هذا المقال من رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن توجه أكادير 24.

سموم السلبيين: كيف تنتقل المشاعر الهدّامة وتُضعف مناعة الفرد والمجتمع؟

كُتّاب وآراء

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام والصناعة الثقافية

لم يعد مصطلح “الطاقة السلبية” مجرد تعبير متداول في الحياة اليومية، بل أصبح جزءًا من التحليلات النفسية والاجتماعية التي تحاول تفسير التغيّرات السلوكية والانفعالية في زمن تتسارع فيه الأزمات. ومع اشتداد الضغوط الناتجة عن التحولات الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية، يعيش الإنسان حالة من الإرهاق النفسي تُضعفه من الداخل، وتتداخل فيها الظروف الخارجية مع طريقة التفكير. وفي هذا السياق، تبرز ظاهرة “سموم السلبيين” بوصفها نموذجًا لأشخاص ينشرون رؤى تشاؤمية تضعف المعنويات وتؤثر في أداء الفرد والمجتمع.

أولًا: الطاقة السلبية بين المفهوم الشعبي والتفسير النفسي
رغم أن مصطلح “الطاقة السلبية” ليس مصطلحًا علميًا بالمعنى الأكاديمي، فإنه يشير إلى مفهوم معروف في علم النفس يُسمّى العدوى الانفعالية؛ أي انتقال المشاعر بين الأشخاص تلقائيًا، بفضل خلايا في الدماغ تُعرف بـ العصبونات المرآتية التي تدفع الفرد لتقليد مشاعر الآخرين دون وعي.
وتظهر الطاقة السلبية في صور متعددة، أبرزها: القلق، الإحباط، التشاؤم، التوتر، انخفاض الدافع، واضطراب القدرة على اتخاذ القرار.

  • ثانيًا: سموم السلبيين… أنماط سلوكية تُنهك المحيط

يطلق وصف “السلبيين” على أشخاص يكرّرون أنماطًا من التفكير والسلوك تؤثر في محيطهم العاطفي وتستنزف الطاقة النفسية. من أبرز هذه الأنماط:

  1. المحبِط المهني: يقلل من قيمة الإنجازات ويرفض المبادرات الجديدة.
  2. الناقد العدمي: يرصد الأخطاء دون حلول، ويرى العالم بمنظور سوداوي.
  3. مسقِط المخاوف: يضخّم التهديدات ويُربك الآخرين بتهويله المستمر.
  4. مستنزِف التعاطف: يكرر الشكوى دون رغبة في التغيير، مما يرهق من حوله.
  5. الدرامي: يضخم التفاصيل ويحيل أبسط المواقف إلى أزمات.
    تكرار التعامل مع هذه الفئات يخلق بيئة خانقة داخل البيوت ومكاتب العمل.
  • ثالثًا: من الفرد إلى المجتمع… كيف تنتشر السلبية؟

تغدو السلبية ظاهرة اجتماعية عندما تضعف قدرة المجتمع على مواجهة الضغوط، وهو ما تغذّيه عوامل عدّة، أبرزها:

  • الأزمات الاقتصادية وتراجع اليقين بالمستقبل،
  • الاستقطاب السياسي الحاد،
  • تضخيم الأحداث السلبية في الإعلام،
  • المقارنات الرقمية التي تخلق شعورًا بالنقص وفقدان الثقة.
    ومع وجود أشخاص ينشرون التشاؤم، يسهل أن تتسع دائرة الإحباط الجماعي.
  • رابعًا: التأثيرات النفسية والاجتماعية للسلبية
  • على مستوى الفرد: اضطرابات النوم، تراجع التركيز، زيادة التوتر، ضعف اتخاذ القرار، وتدهور الصحة النفسية.
  • على مستوى العمل:
    انخفاض الروح المعنوية، تزايد النزاعات، فقدان الثقة، وتراجع الإنتاجية.
  • على مستوى الأسرة:
    يتأثر الأطفال بسرعة وينسجون مخاوفهم من الجو العام، كما تتآكل العلاقات الزوجية بفعل كثرة الشكاوى.
  • على مستوى المجتمع:
    تراجع المبادرات، ضعف الإبداع، غياب التفاؤل، وانخفاض القدرة على التغيير.
  • خامسًا: لماذا يجب الحدّ من مجالسة السلبيين؟

تميل النفس البشرية لالتقاط السلبية بسرعة أكبر من الإيجابية، بفعل ما يُعرف بـ التحيّز السلبي. ولهذا، فإن كثرة الجلوس مع الأشخاص السلبيين تؤدي إلى:

  • إرهاق الجهاز العصبي،
  • التحول إلى مستمع يمتص الشكوى بلا جدوى،
  • انخفاض الإبداع والحافز،
  • اكتساب لغة يومية مشبعة بالإحباط.

استراتيجيات عملية للوقاية:

  • وضع حدود زمنية للمحادثات السلبية،
  • تجنّب النقاشات التي لا تصل إلى نتيجة،
  • دفع الحوار نحو الحلول بدل الدوران في المشكلة،
  • الانسحاب الهادئ عند بدء التهويل،
  • تعويض الأثر السلبي بأنشطة إيجابية كالرياضة والمطالعة.
  • سادسًا: بناء مناعة نفسية ضد السلبية

تتطلب مواجهة السلبية وعيًا وتدريبًا مستمرين. ومن أهم أدوات الحماية:

  1. الوعي الذاتي: فهم مصادر التوتر وكيفية تأثيرها.
  2. إعادة صياغة التفكير: التركيز على ما يمكن تغييره بدل الاستسلام للمخاوف.
  3. التواصل الحازم: وضع حدود واضحة مع الآخرين دون جرحهم.
  4. ممارسة الامتنان: تقنية فعّالة لتحسين المزاج وتقليل الحساسية للمؤثرات السلبية.
  5. تنظيم البيئة الرقمية: تقليل المتابعة المفرطة للأخبار السلبية.
  6. التفريغ الصحي: كالرياضة، التأمل، والمشي لتخفيف الضغط النفسي.
  • خاتمة

إن الطاقة السلبية وسموم السلبيين ليستا ظاهرتين عابرتين، بل هما انعكاس لضغوط معقّدة يعيشها الفرد والمجتمع معًا. والوعي بطرق الحدّ من تأثيرهما، خاصة من خلال اختيار من نصاحب وكيف نصغي، يمثل خطوة أساسية لبناء توازن نفسي وحياة أكثر طمأنينة.
وبين الانفتاح على الآخرين وحماية الذات من الاستنزاف، تتشكل قدرة الإنسان على مواجهة الواقع بروح عملية وإيجابية، وعلى المساهمة في مجتمع أكثر تماسكًا وثقة بالمستقبل.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً