” كان المغرب ” تسعة أيام كشفت رهان الدولة قبل رهان الكرة

أكادير الرياضي

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

  • حين تتحول بطولة قارية إلى اختبار دولة… وتنجح

بعد مرور تسعة أيام على انطلاق كأس أمم إفريقيا بالمغرب، لم تعد الأسئلة المطروحة تتعلق فقط بما يحدث داخل المستطيل الأخضر، بل بما يجري خارجه: تنظيم، أمن، صورة دولة، ورهان إقليمي كبير. الأيام الأولى كانت كافية ليضع المغرب نفسه في قلب الحدث الرياضي العالمي، ليس فقط كمضيف، بل كنموذج يُقاس عليه.
منذ صافرة البداية، أظهر المغرب جاهزية عالية على مستوى البنية التحتية الرياضية، شبكات النقل، الإيواء، والخدمات، إلى جانب حفاوة استقبال لاقت إشادة واسعة من الوفود والجماهير الإفريقية وغير الإفريقية. لم يكن ذلك وليد الصدفة، بل ثمرة تخطيط طويل ورؤية واضحة جعلت من “الكان” محطة ضمن مسار أكبر.

  • المنتخب… نتائج متوازنة ورسائل طمأنة

على المستوى الرياضي، بصم المنتخب المغربي على بداية متزنة، حيث حقق فوزًا في مباراة وتعادل في أخرى، وهو ما يعكس توازنًا بين الواقعية والطموح. هذه النتائج، بعيدًا عن الحسابات الضيقة، منحت الجماهير جرعة اطمئنان، ورسخت فكرة أن الرهان الحقيقي يتجاوز النتائج الآنية نحو بناء مشاركة مستقرة تعكس مكانة الكرة المغربية قارياً ودولياً.

  • التأثير الرقمي… صورة أقوى من الخطاب

في موازاة المباريات، كان الفضاء الرقمي مسرحًا لمعركة موازية كسبها المغرب بامتياز. ملايين المشاهدات الإيجابية اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي، عبر مقاطع وثّقها زوار ومؤثرون من مختلف الجنسيات، بينهم جزائريون خارج منطق الاصطفاف الإعلامي الرسمي. هذا الزخم أربك محاولات التشويش، وحوّل الخطاب العدائي إلى صدى معزول أمام سيل من الصور الواقعية.
حفاوة الاستقبال، التنظيم المحكم، والأجواء الآمنة، صنعت رواية مضادة أقوى من أي حملة مضادة، وأكدت أن التأثير الحقيقي يُصنع بالفعل لا بالشعارات.

  • الطبيعة تختبر… والبنية التحتية تجيب

حتى الظروف المناخية لعبت دور “الممتحن الصارم”. التساقطات المطرية التي عرفتها بعض المدن المضيفة تحولت إلى اختبار عملي للبنيات التحتية، التي أثبتت قدرتها على الصمود والاستيعاب دون ارتباك أو تعطيل يُذكر. مشاهد الملاعب وهي تؤدي وظائفها بشكل طبيعي بعثت برسائل طمأنة للمتابعين، ورسخت قناعة أن الاستعداد كان عميقًا لا شكليًا.

  • إجماع إعلامي واستثناءات معروفة

الإعلام العربي والدولي، في مجمله، واكب التظاهرة بنبرة إيجابية، مشيدًا بالتنظيم والصورة العامة، مع استثناءات محدودة لم تخرج عن السياق السياسي المعروف. غير أن هذه الأصوات ظلت محدودة التأثير، بل ارتدت أحيانًا على أصحابها، بعدما فُككت رواياتها من داخل بلدانها نفسها.

  • الأمن… حين يصبح غير مرئي لكنه حاضر

أحد أبرز عناصر النجاح تمثل في المنظومة الأمنية. حضور منضبط، تدخل ذكي، وتكنولوجيا متقدمة جعلت الأمن حاضرًا دون أن يكون عبئًا على المشهد الاحتفالي. من تأمين الملاعب إلى الفضاءات العامة والمعالم السياحية، لمس الزوار نموذجًا يجمع بين الصرامة والاحتراف، وهو ما يفسر الصورة الراسخة للمغرب كبلد مستقر ومحصن ضد الفوضى والعنف.
حوادث معزولة جرى التعامل معها بسرعة ودقة، دون تضخيم أو ارتباك، ما عزز ثقة الجماهير والوفود، وكرس مفهوم الأمن الاستباقي.

  • ما وراء الكرة… الرهان الأكبر

بعيدًا عن الأرقام والنتائج، أكد “كان المغرب” أنه أكثر من بطولة. هو تمرين حقيقي على تنظيم أحداث كبرى، ورسالة استعداد لما هو قادم، سواء على مستوى الاستحقاقات القارية أو العالمية. في هذا السياق، يقرأ كثيرون هذه التظاهرة كحلقة ضمن مسار متكامل، عنوانه: دولة تراكم الخبرة وتستثمر في صورتها ومكانتها.

  • خلاصة

بعد تسعة أيام من انطلاق “الكان”، يمكن القول إن المغرب ربح الرهان الأهم: رهان الثقة. ثقة الضيوف، ثقة المتابعين، وثقة المؤسسات الدولية. أما النتائج داخل الملعب، فتبقى جزءًا من القصة، لا كلّها.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً