قررت مجموعة “أكديطال” سحب مشروعها المتعلق بإحداث مراكز للتشخيص والقرب، الذي كانت تعتزم تنزيله عبر أحد فروعها، وذلك بعد أسابيع من الجدل المهني حول حدود تدخل القطاع الخاص في خدمات تعد من المسؤوليات الجوهرية للدولة داخل المنظومة الصحية.
وعبرت المجموعة في وقت سابق عن رغبتها في التواجد بالمناطق النائية من خلال إنشاء مراكز للتشخيص تهدف إلى تقريب خدمات الوقاية والكشف من سكان تلك المناطق.
ورغم أن ربحية هذه المراكز كانت مرجحة لأن تكون مشابهة لربحية المصحات، فإن وتيرة نمو نشاطها كانت ستتم بشكل تدريجي، إذ كانت الشركة تخطط لإحداث 200 مركز بحلول سنة 2030، باستثمار يقارب 5 ملايين درهم لكل وحدة.
وتفيد المعطيات المتوفرة بأن قرار التراجع جاء في ظل ردود فعل قوية داخل الجسم الطبي، إذ عبرت هيئات ونقابات مهنية عن مخاوف من أن يؤدي إطلاق هذه المراكز إلى الإخلال بتوازن المنظومة الصحية، عبر استقطاب المرضى القادرين على الأداء واستمالة الأطر الصحية بعيدا عن المستشفيات العمومية والعيادات المستقلة.
وحذر مهنيون من أن توجيه المرضى عبر مسارات خاصة في مرحلة التشخيص الأولي قد يؤثر على استقلالية القرار الطبي والدور التنظيمي للدولة في تقديم الرعاية الأساسية، إضافة إلى احتمال إضعاف القطاع العمومي وخلق “منظومة علاج بسرعتين”.
وأكد هؤلاء أن جزءا مهما من التحفظات يرتبط بطبيعة الخدمات التي كان المشروع يركز عليها، لكونها تمثل مرحلة حساسة في مسار المريض، تتم عادة تحت إشراف الرعاية العمومية أو أطباء الطب العام ضمن مسؤوليات الدولة في تنظيم الولوج إلى الخدمات.
واعتبر المهنيون أن دخول فاعل خاص إلى هذا المستوى من الخدمات يشكل توسعا يتجاوز الدور التكميلي المفترض للقطاع الخاص، وقد يفتح الباب أمام تأثيرات بعيدة المدى على بنية العرض الصحي وعلى توازن العلاقات المهنية داخل المنظومة بأكملها.
ويرى عدد من المتابعين أن هذا التطور يعكس الحاجة إلى صياغة نموذج جديد للشراكة يتيح للقطاع الخاص المساهمة في تحسين العرض الصحي دون المساس بالأدوار الجوهرية للدولة أو بحقوق المواطنين في الولوج المنصف للعلاج.
وأكد هؤلاء أن تراجع “أكديطال” عن مشروعها يبرز مرة أخرى أن حماية المرفق العام ومنع الهيمنة وضمان التوازن بين الفاعلين تبقى ركائز أساسية في مسار إصلاح الصحة، وأن أي توسع استثماري يجب أن يندرج ضمن رؤية وطنية واضحة تتقاطع فيها الكفاءة الاقتصادية مع العدالة الصحية.
وكانت التنسيقية النقابية للأطباء العامين في القطاع الخاص، إلى جانب الائتلاف الوطني لأطباء القطاع الحر، قد رفعت مذكرة اعتراض مفصلة إلى رئيس مجلس المنافسة بخصوص مشروع التركيز الاقتصادي الذي يجمع صناديق استثمار أجنبية مع مجموعة “أكديطال”، أكبر فاعل في سوق الصحة الخاص بالمغرب.
وأوضحت الهيئتان المهنيتان أن المشروع ينذر بخلق وضعية تركز غير مسبوقة تجمع بين خدمات التشخيص البيولوجي والتصوير الطبي والبنيات الصحية القريبة والاستشفاء تحت سيطرة فاعل واحد، معتبرتين أنه يشكل “خطرا مباشرا” على الأمن الصحي وعلى مبادئ المنافسة واستقلالية ممارسة مهنة الطب.


التعاليق (0)