه. كان أديسون يعاني من ضعف في السمع، ما جعله يشعر بالملل في القسم ليصير فضوليا ينشغل بكل ما حوله في فصل الدراسة. كما أن المناهج الدراسية وقتها كانت ترتكز على التعلم بالحفظ مع التلقين، فظنه أساتذته بليدا ومتخلفا عقليا.

    المضمون الحقيقي للرسالة لم يكتشفه أديسون إلا بعد وفاة أمه بفترة، حين وجد الرسالة وقرأها وهو يبكي بعد اكتشاف مضمونها الحقيقي “ابنكِ مريض عقليا ولا يمكننا السماح له بالدخول إلى المدرسة بعد الآن”. تأثر أديسون لِما قامت به أمه فكتب في مذكراته “توماس أديسون كان طفلا مريضا عقليا، ولكن بفضل أمه البطلة أصبح عبقري القرن”. هكذا تكون كذبة أمٍّ وراء عبقرية ابنٍ.

    نقطة تحول كبيرة سيشهدها مسار أديسون في رحلته نحو الاختراعات. فبعد تعطل آلة في بُرصة الذهب كانت وظيفتها تسجيل الأسعار، أتى لإصلاحها مخترع الآلة، ودفع فضول أديسون لعرض المساعدة عليه. بعد أن رأى مخترع الآلة ما قدمه أديسون من مبادرة وذكاء، قرر تعيينه مشرفا على مصنعه براتب شهري مهم. كانت هذه نقطة تحول أديسون للتفرغ بالكامل للاختراع والابتكار.

    اسم توماس أديسون مرتبط باختراع المصباح الكهربائي الذي أضاء منازل وشوارع العالم وأحدث ثورة عالمية في مجال الإنارة في القرن 19. وهناك من يصفه بأول مخترع للمصباح، والحقيقة أنه واحد من هؤلاء المخترعين وليس أولهم. فالمصباح الكهربائي كان موجودا منذ القدم على يد عدة مخترعين، لكنه كان مصباحا يتوقف عن العمل سريعاً ومكلفا لدرجة لم يكن بالإمكان تعميمه على جميع السكان. هنا يكمن تدخل أديسون بتطوير المصباح الكهربائي وجعله قادرا على الإضاءة لفترات طويلة وبسعر مناسب للجميع. أمّا عن دور أديسون فقد تمثّل في إنشائه عازلا داخل المصباح، وإيجاد الفتيل المناسب الذي يعمل بمبدأ التسخين المعدني لتوليد الضوء، وبالتالي أصبح جهد المصباح أقل. وبذلك ترك أديسون بصمته في جعل المصابيح الكهربائية تعمل لمدة زمنية كبيرة، ليتمكّن فيما بعد من اختراع نظام مولدات كهربائية توّلد الطاقة للمصابيح والمحركات وغيرها. حدث ذلك في أواخر عام 1870م فأصبحت المنازل تُضاء بالمصابيح حتى أصبحت هذه الأخيرة جزءا من حياة البشر.

    إذا كان المصباح الكهربائي يُنسب رسميا إلى أديسون، فهناك العديد من الأبحاث التي سبقته والتي ألهمت أديسون وأدخل عليها تعديلات ليحصل على براءة اختراع المصباح الكهربائي باسمه. كان من أبرز المحاولات التي سبقت أديسون، أعمال الكيميائي البريطاني -همفري ديفي- الذي تمكن في عام 1802 من الحصول على ضوء قصير الأجل عن طريق تمرير تيار كهربائي من خلال خيط رفيع من البلاتينيوم، لكن ذلك المصباح لم يكن مضيئا بشكل كاف كما أنه لم يكن يعمل لفترة طويلة وتكلفته الاقتصادية كانت عالية، مما تسبب في عدم انتشاره وسط العامة. بعد هذه المحاولة قام العالم البريطاني -وارن دي لارو- في عام 1840 باختراع خيوط بلاتينية ملفوفة في أنبوبِ فَراغ ومرر تيارا كهربائيا من خلاله. وفي سنة 1872 قام الروسي -ألكسندر لوديجين- باختراع لمبةَ ضوءٍ متوهجة وحصل على براءة اختراع روسية سنة 1874. ثم قام الصديقان الكنديان -ماثيو إيفانز- و-هنري وودوارد- بتطوير لمبة الضوء المتوهج ونالا براءة اختراعهم عام 1874 أي قبل قيام أديسون بتسجيل براءة اختراعه بخمس سنوات كاملة. قبل تسجيل أديسون اختراعه بعام، قام الفزيائي البريطاني -جوزيف سوان- سنة 1878 بالحصول على براءة اختراع المصباح الكهربائي حيث استمر مصباحه بالعمل لمدة أربعين ساعة. وهكذا يمكن القول إن كل ما فعله أديسون هو الاستفادة من كل ما توصل إليه هؤلاء العلماء الذين لم يستطيعوا الترويج لاختراعاتهم، إلى جانب إضافة تعديل عليها لجعل المصباح الكهربائي أطول عمرا وأقل تكلفة، قبل تسجيل براءة اختراع مصباحه سنة 1879.

    لإنتاج الكهرباء اخترع أديسون المولد الكهربائي الذي ينتج الكهرباء المستمر. كان هذا النوع من المولدات غير ملائم لتوسيع شبكة توزيع الكهرباء لأن التيار يضعف مع طول المسافة ويصبح غير قادر على إضاءة المصابيح بعد مسافة كيلومترين تقريبا، وهو ما يتطلب عددا كبيرا من المولدات في كافة أنحاء المدينة. لكن في عام 1888 سيستطيع -نيكولا تِسلا- من اختراع مولدات التيار المتردد وهو التيار المستخدَم في المنازل عن طريق أسلاك التمدد الكهربائي الذي يُستعمل في عصرنا الحالي.

    اختراع المصباح الكهربائي لا يخرج عن المنطق الذي تحدثنا عنه في الحلقة الأولى والذي يقول إن الاختراعات هي نتيجة تظافر جهود الكثير من العلماء وتراكم التجارب الإنسانية في الكون ككل. فالمصباح لا يمكن أن ننسبه لأديسون وحده، بل إنه نتيجة تظافر سلسلة من الأبحاث والابتكارات أنتجت مصباح أديسون. ولم تقف الحكاية عند هذا الفصل، لأن الشبكة التي اعتمدها أديسون لتوزيع الكهرباء على المنازل، كانت تشتغل بالتيار المستمر الذي يضعف بعد أقل من كيلومترين لتتعذر إنارة المنازل بعد هذه المسافة. استمر الحال على هذا الشكل حتى ابتكر -نيكولا تسلا- مولدات تشتغل بالتيار المتردد ليجد حلا نهائيا لهذه المعضلة التي وقف أديسون عاجزا أمامها. شبكة تِسلا الكهربائية ظلت قائمة وتُستعمل في عصرنا الحالي. فالمخترع ما هو إلا حلقة من سلسة الاختراعات التي تتطور بها البشرية.

    سعيد الغماز

     

     

  • فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -24- .. عالم جديد بعد اكتشاف الكهرباء

    فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -24- .. عالم جديد بعد اكتشاف الكهرباء

    أكادير24 | Agadir24

    أجمع مؤرخو التاريخ على أن اكتشاف الكهرباء شكل حدثا فارقا في تاريخ البشرية نتج عنه عالم جديد وحياة جديدة. ويمكن أن نتحدث عن العالم ما قبل وما بعد اكتشاف الكهرباء. وجدير بالذكر أن الإنسان اكتشف الكهرباء ولم يخترعها، لأن الكهرباء كانت نتيجة اكتشاف الظواهر الكهربائية الموجودة في الكون، ولم يتم اختراعها من عدم. في حين تهم الاختراعات البشرية في هذا المجال طُرق إنتاج الكهرباء وتخزينها وتوزيعها. يسود الاعتقاد لدى الكثيرين أن الكهرباء مرتبط بتوماس أديسون نظرا لشهرة هذا الاسم. لكن الكهرباء ليس كباقي الاكتشافات والاختراعات المرتبطة باسم واحد أو مخترِع معين. فظهور الكهرباء عرف تطورات متتالية، ومراحل متعاقبة، اشتغل فيها العديد من العلماء. وهو ما سنوضحه باختصار شديد وبالتأكيد على أهم المحطات وأبرز المبتكرين.

    تعود جذور مراقبة الظواهر الكهربائية إلى الحقبة اليونانية. فقد تحدث عن هذه الظواهر كل من الفيلسوف طاليس وأرسطو. لكن الفيزيائي البريطاني -ويليام جيلبير- هو من قام بأول دراسة علمية للجذب الكهربائي في القرن 16. وفي 1650 سيتمكن المهندس والفزيائي الألماني -أوتو فون غيريك- من صناعة أول آلة قادرة على إنتاج الكهرباء. وكان لهذه الآلة دور كبير في تحفيز العلماء على القيام بمختلف التجارب في هذا الصدد. لكن اكتشاف الفزيائي الإنجليزي -ستيفان كراي- لخاصية المُوصِل الكهربائي (Conductibilité électrique)، سيعطي دفعة جديدة للأبحاث في الكهرباء. ففي سنة 1729، سيلاحظ كراي أن المعادن التي تسمح بمرور الكهرباء، تُصبح مُكهربة إذا قمنا بعزلها. الأمر الذي جعله يكتشف إمكانية نقل الكهرباء.

