بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
تحلّ ذكرى انتفاضة أيت باعمران باعتبارها محطة بارزة في مسار المقاومة المغربية ضد الاستعمار، ومحفزًا لاستحضار مرحلة مفصلية جسدت قدرة السكان المحليين على الدفاع عن سيادتهم وصون كرامتهم الوطنية. فقد شكّلت هذه الانتفاضة، التي اندلعت في أواخر خمسينيات القرن الماضي، نموذجًا فريدًا في التنظيم الشعبي وفي القدرة على مواجهة إحدى القوى الاستعمارية الكبرى آنذاك.
- أيت باعمران… مجال جغرافي محدود وتأثير استراتيجي واسع
رغم الطابع الجغرافي الوعر لمنطقة أيت باعمران جنوب المغرب، ورغم محدودية مواردها آنذاك، فقد استطاعت هذه القبائل أن تبني بنية اجتماعية قوية مكّنتها من تنظيم صفوفها في مواجهة التوغلات الاستعمارية الإسبانية. وقد كانت المنطقة تاريخيًا نقطة تماس بين قوى عربية وأمازيغية حافظت على استقلاليتها عبر قرون، وهو ما دفع القوى الاستعمارية إلى اعتماد أساليب ضغط مختلفة لفرض نفوذها.
وبفعل صمود السكان ومهاراتهم القتالية، تحوّلت المنطقة إلى إحدى أهم جبهات المقاومة بالمغرب، وساهمت عمليات المقاومين في إحداث ارتباك داخل صفوف الجيش الإسباني، كما حققت مكاسب معنوية وسياسية بارزة للمشروع الوطني المغربي.
‘ الانتفاضة: تماسك اجتماعي وإرادة سيادية
تميزت انتفاضة أيت باعمران بأنها حركة جماعية انطلقت من وعي مشترك بضرورة حماية الأرض ورفض التقسيمات التي فرضتها القوى الاستعمارية على الجنوب المغربي. وقد شكّلت الروابط القبلية، والأعراف المحلية، وشبكات التعاون التقليدية، أرضية صلبة دعمت اتخاذ القرار الجماعي بالمواجهة. كما تجلّت في هذه القبائل روح الانتماء العميق للوطن والوفاء للعرش العلوي المجيد، إذ كان سكان أيت باعمران يفتخرون بالتشبث بالرمز الملكي الذي يجسّد وحدة المغرب واستمراريته عبر التاريخ، وهو ما منحهم دافعًا إضافيًا للصمود والتضحيات في سبيل الدفاع عن السيادة الوطنية.
ولم تكن الانتفاضة مجرد رد فعل على حدث عابر، بل جاءت تعبيرًا واضحًا عن رفض أي انتقاص من السيادة الوطنية. وقد جسدت عمليات المقاومة، من بينها أسر عدد من الجنود الإسبان، عمق الجرأة التنظيمية التي تميّز بها سكان المنطقة، وأظهرت أن التمسك بالحق التاريخي والوفاء للعهد مع العرش يمكن أن يُحدث تحولًا في موازين القوى، مهما كان الفارق العسكري.
- في الحاجة إلى تثبيت الذاكرة وتطوير البحث التاريخي
ورغم المكانة التاريخية للانتفاضة، فإن حضورها في التوثيق الأكاديمي والذاكرة المدرسية ما يزال دون المستوى المطلوب. وتبرز الحاجة اليوم إلى جمع الروايات الشفوية، وتوثيق سير المقاومين، وتحليل التحولات الدولية والإقليمية التي شكلت سياق تلك المرحلة. فإحياء ذكرى الانتفاضة ليس فقط تكريمًا للمقاومين، بل أيضًا فرصة لإغناء الحقول البحثية المرتبطة بتاريخ الجنوب المغربي والمقاومة الوطنية عمومًا.
خاتمة
تمثل ذكرى انتفاضة أيت باعمران مناسبة وطنية تستدعي التوقف عند دلالاتها السياسية والرمزية، باعتبارها شاهدًا حيًا على قدرة المغاربة في مختلف ربوع البلاد على الدفاع عن وحدة ترابهم الوطني. لقد جسّدت هذه القبائل روح الانتماء العميق للوطن، وفخرها بالتشبث بالعرش العلوي المجيد، الذي يرمز إلى استمرار المغرب ووحدته التاريخية. كما تبرز هذه الذكرى مدى التزام سكان أيت باعمران بالقيم الجماعية، وبمبادئ الشجاعة والصمود، وبالوفاء للمبادئ الوطنية التي رسختها الأجيال السابقة.
إن استحضار ذكرى الانتفاضة لا يقتصر على تكريم المقاومين فقط، بل يمثل فرصة لإعادة قراءة الماضي بما يخدم بناء مستقبل يقوم على التلاحم الوطني، والوعي بالهوية المشتركة، والوفاء للعرش الذي يرمز إلى وحدة البلاد واستمراريتها عبر التاريخ. إن أيت باعمران، بما أبدته من تضحية وتنظيم وروح وطنية، تظل مثالًا مضيئًا على قدرة الإنسان المغربي على الدفاع عن حريته وكرامته، مع الحفاظ على اعتزاز لا يتزعزع بتراثه وهويته وقيادته التاريخية.


التعاليق (0)