    بعد اكتشاف كراي، ستقود التجارب والأبحاث التي قام بها الفرنسي -فرانسوا دوفاي- في 1733، إلى اكتشاف وجود نوعين من الكهرباء، واحدة خاصة بالأجسام الشفافة، والأخرى خاصة بالأجسام اللزجة. هكذا بدأت العلوم الفزيائية تتحدث عن السالِب والموجِب في الكهرباء. وفي 1745 سيكتشف العالَم إمكانية تخزين الكهرباء، وهو الاكتشاف الذي يعود إلى الهولندي -بيتروس فان- الذي ابتكر إمكانية تخزين الكهرباء الناتجة عن آلة كهربائية. كان هذا الابتكار يحمل اسم “قنينة لِيدِي” نسبة إلى المدينة وُلد فيها المخترع. في السنوات التي أعقبت هذا الاختراع، اعتاد الناس على تعريض أجسامهم لقنينة ليدي من أجل الإحساس بصدماتها الكهربائية (التي كانت خفيفة)، وكانت هذه العملية كنوع من الترفيه والمتعة. هكذا كانت البدايات الأولى لظهور البطاريات التي ستفسح المجال على مصراعيه لظهور مختلف الأدوات التي نستعملها حاليا.

    إلى حدود هذه الاكتشافات، كانت معلومات البشرية حول الكهرباء بسيطة وبدائية، لكنها ستساهم في ظهور أول خط كهربائي لتزويد المنازل بالكهرباء. بدأت الحكاية بابتكار الإنجليزي -هونري كافينديش- العلاقة بين كمية الكهرباء المُخزنة ودرجة كهربة الناقل الكهربائي، كان ذلك سنة 1772. هذه العلاقة ستُمكن الفزيائي -شارل كولومب- سنة 1785 من ابتكار نظريته الشهيرة في الكهرباء المعروفة بقانون كولومب (loi de coulomb) التي تعكس التفاعل الكهربائي بين جسمين. ابتكار أول بطارية كهربائية يعود للفزيائي الشهير -فولتا- الذي استند إلى تجارب -لويجي كالفاني-. هذا الأخير سيلاحظ سنة 1786 خلال تجاربه، أن تعريض عضلات ضفدعة ميِّتة لنوعين من المعادن، يجعل هذه العضلات تنقبض. فولتا عرف كيف يُطور هذه التجربة للبرهنة على أن الكهرباء يمكن أن تكون متنقلة بين جسمين لخلق تيار كهربائي. كما أنه برهن على أن الطاقة الكيميائية يمكن تحويلها إلى طاقة كهربائية، وهو ما أفضى إلى اختراع بطاريته الكهربائية سنة 1800. بطارية فولتا ستُمكِّن من قياس ضغط الكهرباء الذي جعل أول “فولتميتر” يظهر للوجود معلنا حقبة جديدة من الابتكارات. إلى جانب ابتكار فولتا، سيضع الفزيائي -خاميس بريسكوت جول- نظريته المعرفة بتأثير جول (Effet Joule) والتي تتجلى في الحرارة التي تنبعث من المعادن حين مرور التيار الكهربائي عبرها. هذه النظرية كانت وراء ظهور السخان الكهربائي، كما أن القاطع الكهربائي (Fusible) يرتكز على هذه النظرية كذلك، وهو ما عزز الأمان في استعمال التيار الكهربائي.

    توالت الاختراعات والابتكارات في مجال الكهرباء على يد العديد من المخترعين كأومبير وفراداي وزينوب وويليام ستانلي وجيبس وغيرهم، وهي الابتكارات التي سمحت للفرنسي -مارسيل ديبريز- من القيام بأول تجربة لنقل الكهرباء عبر خطٍّ للضغط العالي (Ligne à haute tension)، يوم 25 شتنبر من سنة 1882 في ألمانيا. نجاح هذه التجربة هو ما جعلنا نعيش حاليا في منازل مزودة بالكهرباء، ومؤثثة بمختلف الآلات الكهربائية.

    سعيد الغماز

     

     

  • فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -23- .. الكندي أول من أدخل الموسيقى في علاج الأمراض النفسية

    فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -23- .. الكندي أول من أدخل الموسيقى في علاج الأمراض النفسية

    الكندي من النماذج المشرقة التي تنتمي إلى علماء العصر الإسلامي واختراعاتهم. هو أبو يوسف يعقوب الكندي الذي ولُد في مدينة الكوفة، تلقى علمه الأولي في الكوفة، وعندما كان في عمر الخامسة عشر حفظ القرآن الكريم والكثير من الأحاديث النبوية الشريفة وأصول الفقه، وعاش في البصرة في مطلع حياته، وتعلم فيها “علم الكلام”، ثم عاد إلى بغداد في الفترة الذهبية للعصر العباسي ليُكمل مسيرته العلمية والثقافية على يد أعظم العلماء. كان الكندي موسوعة علمية، فإلى جانب تضلعه في علوم الدين، أبدع في علوم كثيرة كالهندسة والرياضيات والكيمياء والطب والفلسفة والموسيقى. الكندي يعكس الثقافة التي كانت سائدة في عصره، يجتمع فيها علوم الدين والعلوم البحثة بالإضافة إلى العلوم الأجنبية خاصة اليونانية والصينية والمصرية، حيث تَرجَم من اليونانية إلى العربية كتاب “الأدوية المفردة” لجالينوس، وكان يتقن اللغة اليونانية والسريانية. هذه الثقافة المنفتحة على علوم العصر وعلوم الأقوام الأخرى، هي التي كانت وراء العصر الذهبي الذي ساد في الحقبة الإسلامية بين القرن 8 والقرن 14.

    يعود إليه الفضل في اكتشاف منهج البحث العلمي القائم على الاستدلال والمقدمات، وهو ما ساهم في ظهور الكثير من الاكتشافات القائمة على أساس بحث علمي سليم. ليس هذا فقط بل كان له العديد من الإسهامات في الجغرافيا والمنطق والفلسفة وأيضا الهندسة والرياضيات والكيمياء والطب. فكان أول من أوضح كيفية استخدام الرياضيات في الطب خصوصا في الصيدلة، فعلى سبيل المثال اعتمد على الرياضيات لوضع مقياس يسمح للأطباء بقياس مدى فاعلية الدواء، وكانت موسوعته أول موسوعة تُدخِل الرياضيات في الطب. إضافة إلى كل تلك التخصصات، أبدع الكندي في الموسيقي، فهو واضع أول سلم للموسيقى العربية، وأعطى للموسيقى بعدا آخر يتجلى في العلاج الطبي حيث اكتشف التأثير العلاجي للموسيقى خاصة الأمراض النفسية، وحاول علاج صبي مشلول شللا رباعيا باستعمال الموسيقى. هو كذلك عَلَم من أعلام العرب في الفلسفة وعلم المنطق، مؤسس علم الكلام لدى العرب ومؤسس الفلسفة العربية في العصر الإسلامي، ولذلك لُقب بفيلسوف العرب. عُرف كذلك بجمال خطه فعيَّنه الخليفة المتوكل خطاطه الخاص. كما عيَّنه المعتصم مربيا لأطفاله وذلك لحكمته وذكائه. كما كان الكندي رائدًا في مجال تحليل الشفرات واختراقها باستخدام خبرته الرياضية والطبية، وهو ما كان يسميه الكندي “علم التعمية”. وأجرى تجارِب كثيرة حول فاعلية العلاج بالموسيقى.

    قام الكندي بإنجازاتٍ كبيرة جدًا في مجالات علمية مختلفة، لا يمكن حصرها في سطور، فهي لا تُعد ولا تُحصى. ويمكن أن نتعرف على أبرز هذه الإسهامات في المختصر التالي:

    الرياضيات: أبدع الكندي في الهندسة والحساب، حيث كان له دورا مهما في إدخال الأرقام الهندية للعالم، بالإضافة إلى توافق الأعداد بما فيها الأعداد النِّسبية وكيفية حساب الوقت.

    الطب والكيمياء: بَرَع الكندي في الطب وربطه بعلم الرياضيات، حيث وضع مقياسًا رياضيًا لقياس فعالية الدواء، وتحديد كمية العقاقير المعقدة، وقد تأثر الكندي بأفكار جالينوس الطبيب الإغريقي، وكتب أكثر من 30 أطروحة في الطب.

    الكيمياء: بدأ بتشكيل العطور، بعد أن قام بإجراء عدة تجارب لتحويل النباتات إلى زيوت عطرية وجمَع بين روائحها العطرة.

    الموسيقى: كان الكندي أول من وضع سُلما موسيقيا عربيا مازال يُدَرَّس إلى الآن، ويُعتبر أيضا أول من أدخل كلمة “موسيقى” إلى اللغة العربية ومنها انتقلت إلى الفارسية والتركية وعدة لغات أخرى في العالم الإسلامي، وتفوق على الموسيقيين اليونانيين آنذاك.

    الفلسفة: كانت الفلسفة الجهد الأكبر للكندي وقد تميز فيها، حيث ترجم النصوص الفلسفية اليونانية أثناء عمله في بيت الحكمة، كما أنه أدخل العديد من المصطلحات الفلسفية إلى اللغة العربية، ليكون بذلك أول من وضع اللبنة الأساسية الفلسفية الأولى في طريق الفلاسفة من بعده مثل: ابن سينا والفارابي والغزالي وغيرهم.

    الفلك: للكندي نظرية حول الأجرام السماوية تنتظر حتى وقتنا الحاضر من يستمر في دراستها، قبل أن يهتم بها علماء الغرب ويتوصلوا لحقيقة فلكية لم نكلف أنفسنا عناء البحث فيها. يعتبر الكندي أن اختلاف الفصول ينتج عن اختلاف وضعيات الكواكب والنجوم وأبرزها الشمس، وأن أحوال الناس تختلف وفقا لترتيب الأجرام السماوية فوق بلدانهم. وألف بهذا الصدد كتابه “روحانيات الكواكب”. إلا أن كلامه هذا كان غامضا فيما يتعلق بتأثير الأجرام السماوية على العالم المادي، وهو ما يتطلب المزيد من الأبحاث لمعرفة مدى صحة نظرية الكندي في الفلك.

    علم النفس: كتَب الكندي عدة رسائل في هذا العلم الذي لم يكن متطورا في عصره، ويكاد لا يهتم به أحد. من مؤلفاته في هذا العلم “رسالة في علة النوم والرؤيا وما ترمز به النفس”، وكان أول من أدخل الموسيقى في علاج الأمراض النفسية.

    إذا كان هذا هو الكندي، فيمكننا القول إننا أمام موسوعة علمية ومعرفية، وقوة ثقافية تجمع بين ثلاثة عناصر: العلوم الدينية وعلوم العصر والانفتاح على ثقافة الشعوب الأخرى. هذه المكونات الثلاثة لثقافة الكندي، أثرت على باقي العلماء اللاحقين، وجعلتهم يُعمقون معرفتهم بمختلف العلوم والأفكار التي طرحها الكندي باتباع نهجه العلمي، وهو ما ساهم في ابتكارات كبرى كالدورة الدموية لابن النفيس، والغرفة المظلمة لابن الهيثم التي سماها “القُمْرَة” ومنها جاء مصطلح الكاميرا، واكتشاف الجزري لآلةٍ تُحوِّل الحركة الدائرية إلى حركة خطية تمكَّن من خلالها من تصميم ما يُعرف بالكَرَكْ الذي كان وراء صناعة الآلات لرفع الأوزان الثقيلة ومِضخات الماء. نذكر كذلك اكتشاف الصابون عن طريق خلط الزيت مع مواد قلوية تُصنع من رماد نباتات ملحية، وكلمة “قالي” في اللغة العربية تعني رماد. وكانت أوروبا التي لم تكتشف الصابون سوى في القرن 13، تستورده من الأندلس وشمال إفريقيا حيث كانت مدينة فاس تحتضن أكثر من 17 مصنعا للصابون إضافة إلى مدن أخرى مثل دمشق نابلس وحلب، عُرفت بمصانعها وجودة الصابون. وفي الطب نذكر طريقة تشخيص الأمراض لابن سينا والمجموعة المرجعية في الدراسات الطبية لابن الرازي وهي اكتشافات ما زالت تُستعمل في عصرنا الحالي. وفي الرياضيات نشير إلى اكتشاف علم الجبر من قبل جابر ابن حيان والخوارزميات من قبل الخوارزمي وهو أول من يكشف عن مفهوم رفع رقم إلى قوة والمعروف بالأُسْ. وفي عالم الطيران، كانت طائرة عباس ابن فرناس ملهمة للعالِم ليوناردو دافنتشي… ناهيك عن كون الكندي هو من ساهم في إدخال الفكر الفلسفي واعتمد عليه ابن رشد وابن سينا في فلسفتهم. فهل نحتاج لعالِم ومثقف من قيمة الكندي في وقتنا الراهن لتحقيق نهضة شعوبنا؟

    سعيد الغماز

     

     

  • فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -22- .. جابر بن حيان أول من تحدث عن القنبلة الذرية

    فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -22- .. جابر بن حيان أول من تحدث عن القنبلة الذرية

    أكادير24 | Agadir24

    “في قلب كل ذرة قوة لو أمكن تحريرها لأحرقت بغداد.. إن أصغر جزء من المادة، وهو الجزء الذي لا يتجزأ (الذرة)، يحتوي على طاقة كثيفة. وليس من الصحيح أنه لا يتجزأ مثلما ادعى علماء اليونان القدامى” هكذا تحدث جابر ابن حيان منذ القرن الثامن، وكأنه كلام عالِم ينتمي للقرن العشرين قرن اختراع القنبلة الذرية.

    جابر بن حيان من علماء العرب المسلمين، برع في علوم الكيمياء والفلك والهندسة وعلم المعادن والفلسفة والطب والصيدلة. ويعود له تأسيس وظهور علم الكيمياء التجريبي، حيث تمكن من استنتاج مجموعة من المعلومات حول الكيمياء، عن طريق التجارب والقراءة التي ساعدته على الوصول إلى العديد من الاكتشافات. وهو ما جعله يحصل على العديد من الألقاب والمسميات مثل أبو الكيمياء، وكيمياء جابر، وشيخ الكيميائيين. وصفه ابن خلدون بـ “إمام المدونين”، كما قال عنه أبو بكر الرازي في (سر الأسرار) “جابر من أعلام العرب، وأول رائد للكيمياء”.

    برجوعنا إلى تاريخ تطور علم الكيمياء، نجد أن مرحلة ما قبل جابر بن حيان كانت مرتبطة بنوع من الخرافات في الحديث عن المكونات الكيميائية. ومع فلسفة أرسطو ظهرت نظرية تقول إن كل شيء في الكون يرجع إلى عنصر من العناصر الأربعة التالية: الهواء-الماء-النار والتربة، وهي النظرية التي جعلت علماء تلك العصور سواء في مصر أو الهند أو الصين أو اليونان، يبحثون عن مادة “إكسير الحياة” لإطالة الحياة والقضاء على الموت، وذلك بخلط المواد بعضها ببعض، وكانت تلك هي أولى خطوات الكيمياء. لكنها كانت نظريات فحسب وغير خاضعة للتجارب العلمية. جابر بن حيان، اعتبر أن أي نظرية في خلط المواد، لن تكون صحيحة إلا بخضوعها للتجارب ومعرفة نتائجها. بدأ جابر تجاربه العلمية بنظرية أرسطو حول المكونات الأربعة لكل شيء في العالم، لكن تجربته أوصلته إلى أنها نظرية خاطئة. بعد ذلك قام أبو الكمياء بخلط مادة الكبريت مع الزئبق على درجة حرارة معينة، فكانت النتيجة مادة صلبة كالحجر سماها “الزُّنْجُفُر”، فاستنتج العالِم، أن التجارب الكيميائية مرتبطة بكمية المواد المخلوطة ودرجة الحرارة التي تتم فيها عملية الخلط. وهو ما جعله يقول بأن درجة الحرارة في باطن الأرض يجب أن تكون جد مرتفعة لتتكون المعادن التي يستخرجها الإنسان من الأرض وعلى رأسها الذهب. هكذا بدأت أولى التقنيات العلمية في التجارب تظهر مع ابن حيان كالكم ودرجة الحرارة. تجارب جابر ابن حيان في الكمياء جعلت المؤرخين يعتبرون أن الحقبة اليونانية كانت حقبة وصف المواد، وحقبة العصر الإسلامي كانت حقبة التجريب لإعطاء البعد العلمي للنظريات.

    ابن حيان هو أول من ابتكر سائل الذهب وسماه “الماء الملكي” وهو الابتكار الذي كان وراء الإكسيسوارات المشلولة بالذهب والتي تتزين بها النساء في وقتنا الحاضر. هذا الابتكار الكبير جعل جابر ابن حيان يتعرض لموجة من الإشاعات كسرقة الذهب واستعانته بالجن والسحر في مختبره لاستخراج الذهب، فكان ردُّه الشهير “صنعتُه بيدي وكان في عقلي من قبل”. في مختبره، ابتكر ابن حيان جهاز التقتير الذي أسماه “الإنبيق” وهو الجهاز الذي ساعده في باقي التجارب على غرار خلط الكبريت بالزئبق بنفس الكمية لإنتاج الفضة، وعندما نزيد من نسبة الكبريت قياسا لنسبة الزئبق نحصل على النحاس. هكذا اكتشف العالَم أهمية التجارب في الحقيقة العلمية، وهكذا تطورت علوم الكيمياء فأصبح العالَم يعرف أن مقياس الكميات المستعملة ودرجة الحرارة لها أهمية كبرى في نتيجة التجارب. وبهذا يكون جابر ابن حيان مؤسس العقلية التجريبية التي كانت وراء تطور العلوم الدقيقة.

    يعد جابر ابن حيان من العلماء الأوائل الذين اهتموا بعلم الكيمياء، كما يُصنف بأنه من الرواد الذين حرصوا على المساهمة في تطور الكيمياء والعلوم التجريبية. لذلك يُشار إلى أن اسمه ارتبط مع المنهج التجريبي بسبب استخدامه لهذا المنهج في إعداد التجارب الكيميائية، فلم يتوقف عند المعلومات والأفكار والمؤلفات المرتبطة بالكيمياء القديمة، بل حرص على التجريب في مختبره الخاص، وتطبيق مجموعة من التجارب الكيميائية التي ساعدته على الوصول إلى الكثير من المركبات الكيميائية التي لم يعرفها العالم مسبقاً.

    يعتبر جابر بن حيان أول من استخدم الكيمياء عمليا في التاريخ، وكانت كتبه في القرن الرابع عشر من أهم مصادر الدراسات الكيميائية، وأكثرها أثرا في قيادة الفكر العلمي شرقا وغربا، وقد انتقلت عدة مصطلحات لجابر إلى اللغات الأوروبية عن طريق ترجمتها إلى اللاتينية.

    عرَّف ابن حيان الكيمياء في كتابه العلم الإلهي: “الكيمياء هو الفرع من العلوم الطبيعية الذي يبحث في خواص المعادن والمواد النباتية والحيوانية، وطُرُق توَلُّدها وكيفية اكتسابها خواص جديدة.” وهو تعريف يتناسب مع علم الكيمياء كما نعرفه في عصرنا الحالي.

    اخترع جابر بن حيان بعض الحوامض وقام بتحضيرها، ومنها حمض الكبريتيك، وسماه “زيت الزاج”.

    كما اخترع القلويات أو القواعد، وماء الفضة، وماء الذهب، وملح النُّشادر. وابتكر نظرية الميزان، وهي نظرية جديدة وهامة. فالميزان عند ابن حيان نوعان: الميزان الوزني يستخدمه لوزن كميات من مادة معينة، وميزان الطبائع أو الكيفيات يزن الطبائع التي يرتكز عليها جسم المادة كالحرارة واليُبوسة والبرودة.

    نُسِب إليه ما يقرب من 3000 مخطوطة في علم الكونيات والموسيقى والطب والأحياء والكيمياء والهندسة والنحو وما وراء الطبيعة والمنطق والفلك.

    بلغت أعماله في الكيمياء أهمية كبيرة، حتى أنها تُرجمت إلى اللاتينية، وانتشرت بين الكيميائيين على نطاق واسع في القرون الوسطى.

    من مؤلفاته كتاب “الحديد” وكتاب “الفضة” وكتاب “الرصاص”، وهي كتب يُفصِّل فيها ابن حيان طريقة استخراج تلك المعادن من أصولها الأولى ويتحدث عن خصائصها ومكوناتها.

    سعيد الغماز

  • فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -21- .. أبو الريحان البيروني أول من تحدث عن فرضية الجاذبية     

    فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -21- .. أبو الريحان البيروني أول من تحدث عن فرضية الجاذبية    

    أكادير24 | Agadir24

    هو واحد من أعظم العقول التي عرفتها حقبة العصر الإسلامي في القرن الحادي عشر، ومن ألمع العقول الرياضية في عصره. بالإضافة إلى ولعه بالرياضيات، كان البيروني جيولوجيا وفلكيا. يشكل كتابه “الجماهر في معرفة الجواهر” أحد الإنتاجات العلمية الكبيرة في وقتها، تحدث فيه عن الجواهر كالياقوت والماس واللؤلؤ والمرجان والزمرد والفيروز، بطريقة علمية في زمن كانت فيه الخرافة والشعوذة ملتصقة بهذه الأصناف من الجواهر. كما تطرق في كتابه للمعادن كالزئبق والذهب والفضة والحديد والرصاص والنحاس، مُبيِّنا مكوناتها ومحددا مجالات استعمالها، وحدد الكثافة النسبية ل18 عنصرا مركبا من المعادن والأحجار الكريمة. وكان أول من طالب باعتماد الذهب كأساس للنظم الاقتصادية. انشغل البيروني بعلم التاريخ واستعمل منهجه العلمي في تحويله من سرد للقصص والحكايات، إلى علم قائم بذاته. كما وضع أسس البحث التاريخي كالحاسة النقدية والقدرة على الرؤية الشمولية والاحتكام المتكرر للتعقيل والعقلانية. ولم ينفصل هذا الانشغال عن اهتمامه بالجغرافيا وطُرق رسم الخرائط وتحديد المسافات بين البلدان من خلال كتابه “تحديد نهاية الأماكن لتصحيح مسافات المساكن”. بالإضافة إلى رسائله التي تطرقت لنظريات في التطورات الأرضية البطيئة وتكَوُّن سلاسل الجبال ومساحات المياه. أما في الصيدلة، فقد قدم البيروني تاريخ العقاقير والصيدلة في الطب، وجمع الأدوية والعقاقير ورتبها حسب جودتها، وحدد أنواعها مفردة ومركبة ورتبها حسب اسم كل دواء مع ذكر ما قال كل طبيب عنها.

    وفي رسائله ساهم البيروني بشكل كبير في مجال الهندسة حيث تحدث عن خواص الخط المنحني وبرهن مساحة المثلث بأضلاعه ومساحة الشكل الرباعي أيضا. اكتشف كذلك طريقة حساب نصف قطر الأرض والتي تُستخدم حتى يومنا هذا واسمها قاعدة البيروني. إلمام البيروني بالرياضيات ساعده بشكل كبير حين دُمج مع علوم الفلك، وهو ما جعله يقدم أحد أهم الأعمال ككتاب “القانون المسعودي في الهيئة والنجوم”، عالج فيه مختلف النظريات الفلكية والرياضية وأنواع حركة الأجرام السماوية. وكان أبرز ما جاء في الكتاب تحدثه عن فرضية الجاذبية، وكان أول من تحدث بأن الأرض تدور حول محورها. برهن في كتابه على كروية الأرض وكروية النجوم والكواكب الثابتة والسيارة، كما برهن على أن الأرض تدور حول الشمس وعلى دوران القمر حول الأرض ودوران الأرض حول نفسها. واكتشف الحركة الدورية للأرض حول الشمس مرة في كل عام وقدم تصورا لقوة جاذبية الأرض. كما قرر أن القمر جسم مُعتم لا يضيء بذاته وإنما يضيء بانعكاس أشعة الشمس عليه.

    كانت أبرز محطة أثرت في سيرة البيروني، مرافقة السلطان محمود الغزنوي، حاكم الدولة الغزنوية في زمن الخلافة العباسية، في فتوحاته للهند، حيث قام برحلة طويلة في تلك البلاد وتعلم لغتها واطلع على ثقافة وعلوم الهند. وكان أهم إنجاز له في هذه الرحلة، إصلاح بعض البيانات الجغرافية الخاطئة التي كانت مُدوَّنة عنها، كما ترجم كتابين من تأليف العالِم الفلكي الهندي فراه ميرا. عاش البيروني في الهند نحو 40 سنة لينتج أهم أعماله “تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة” استعرض فيه بالتفصيل كل ما يخص الهند من آداب ومعتقدات وأسلوب معيشة.

    في عصر النهضة، كانت أوروبا تُرسل المستشرقين لدراسة العالم الإسلامي تمهيدا لاستعماره ونهب خيراته، لكن البيروني اشتغل بنقل حضارة الآخرين ليتعرف عليها المسلمون منذ القرن 11. وكان كتابه حول الهند مرجعا للمستشرقين حيث تمت ترجمته للعديد من اللغات.

          سعيد الغماز

     

     

  • فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -20- .. ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع

    فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -20- .. ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع

    أكادير24 | Agadir24

    شكلت معارف ابن خلدون المتنوعة في كثير من العلوم، عاملا حاسما في القيمة العلمية والمعرفية لأفكاره، فذاع صيته في أمصار العالم وحقب التاريخ. كيف لا تكون له هذه القيمة العلمية وهو مؤسس علم الاجتماع وأول من تحدث عن فلسفة التاريخ. بدأ ابن خلدون مساره المعرفي بحفظ القرآن الكريم، ثم درس علوم الحديث والشريعة وقواعد اللغة العربية والشعر، كما اهتم بدراسة الفلسفة التي كانت منتشرة في العصر الأندلسي، حيث تأثر بثقافة الإغريق عامة وبكتابات أرسطو بشكل خاص. وكان لمُعلمه الآبلي الأثر الواضح في اتباع ابن خلدون منهج شيخه الذي يتمثل في الابتعاد عن الدراسة النظرية، واتِّباع الأسلوب العلمي.

    هو أول من وضع الأسس الحديثة لعلم الاجتماع الذي سماه “علم العمران البشري”، وتوصل إلى نظريات باهرة حول قوانين العمران ونظرية العصبية وبناء الدولة وأطوارها و”عمارتها” وسقوطها، وسبقت هذه الآراء والنظريات ما توصل إليه مشاهير علماء الاجتماع بعد النهضة الحديثة.

    يتذكره البعض بمقولته الشهيرة “المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده”، ويستحضره البعض الآخر من خلال قوله إن “فن التاريخ من الفنون التي تتداولها الأمم والأجيال وتُشَد إليه الركائب والرِّحال، وتسمو إلى معرفته السوقة والأغفال، وتتنافس فيه الملوك والأقيال، ويتساوى في فهمه العلماء والجُهَّال”.

    تكمن قوة أفكار ابن خلدون وقيمة نظرياته العلمية في كونه أول من تحدث عن فلسفة التاريخ، وقارن الحضارات بالبشر حيث اعتبر أن لها أعمار مثل البشر. وقال بهذا الخصوص، إن الحضارة تولد ولها طفولة مبكرة، ولها مراهقة، ولها فتوة وشباب ثم الشيخوخة ثم إلى السقوط.

    فصَّل ابن خلدون أهم أفكاره العلمية في كتابه “العبر” الذي يقع في حوالي 4000 صفحة. كتب المقدمة التي اشتهرت كثيرا في 4 سنوات، فسر فيها القوانين التي تتحكم في التاريخ والعوامل المؤثرة فيه وكل ما هو يتعلق بتفسير التاريخ. وقد أشار معظم الباحثين أن ابن خلدون هو مؤسس علم الاجتماع بدون منازع، حيث استطاع أن يسبق العلماء المؤسسين لعلم الاجتماع الغربي المعاصر بسنوات طويلة، ومنهم أوغست كونت، وماكس فيبر، ودوركهايم، وسبينسر. ويرى المؤرخ البريطاني -تويبني- أن تفوق ابن خلدون ظهر بشكل كبير في مقدمته المشهورة لما تتميز به من عمق في البحث، وقوة في التفكير، لا سيّما أنّه استطاع أن يكتب عن علم العمران البشري بطريقة لا يمكن التمييز بينها وبين فن التاريخ. ففهم القواعد والأصول لا يتم إلا بعلم العمران، حيث يُعرَف عن عِلمَي العمران والتاريخ تقاطعهما في الكثير من المناحي، كما هو أمر تقاطع المنطق والفلسفة. أطلق ابن خلدون مصطلح العمران البشري للدلالة على علم الاجتماع، حيث يُعرَّف علم الاجتماع بأنّه علم يختص بدراسة الحياة الاجتماعية والسلوك الإنساني داخل الجماعات الإنسانية، وهو بالضبط ما قام به ابن خلدون.

    من أبرز المفاهيم الخاصة بعلم العمران البشري والتي تقود لعلم الاجتماع، مفهوم “العمران” وهو فنٌّ حديث الاكتشاف، ومفهوم “الجاه” الذي يظهر عند صاحب المال والسلطة. ويعكس مفهوم “العصبية” الذي أبدع فيه ابن خلدون، عمق أفكاره وقوة ملاحظته، ويقصد بها الرابطة التي تؤدي إلى تماسك الجماعات البشرية، ومرادفها في علم الاجتماع الحديث هو المواطنة، أو التكافل، أو التماسك الاجتماعي. تحدث ابن خلدون عن مفاهيم أخرى متّصلة بهذا العلم كمفاهيم البدو، والبدواة، والتمدّن وغيرها من المصطلحات. هكذا يكون ابن خلدون قد ساهم بشكل كبير في إغناء علم الاجتماع بالمصطلحات والمفاهيم التي ساهمت في تطوير هذا العلم الإنساني بامتياز.

    ويشكل تقسيم ابن خلدون للعلوم إلى علوم نقلية وعلوم عقلية مع ربطها بنوع آخر من العلوم أسماها العلوم المساندة، ثورة حقيقية في مجال العلوم الإنسانية. العلوم النقليّة، حسب مؤسس علم الاجتماع، هي العلوم التي اكتسبها الإنسان عن طريق الخبر، دون إعمال منه للعقل إلا في حالات الفروع المتصلة بالأصول، وعادة ما يكون مصدرها شرعي كعلم التفسير، وعلم القراءات، وعلوم الحديث، وعلم أصول الفقه، والتوحيد، والبيان، وعلم الأدب. أمّا ثانيهما فهي العلوم العقليّة وهي العلوم التي اكتسبها الإنسان واهتدى لها عن طريق عقله، كعلم المنطق، والعلم الطبيعي والعلم الإلهي -ما وراء الطبيعة-، وعلم النظر في المقادير كالهندسة، والرياضيات، والفلك. ورتّب ابن خلدون العلوم حسب أهميتها عند الإنسان على النحو الآتي: العلوم الدينيّة كعلوم القرآن الكريم والحديث الشريف، العلوم العقليّة مثل العلم الطبيعي، العلوم المساندة للعلوم الشرعيّة، مثل اللغة والنحو والبلاغة، ثم العلوم المساندة للعلوم العقليّة مثل علم المنطق.

    اعتمد ابن خلدون في تحليل الظواهر الاجتماعية على منهج معرفة الروابط بين الأسباب والمسببات، لذلك تُعد طريقته طريقة أصيلة وفريدة في دراسة البحوث الاجتماعية، حيث يقوم منهجه على الملاحظة والتحليل والتفكير، ثم التوصل إلى النتيجة. وعلى الرغم من كون ما وضعه ابن خلدون من قوانين وأفكار مصدرها معاصرته لبعض الأقوام لفترة ما، إلّا أنها تُعتبر قوانين ذات أساس متين يمكن الاستعانة بها في كل زمان ومكان نظراً لاتّباعه المنهج السالف ذكره، ومقارنة ما عاصر بما عرفه من أخبار الأقوام السالفة، فيما يُعدّ منهجا الاستقراء والاستنباط خير مثال على ما وضعه ابن خلدون من أدوات يستعان بها في عملية البحث هذه.

    تُعدّ منهجيّة ابن خلدون في تحليل الظواهر الاقتصادية مماثلة لطريقته في تحليل الظواهر الاجتماعية، مع استعماله للأدوات المستخدمة في القضايا الاجتماعية ذاتها. إلّا أنّ هذا لا يقلل من أهميّة النتائج التي توصل لها في دراسة الظواهر الاقتصادية، لا سيّما أنّ الأدوات المستخدمة في دراسة هذه الظواهر، لم يتمّ التعرُف عليها وتطويرها سوى خلال القرنين الماضيين فقط، فيما تُلخَّص الأدوات التي استخدمها ابن خلدون في تحليل الظواهر الاقتصادية -تبعاً لما جاء في مقدمته- بالآتي: دراسة الوقائع الاجتماعية، والروابط القائمة بين الأحداث الاجتماعية والسياسيّة والاقتصادية، وهو ما يسمى بارتباط الأهداف التاريخية، ربط السلوك الإنساني والظواهر الاقتصادية بالبيئة الاجتماعية التي يعيشها الإنسان، توضيح أثر البيئة من حيث الوضع الاقتصادي، وتوفر الموارد الطبيعية وطبيعة الجغرافيا وتأثيرها على سلوك الإنسان الاقتصادي، وأخيرا درجة التخلُف والتقدُم الاقتصادي.

    اعتمد ابن خلدون على التحليل النّظري في وضع القواعد التي تحكُم الظواهر الاقتصادية، بحيث يبدأ بالاستقراء، ثم التحليل، ثم استنباط القاعدة العامة. ويُعتبر منهج ابن خلدون هو أساس نظريته الاقتصادية، والذي تطّور خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، من قِبل المدرستين الكلاسيكيّة والنيوكلاسيكيّة، حيث ظهر -من خلال التسلسل التاريخي للدراسات الاقتصادية- أنّ ابن خلدون هو أول من أبرز ارتباط الأهداف التاريخية وتطورها، كما أنَّه أوَّل من أكَّد ارتباط العلاقات الاجتماعية والاقتصادية.

    إذا كان الإنتاج العلمي هو نتاج تراكم المعارف الإنسانية، فإننا نقول إن ما وصلت إليه العلوم الاجتماعية والعلوم التاريخية من تطور، يعود النصيب الأوفر منها إلى ابداعات ابن خلدون في القرن الرابع عشر.

    سعيد الغماز

     

     

  • فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -19- .. الأخوين “رَايِتْ” وأول رحلة طيران في العالم

    فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -19- .. الأخوين “رَايِتْ” وأول رحلة طيران في العالم

    أكادير24 | Agadir24

    كلنا نؤمن بأن الفكرة أهم من الاختراع، ولكننا قد نتناسى صاحب الفكرة ونحفظ اسم المخترع عن ظهر قلب. هذا ما وقع مع عباس بن فرناس صاحب فكرة الطيران، وبقي العالم يتذكر فقط أول رحلة طيران ناجحة في العالم. فمتى كانت أول رحلة طيران عرفتها البشرية؟ وعلى يد من كانت؟ وكيف كانت؟ وكيف تطور الطيران بعدها؟

    أول محاولة طيران في تاريخ البشرية قام بها عباس ابن فرناس في القرن التاسع حيث استعمل طائرة مصنوعة من الخشب والحرير. وكانت محاولته في الطيران على مرتفع بالقرب من مدينة قرطبة الأندلسية أمام جمع من الناس. استغرقت فترة الطيران 10 دقائق لكنه أخفق في الهبوط على الأرض نظرا لعدم معرفته بدور الذيل في الهبوط. ورغم أن التجربة لم يُكتب لها النجاح الفعلي، إلا أن ابن فرناس كان صاحب الفكرة والاختراع.

    بعد تجربة عباس ابن فرناس، جاءت أول رحلة طيران ناجحة في العالم. كان ذلك يوم 17 دجنبر 1903، من خلال قيام الأخوين -أورفيل- و-ويلبير- وقد عُرفا بالأخوين -رايت-، باختراع طائرة أشبه ما تكون بالطائرة الورقية والتحليق بها بنجاح فوق ولاية كارولينا الشمالية في الولايات المتحدة الأمريكية. تمكن الأخوان -رايت- وبمساعدة الميكانيكي -شارلي تايلور- من صنع محرك قوي وخفيف الوزن يعمل بالغازولين. بجناحين مغطيين بالقماش وهيكل من الخشب، صنع الأخوان رايت طائرة فلاير، وقاما بأول رحلة طيران ناجحة في التاريخ. طار الأخوان في ذلك اليوم أربع مرات متتالية. وقد استغرقت الرحلة الأولى 12 ثانية وقطعت أكثر من 36 مترا. وفي المرة الثانية استغرقت الرحلة 12 ثانية وقطعت مسافة 53 مترا. الرحلة الثالثة استغرقت 15 ثانية بمسافة 61 مترا. المرة الرابعة استغرقت الرحلة قرابة دقيقة واحدة بمسافة 259 مترا.

    بدأ حلم الأخوين في ابتكار طريقة للطيران منذ الصغر حيث قام والدهما بإهدائهما لعبة على شكل طائرة حوامة (هليكوبتر) جعلتهما يحلمان بالطيران بشكل حقيقي. وقد تعلما من والدتهما الرياضيات والعلوم. واستمر الحلم مرافقا لهما رغم عملهما في صناعة الدراجات، حتى تمكنا من تحقيق ذلك الحلم. فكيف تطور الطيران بعد الأخوين -رايت-؟

    مع بداية الحرب العالمية الأولى، بدأ انتاج الطائرات الحربية على نطاقٍ واسع وبأعداد كبيرة. وتسابقت الدول نحو التسلح الجوي واستُعملت حينها الطائرات للاستطلاع والقصف. بعد ذلك، بدأت أنظار المخترعين تتجه نحو تطوير الطائرة لتقطع مسافات طويلة. فتبلورت فكرة قطع المحيط الأطلسي بدون توقف. بعد العديد من الرحلات الفاشلة، وبعضها انتهى بوفاة صاحب التجربة، تمكن الطيار الأمريكي -تشارلز ليندبرغ- من عبر المحيط الأطلسي على متن طائرته دون توقف، وذلك سنة 1927. انطلق تشارلز من مدينة نيويورك قاصداً باريس دون توقف. دامت رحلته حوالي 30 ساعة وكانت محفوفة بالمخاطر، إذ أنه كان يجب أن يبقى مستيقظاً طوال الوقت. كان المحدد الرئيسي في نجاح التجربة، هو الوزن الإجمالي للطائرة وحملها الوقود الكافي لرحلة الطيران. فاضطر الطيار إلى الاستغناء عن المظلة والراديو، وهو ما زاد من خطورة الرحلة وجعلَها محفوفة بخطر الموت. وكل ذلك لكي يجلب معه كمية أكبر من الوقود، بل حتى وجبات أكله خلال الرحلة قام بتقليصها. بعد إتمام رحلته بنجاح حصل على العديد من الجوائز والألقاب وذاعت شهرته عبر أقطار العالم.

    خلال الحرب العالمية الثانية، شهد مجال الطيران تطوراً كبيراً وصل إلى حد حسم الطائرة في نتيجة الحرب حين رمت إحدى الطائرات الأمريكية قنبلة ذرية على مدينتين في اليابان. استمر المخترعون في محاولاتهم تطوير الطائرات وابتكار أدوات جديدة. فعرف العالم اختراع الطائرة النفاثة التي تطير بشكل أسرع وأعلى ارتفاعا من بقية الطائرات التي تعمل بالمراوح حيث يصل ارتفاع طيرانها إلى أكثر من 10000 متر. بالإضافة إلى اختراع طائرات كهربائية تُستخدم فيها الكهرباء كأحد أنواع الوقود البديلة. في سنة 1949، حلقت في السماء أول طائرة تجارية نفاثة لنقل الركاب، أنتجتها شركة “دي هافيلاند” البريطانية.

    ولا بد أن نذكر أنه خلال الحرب الباردة، قررت الدول العظمى التنافس لغزو الفضاء، ففي عام 1957 أطلق الاتحاد السوفياتي أول قمر صناعي الى الفضاء، وقامت الولايات المتحدة الأمريكية بالمقابل بإرسال مهمة أبولو 11 لاستكشاف القمر عام 1969. قام رواد الفضاء بأخذ عينات من الصخور والتراب لفحصها على الأرض. مع أوائل سبعينيات القرن العشرين، ركزت مصانع الطائرات في الولايات المتحدة وأوروبا على صناعة طائرات النقل النفاثة الكبيرة. ويدخل في صناعتها الألمنيوم والفولاذ والتيتانيوم والعديد من المركّبات كالبوليمرات وغيرها. تتميز هذه المعادن بأنها صلبة ومقاومة للتآكل وخفيفة الوزن، ما يجعل الطائرة قادرة على حمل أوزان أكثر. ويستخدم الكيروزين كوقود للطائرات. تصل سرعة الطائرات النفاثة الحديثة في الوقت الحالي ما بين 680 الى 900 كم في الساعة. وقد تمت صناعة الطائرات الكهربائية مؤخراً والتي تستخدم الكهرباء كمصدر للطاقة.

    هكذا كان مخاض فكرة ابن فرناس، وهكذا كانت ولادة اختراع الطائرة، فطموح الإنسان لا يتوقف، وهنا يكمن الفرق بين شعب يُنتج وشعب يستهلك.

    سعيد الغماز

  • فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -18-..  عباس بن فرناس أول طيار في التاريخ

    فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -18-.. عباس بن فرناس أول طيار في التاريخ

    أكادير24 | Agadir24

    هو أول من فكر في الطيران، وأول من اخترق الجو من البشر. وفي سبيل ذلك قام بتجارب كثيرة درس من خلالها ثقل الأجسام، ومقاومة الهواء لها، وتأثير ضغط الهواء فيها إذا ما حلَّقت في الفضاء. وكان خير معين له تبحره في العلوم الطبيعية والرياضيات والكمياء، كما أنه اطلع على خاصيات الأجسام قبل الشروع في تجربته. هذه الدراسات العلمية، جعلت بن فرناس يعقد العزم على أن يخوض تجربة الطيران الحقيقي بنفسه، رغم المخاطر التي تحوم حول هذه التجربة الأولى عبر التاريخ. ومن أجل تعميق دراساته وأبحاثه، درس بإمعان حركة أجنحة الطيور عند طيرانها، واستخدم مهاراته في الرياضيات لحساب تناسب السرعة والرياح، فكَسَا نفسه بالريش الذي اتخذه من الحرير الأبيض لمتانته وقوته، بالقدر الذي يتناسب مع ثقل جسمه. صَنع له جناحين من الحرير أيضا يحملان جسمه إذا ما حركهما في الفضاء.

    بعد أن أكمل بن فرناس كل ما تحتاجه هذه التجربة الخطيرة، وتأكد من أن باستطاعته إذا ما حرك هذين الجناحين أن يحملانه ليطير في الجو كما تطير الطيور… بعد أن أعد العدة، أعلن على الملأ أنه يريد أن يطير في الفضاء وأن طيرانه سيكون في مدينة قرطبة، حتى تكون تجربته موثقة بالشهود. اجتمع الناس هناك لمشاهدة العمل الفريد والطائر الآدمي الذي سيحلق في سماء قرطبة. صعد بن فرناس بآلته الحريرية فوق مرتفع، فحرك جناحيه، ثم قفز في الجو وطار في الفضاء مسافة بعيدة عن المكان الذي انطلق منه، والناس ينظرون إليه بدهشة وإعجاب. وعندما همَّ بالهبوط إلى الأرض، فقدَ بن فرناس توازنه فأصيب في ظهره. أدرك أنه لم يأخذ بعين الاعتبار حساب الهبوط. وتعلم، من تجربته هذه، أهمية الذيل في عملية الهبوط ودوره في تثبيت توازن الجسم.

    شكلت تجربة بن فرناس في القرن التاسع ميلادي، الانطلاقة الفعلية لتاريخ تجارب الطيران في العالم. وإذا كانت تجربة بن فرناس انتهت بإصابته في الظهر، فإن الكثير من التجارب في هذا المجال انتهت بموت أصحابها نظرا لخطورتها. ويمكننا القول إن تجارب الطيران خلفت عبر التاريخ، العدد الأكبر من الوفيات في صفوف الطيارين، قياسا للتجارب في التخصصات الأخرى.

    سقوط عباس بن فرناس وإصابته في ظهره، جعل خصومه ومن يحسدونه على النجاحات التي حققها في تجاربه العلمية، يطلقون عليه الإشاعات ويصفونه بالساحر والمشعوذ. ويكمن سبب تلك الإشاعات إلى كون الناس لم يعتادوا على مثل تلك التجارب الخطيرة، وكان تفكيرهم يعتبر طيران الإنسان ضربا من الجنون عَكْس بن فرناس الذي كان يحمل تفكيرا علميا موجها نحو المستقبل، وكان مقتنعا بإمكانية الطيران في الهواء كما تفعل الطيور استنادا لأبحاثه العلمية. علما أن تجارب الطيران التي تلت تجربة بن فرناس، انتهت بعضها بموت صاحب التجربة، ولم تتخلى الإنسانية عن هذه التجارب حتى أصبح السفر في الطائرة شيئا عاديا في الحياة.

    كانت تجربة بن فرناس هي الأولى من نوعها في تاريخ البشرية، وقد شكلت مرجعا علميا، استفادت منه التجارب اللاحقة التي شهدها تاريخ الطيران. فبعد تجربة بن فرناس، قام -ليونارد دافينتشي- برسم أول مسودة للمظلة الهوائية (Parachute) في القرن 16، وتم تسجيل أول براءة اختراع سنة 1802 لأول مظلة للتحليق في الهواء بعد أن عرف العالَم أول تحليق بها في 1797. وتعود أول قفزة من الطائرة باستعمال المظلة الهوائية إلى سنة 1912. كما عرفت البشرية أول تجربة للتحليق عبر الطائرة سنة 1890. وفي سنة 1884، عرف العالَم أول رحلة بمنطاد يشتغل بالهيدروجين الشديد الاشتعال. وازدهرت الرحلات الجوية باستعمال المنطاد التي كانت تربط بين باريس ونيويورك، إلى أن عرف العالَم مأساة احتراق منطاد “زيبلين” قرب العاصمة الأمريكية سنة 1937، وهو الحادث الذي قضى فيه 59 شخصا كانوا على متن تلك الرحلة التي أقلتهم من باريس إلى نيويورك. والتهمت النيران المنطاد عند وصوله إلى نيويورك خلال عملية النزول.

    عرف تاريخ الطيران نقلة نوعية بعد نجاح الطيار الأمريكي -شارل ليندبيرغ- بالقيام بأول رحلة طيران دون توقف لقطع المحيط الأطلسي بين القارة الأمريكية والأوروبية في سنة 1927. وأتت هذه الرحلة الناجحة، بعد رحلة مميتة في الاتجاه المعاكس في نفس التاريخ، سقطت خلالها طائرة طيارين فرنسيين وفُقدت جثتيهما في المحيط الأطلسي. نجاح رحلة الطيار الأمريكي، فتحت المجال لتطور الطيران البين-قاري.

    إذا كانت تجربة عباس بن فرناس لم ينتج عنها إلا آلام في الظهر، فإن تجارب أخرى انتهت بوفاة أصحابها. ورغم أن اسم ابن فرناس ارتبط بمحاولته الجريئة للطيران قبل ألف عام من بروز أولى تجارب الطيران عبر الطائرة، فإنه أبدع في مجالات علمية متعددة كان نتاجها تقديم العديد من الاختراعات التي ما زالت تلعب دورا مهما في حياة البشر حتى يومنا هذا. نذكر على سبيل المثال اختراعه للزجاج الشفاف بدون لون باستعمال الرمل، وعدسات تصحيح البصر، والساعة المائية، وتطويره لطريقة رصد الأفلاك والأجرام السماوية لا تقل أهمية عن تجربته في الطيران. وفي مجال الكتابة، صنع ابن فرناس أول قلم حبر في التاريخ، حيث صنع أسطوانة متصلة بحاوية صغيرة يتدفق عبرها الحبر إلى نهاية الأسطوانة المتصلة بحافةٍ مدببة للكتابة وهو القلم الذي نستعمله في وقتنا الراهن وبنفس الطريقة (قلم قابل للتعبئة بالمداد). وفي علم الفلك، طوّر بنفسه أول قبة سماوية في غرفة داخل منزله، كان الناس يجتمعون فيها لمشاهدة النجوم والغيوم والسحاب، وهو تقليد لا يزال موجودا إلى اليوم، ويعتبر من أكثر التجارب إثارة ومتعة لكثير من الناس.

    ومن أعظم أعمال بن فرناس، ابتكاره لتقنية متطورة لتقطيع أحجار الكريستال الصلبة، بعد أن كانت تُرسل من أوروبا إلى مصر حصرا لتقطيعها. وقد استفاد الأوروبيون من ابتكاره وطوروه بعد ذلك حتى أصبحوا رواد صناعة تقطيع وتصنيع أحجار الكريستال منذ القرون الوسطى وحتى اليوم.

    تكريما لاسم عباس بن فرناس، قامت الوكالة الأمريكية للفضاء ناسا بإطلاق اسمه على فوهة قمرية، كما وُضع تمثالا له أمام مطار في بغداد كتب عليه “أول طيار عربي وُلد في الأندلس”، وفي 14 يناير 2011 افتُتِح جسر عباس ابن فرناس في قرطبة على نهر الواد الكبير، في منتصفه تمثال لابن فرناس مثبت فيه جناحين يمتدان إلى نهاية الجسر.

        سعيد الغماز

     

     

  • فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -17- .. أبو القاسم الزهراوي أبو الجراحة الطبية

    فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -17- .. أبو القاسم الزهراوي أبو الجراحة الطبية

    أكادير24 | Agadir24

    جرَّاح كبير ومن أمهر الأطبّاء في عصر القرن العاشر ميلادي. ابتكر طُرقا جديدة في الجراحة ذاع صيتها حتى وصفه العلماء والمؤرخون بأبي الجراحة. وظلت مؤلفاته التي تُرجمت للعديد من اللغات مرجعا رئيسيا للأطباء في أوروبا لخمسة قرون على الأقل. هو أبو القاسم الزهراوي الأندلسي، وُلِد في مدينة الزهراء القريبة من مدينة قرطبة بالأندلس، والتي يُنسَب إليها ويُعرَف باسم (Abulcasis) في أوروبا لما قدَّمه من اكتشافات وإبداعات أسعدت البشرية. الزهراوي أشهر جَرَّاحي العرب، وصف بشكل دقيق عملية سحق الحصى في المتانة واعتُبر صاحب هذا الاختراع الذي يُنسب تعسفا للعصر الحديث. اعتبره المؤرخون البوابة التي أدخلت أوروبا إلى عالم الجراحة، من خلال عشرات الاكتشافات في الجراحات الداخلية وخيوط الجراحة وأدواتها وابتكاراته في الولادات القيصرية وطب العيون.

    كان مولعا بالعِلم فدرَس الشريعة والفقه، واختار علم الطب لخدمة أهل مدينته الفقراء. لُقِّب بطبيب الفقراء حتى قيل فيه إنه كان من أهل الفضل والدين والعلم حيث كان يخصص نصف نهاره لمعالجة المرضى مجانا. تفرغ لدراسة علم التشريح وأبدع فيه، مما ساهم في تغيير نظرة المجتمع لعلم التشريح من عِلمٍ دوني إلى عِلمٍ مرموق. هو أول من أقر بضرورة ربط الشرايين قبل إجراء الجراحة منعا لحدوث النزيف، كما أنه أول من أدخل القطن في الاستخدامات الطبية. يُنسب له استخدام الخيوط التي تذوب (المستعملة حاليا بمسمى Catgut) في الجراحة بدل تلك التي يجب إزالتها بعد التئام الجرح. وكان الزهراوي يصنع تلك الخيوط من أمعاء الحيوانات. هو أول من استعمل الخياطة التجميلية تحت الجلد، وأول من استخدم خيوط الحرير في ربط الشرايين بعد الجراحة، وابتكر الخياطة المُثمَّنة وأول من استعمل تقنية الخياطة بإبرتين وخيط واحد.

    من أبرز مؤلفاته “التصريف لمن عجِز عن التأليف” والذي يُعد موسوعة حقيقية خالدة في الطب، تتألف من ثلاثة أبواب وينقسم كل باب إلى 20 فصلا. يتحدث الزهراوي في كتابه عن الأمراض عموما، والأدوية بأنواعها المركبة والمُفرَدة والأعشاب والتركيبات المختلفة لها. إلا أن المقالة الأخيرة في الكتاب هي سبب شهرته وهي من أكسبته لقب “أبو الجراحين”. هذه المقالة خصصها الزهراوي للحديث بتفصيل عن الجراحة وسماها “في العمل باليد”. وبذلك يكون الزهراوي أول من أدخل الجراحة كتخصص تابع للطب. ففي عصر الزهراوي كانت الجراحة صَنعَة اليد يمكن لأيٍّ كان القيام بها. الأمر لا ينطبق على العالم الإسلامي فحسب بل يتعداه إلى أوروبا حيث كانت الجراحة يقوم بها الحلاقون. ففي بريطانيا مثلا تأسست جمعية تسمى “جمعية الجراحين والحلاقين” سنة 1540. استمرت هذه الجمعية لأكثر من 200 سنة حيث كان الحلاق هو من يقوم بالجراحة، قبل أن تنفصل مهنة الجراحين، لتصير تخصصا طبيا، وتنتظم في جمعية للجراحين تأسست سنة 1745 والتي ستتحول إلى الكلية الملكية للجراحين بلندن والمستمرة حتى وقتنا الحاضر.

    منذ القرن العاشر، نقل الزهراوي الجراحة إلى مستوى متقدم علميا، وحوَّلها بجهوده الخاصة إلى تخصص علمي مرتبط بالطب. واعتبر أن تركه الحديث عن الجراحة لآخر فصل في كتابه مرده إلى كون الجراحة هي أصعب مجالات الطب، وأن مُمارِس الجراحة يجب أن يكون مُلِما بكل الممارسات الطبية وبكل فروع الطب الموجودة، وهو ما توصلت إليه أوروبا في القرن 18. يَعتبر الزهراوي أن الذي يريد ممارسة الجراحة يجب أن يدرس علم التشريح بمنتهى الدقة، كما أنه لا يتحدث عن الجراحة كجراحة عامة، بل كان يتحدث عن تخصصات في الجراحة كتخصص العظام وتخصص المسالك أو التخصص الذي كان يتقنه وأبدع فيه وهو تخصص النساء والتوليد.

    في مجال العظام تحدث الزهراوي في كتابه عن كل الكسور التي يمكن أن تصيب أي عظمة في الجسم، محددا مكانها وشكل الكسر وطبيعته. ثم يتحدث عن كيفية تجبير الكسر حسب نوعه وخصوصية العظمة والوقت المطلوب لالتآم الكسر، وهي معلومات ما زالت صالحة في وقتنا الحاضر. في مجال المسالك، ابتكر الزهراوي طريقة لاستخراج حصوات المثانة عن طريق المهبل وهي طريقة أسهل وأقل إيلاما، واستخدامها عملي أكثر. تفتقت عبقرية الزهراوي في أمراض النساء والتوليد، فهو أول طبيب في التاريخ تحدث عن الحمل خارج الرحم وأبدع في طُرُق علاجه. ابتكر كذلك مِلقاطا يشد به رأس الطفل لإخراجه من الرحم، لتيسير عملية الولادة وتقليص المخاطر على الجنين. هذا المِلقاط هو من صممه ورسمه بنفسه. الزهراوي هو أول طبيب في التاريخ أوصى بعملية شق الغِشاء الأمِنيوسي المحيط بالجنين، وهي تقنية ما زالت مستعملة في وقتنا الراهن. كما أنه وصف كيفية استخراج التجمعات الدموية في الصدر عن طريق أنبوبة كان يستخدمها في حالة الإصابة بسهم. وما زالت هذه العملية تُستخدم في الوقت الحاضر.

    الزهراوي هو أول من ابتكر طريقة استئصال الدوالي (Les varices) عن طريق الجراحة جزء بعد جزء حتى استئصال الدوالي. وهي طريقة ما زالت مستعملة في عصرنا الراهن. تحدث الزهراوي كذلك عن الأورام وكيفية التعامل معها بشكل جراحي، وقال إن الأورام يتم التعامل معها حسب العضو الموجودة فيه، فقال مثلا عن ورم الثدي إننا نتعامل معه بطريقتين: إذا كان الورم مبكِّرا نُزيله بسرعة، لكن إذا كان في حالة متأخرة لا داعي لاستئصاله لأنه سيكون انتشر ولا فائدة من الاستئصال، وهي نفس الطريقة المستعملة حاليا مع الأورام مع بعض التعديلات المرتبطة بالتقدم الذي عرفه طب الأورام. تحدث الزهراوي عن التشوهات الخِلقية لدى الأطفال ووصف كيفية علاجها بشكل جراحي. كما أنه اخترع مجموعة ضخمة من الآلات الجراحية وهي أكثر من 200 آلة تُستعمل في الجراحة وهو من صممها ورسمها بنفسه وقسمها لعدة أقسام حسب نوعية الاستخدام كمجموعة المباضع والكلاليب والصنانير وغيرها.

    إسهامات الرازي لم تقتصر على الجراحة، بل تعدته لتمتد إلى باقي مجالات الطب. فالزهراوي أول طبيب في التاريخ يصف مرض الهيموفيليا (ضعف تختر الدم بشكل طبيعي) وهو أول طبيب يصف مرض عدم انتظام ضربات القلب المعرف بمرض (Missed beats)

    تميَّز الزهراوي عن غيره من الأطباء والجراحين، وكان يقول نظريته بكل جُرأة اعتمادا على معطيات علمية. فقد عارض الزهراوي رأي العلماء المُتعلِّق بالكَي، حيث كانوا يعتقدون أن وقت الكي لا يَصلُح إلّا في الربيع، وذَكَر الزهراوي أنَّ الكي يَصلُح في أي وقت من السنة. وقال إن الحديد هو الأفضل للكي، وهذا خِلاف ما ذكره العلماء أن الذهب هو الأفضل للكي.

    رغم إسهامات الزهراوي العظيمة في تطوير علم الجراحة، إلا أنه توفي كأي طبيب آخر، دون أن يعترف له معاصروه بقيمته العلمية وابتكاراته الطبية، ودون أن ينتبه المجتمع لقيمة الأعمال التي قام بها في مجال تطوير الجراحة. توفي الزهراوي سنة 1013م ويبقى العبقري في الجراحة دون اهتمامٍ بقيمته حتى القرن 12 حيث تمت ترجمة كتابه “التصريف لمن عجِز عن التأليف” إلى اللغة اللاتينية. وجدت أوروبا نفسها أمام كنز معرفي لم يسبق له مثيل، فاعتمده الأطباء وممارسو الجراحة في العالم الغربي كمرجع أساسي في علم الجراحة لمدة تفوق 500 سنة إلى جانب كتاب ابن سينا “القانون في الطب” كمرجع في الطب الباطني. وبذلك تكون شهرته بعد رحيله فاقت تلك التي حققها وهو على قيد الحياة. إذ رحل الزهراوي تاركا إرثا علميا ومرجعية جراحية استمرت لقرون وتستمر بعض ابتكاراته مستَعملةً في الطب لغاية وقتنا الحاضر.

    سعيد الغماز

  • فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -16- .. الرازي مبتكر المجموعة المرجعية في الدراسات الطبية

    فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -16- .. الرازي مبتكر المجموعة المرجعية في الدراسات الطبية

    أكادير24 | Agadir24

    أبو بكر الرازي من أبرز علماء العصر الإسلامي الذين ساهموا في تطوير الطب والكمياء والفلسفة، وكذلك العديد من المجالات بفضل اكتشافاته. هو أول من اكتشف تقنية التشريح والتقطير، واخترع أيضًا الفتيلة التي تستخدم عند إجراء العمليات الجراحية، وله دور في تطور عملية التشريح الخاصة بجسم الإنسان. وقيل إنه فقد بصره من كثرة القراءة، ومن إجراء التجارِب الكيميائية في المعمل.

    تقوم الأبحاث الطبية الحديثة على ما يسمى “المجموعة المرجعية”. فمن أجل اختبار عقار أو دواء، تقوم المختبرات بإجراء الأبحاث على مجموعة من الأشخاص تناولوا العقار، مقابل مجموعة أخرى لم يتناولوا تلك الأقراص. وتهتم المختبرات بعد ذلك بمتابعة مضعفات الدواء على المجموعة الأولى ومقارنة حالتها الصحية مع المجموعة الثانية. وإذا كانت هذه المنهجية، مستعملة في عصرنا الحالي، وتم استعمالها مؤخرا بشكل مكثف خلال الأبحاث عن لقاح ضد فيروس كورونا كوفيد19، فإن اكتشافها يعود لعدة قرون ولصاحبها الطبيب والكيميائي أبو بكر الرازي الذي كان وراء إنشاء أول مستشفى في بغداد، وقام بإجراء بحوث في أسباب التهاب السحايا وطرق علاجها.

    لم يقم الرازي بحصر عينة من المرضى لبحوثه فحسب، بل قام أيضا بحصر مجموعة مرجعية لم يُخضعها للعلاج، وذلك من أجل الوصول إلى حيادية كبيرة في علاجاته، وهو ما يشكل أساسا علميا جد متقدم قياسا لعصره، ومنهجية علمية صارمة في الطب ما دام الأمر متعلقا بحياة الإنسان.

    في مطلع القرن العاشر ميلادي، استشار الخليفة العباسي الطبيب الرازي بشأن المكان الأمثل لبناء مستشفى جديد في بغداد. سلك الرازي طريقا علميا صارما في تحديد المكان الأمثل لبناء المستشفى، فقام بتعليق قطع من اللحم الطازج في أماكن مختلفة من المدينة، وتابع أيها ستتعفن أسرع من الأخرى. وبذلك استطاع تحديد البقعة الأنقى هواءً في المدينة. وتلك هي منهجية الرازي العلمية في حل المشاكل الطبية. الاعتماد على الدراسات العلمية من أجل اتخاذ بعض القرارات، لم يكن سائدا ولا معروفا في ذلك الوقت. لذلك نقول إن التجربة التي اعتمدها الرازي في تحديد البقعة الأنقى هواءً من أجل بناء المستشفى، تعكس طريقة التفكير العلمي الذي كان سائدا في ذلك العصر.

    من إنجازاته:

    ◄اشتهر الرازي برسائله في الأمراض، وفي فروع متنوعة من فروع الطب.

    ◄احتوى كتابه (الأدوية المفردة) على وصفٍ فائق الدقة لتشريح جميع أعضاء جسم الإنسان.

    ◄اخترع الرازي الخيوط المخصصة للخياطة في العمليات الجراحية.

    ◄ساهمت مؤلفاته في تطور صناعة العقاقير والأدوية، فقد كان علّامة عصره.

    ◄بلغت مؤلفات الرازي 146 مصنّفًا، عبارة عن 116 كتابا، و30 رسالة.

    ◄امتازت مؤلفات الرازي بالموسوعية والشمول، لما تجمعه من علوم هندية ويونانية بالإضافة إلى أبحاثه ومبتكراته الزاخرة بالعلوم.

    ◄كان أول من صنع مراهم الزئبق.

    ◄قدم شرحا لكل ما يتعلق بأمراض الأطفال والنساء والولادة والأمراض التناسلية وجراحة العيون

    وأمراضها.

    هكذا يكون أبو بكر الرازي، أول من ابتكر المنهج العلمي في الأبحاث والدراسات الطبية، وهو المنهج الذي ما زال معتمدا حتى وقتنا الراهن. كما أنه لم يكن يتخذ القرارات الطبية إلا باعتماد منهج علمي، وهو ما تعكسه بكل جلاء التجربة التي قام بها من أجل تحديد البقعة الأنقى هواء، لبناء المستشفى حرصا على صحة المرتفقين الذين سيرتادونه.

    سعيد الغماز

     

     

  • فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -15- .. ابن سينا وتطور طرق تشخيص المرض

    فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -15- .. ابن سينا وتطور طرق تشخيص المرض

    أكادير24 | Agadir24

    فتحت أعمال ابن سينا في التشخيص الطبي، الباب واسعا لتطور الطرق الطبية في التشخيص وكيفية العلاج. فبعد ترجمة كتب ابن سينا، وخاصة كتابه الشهير “القانون في الطب”، وكتُب الكثير من الأطباء في العصر الإسلامي، بدأت تظهر في العالم طُرق جديدة في التعامل مع الطب كعلم قائم بذاته يهتم بصحة الإنسان عموما. ففي سنة 1761، تمكن الطبيب النمساوي -أوينبرغر- من ابتكار طريقة القرع (Percussion) في تشخيص المرض. وتقوم هذه الطريقة السهلة والناجعة، على معرفة الحالة الصحية لبعض أجزاء الجسم، استنادا إلى الصوت الناتج عن ضرب هذه الأعضاء من الخارج باستعمال الأصابع. هذه الطريقة تمكَّن طبيب نابوليون من تطويرها وإتقانها، فأصبحت معتمدة في التشخيص وتُستعمل حتى في وقتنا الراهن من طرف الأطباء.

    في العصر الإسلامي، كان تشخيص المرض يعتمد بالضرورة على وضع الأذن على صدر المريض والانصات لدقات القلب (L’auscultation). وتعود فكرة وضع الأذن للإنصات لدقات القلب إلى الفيلسوف اليوناني أبُقراط. وقد تطورت هذه الطريقة في عهد ابن النفيس بعد اكتشافه للدورة الدموية. كانت العملية تتم بسماع دقات القلب مباشرة عبر الأذن، إلى أن استطاع الفرنسي -روني لاينيك- باختراع سماعة الطبيب (Stéthoscope) في بداية القرن 19. كانت أول سماعة مصنوعة من ورق ملفوف، ثم تم تطويرها باستبدال الورق بأسطوانة من الخشب في سنة 1815، وكانت سماعة تتطلب استعمال أذن واحدة فقط. عرفت سماعة الطبيب تطورات مختلفة إلى أن قام الأمريكي -كامان- باختراع سماعة كما هي موجودة في وقتنا الراهن، تتطلب استعمال الأذنين في آن واحد. وهي السماعة التي ما زالت تُستعمل في عصرنا الحالي. وفي سنة 1980 طرح الأمريكيان -كروم- و-بون- السماعة الالكترونية.

    كانت عملية التوليد من بين الاهتمامات الكبرى للطب عبر العصور. وقد اهتم العلماء في العصر الإسلامي بالولادات وتمكنوا من تطوير طرق طبية ساهمت في الحد من الوفيات المرتبطة بالولادة سواء المرأة الحامل أو الجنين. ويُعتبر اختراع جهاز الموجات فوق الصوتية (Echographie) حدثا فارقا في تاريخ الإنسانية، لأنه ساهم بشكل كبير في تحسين ظروف وشروط الولادة. هذا الجهاز لم يكن في البداية يُستعمل في مراقبة حمل المرأة، ففي 1955 كان الطبيب الأمريكي -ليسكيل- يستعمله في مراقبة صحة القلب. وفي 1956 قام البريطاني -جون دونالد- بإجراء أول فحص بالموجات فوق الصوتية على امرأة حامل. كانت تلك أول عملية “إيكوغرافي” ينظر من خلالها الطبيب للجنين في بطن أمه. ومنذ 1978 تم تعميم هذه التقنية التي أصبحت تمكننا من معرفة جنس الجنين منذ الأسبوع الثامن، كما تُمكِّن الأطباء من التشخيص المبكر للتشوهات المحتملة وعلاجها في الوقت المناسب.

    قد تبدو لنا التطورات الكبيرة التي عرفها التشخيص الطبي في عصرنا، أمرا مألوفا وجاء نتيجة الأبحاث والاكتشافات والاختراعات. لكن كل ذلك ساهمت فيه البشرية عبر مختلف الحقب الزمنية. وفي هذا المجال، ساهمت الحقبة اليونانية بقدر بسيط في هذا التطور، وكان العصر الإسلامي نقطة دفع كبيرة للتشخيص في مجال الطب، استفاد منها كثيرا عصر النهضة في أوروبا، ثم ازدهر الطب إلى أن وصل الواقع الذي نعيشه في عصرنا الحالي.

        سعيد الغماز

     

     

Exit mobile version