بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
خلال زيارة دعم وتآزر نظّمتها جمعية الطلبة النيجريين بأكادير وجمعية المهرجان الإفريقي، للمهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء، المقيمين بمنطقة شتوكة آيت باها بجهة سوس ماسة، كانت الأجواء مفعمة بروح الأخوة والتضامن الإفريقي، في خضم كل ذلك، استوقفتني ظاهرة إنسانية صادمة، لا يمكن المرور عليها مرور الكرام: أكثر من 200 طفل صغير، دون سن السابعة، خارج أي منظومة تعليمية أو تربوية، محرومون من أبسط حقوق الطفولة، في عز صمتٍ مدوٍّ.
هؤلاء الأطفال، أبناء أمهات يشتغلن في الضيعات الفلاحية القريبة، يُتركون يوميًا دون رعاية، بلا حضانة، بلا مدرسة، وبلا أي فضاء آمن يؤويهم. سألت عن وضعهم، فقيل لي إن سيدة من ساحل العاج كانت قد تكفلت برعايتهم في منزلها المتواضع، لكن غياب الدعم وضغط المسؤولية جعلاها تتوقف عن ذلك، ليجد الأطفال أنفسهم مرة أخرى في مهب الإهمال.
- الدولة تقوم بدورها، لكن أين الآخرون؟
لا يمكن الحديث عن هذا المشهد دون التوقف عند الجهود الجبارة التي تبذلها الدولة المغربية، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، والتي مكنت المملكة من أن تصبح نموذجًا قاريا في تدبير ملف الهجرة. سياسة الهجرة الجديدة التي أُطلقت منذ سنوات أعطت للمهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء وضعًا قانونيًا أكثر استقرارًا، وفتحت أمامهم آفاقًا جديدة في مجالات الصحة والتعليم والشغل، في انسجام مع قيم التضامن الإنساني والانفتاح الحضاري.
ومع ذلك، فإن ما يحدث اليوم لهؤلاء الأطفال يُبرز أن هناك حلقة مفقودة في سلسلة هذا الورش. حلقة لا تتعلق بالدولة، بل بـأطراف أخرى يُفترض أن تكون فاعلة وشريكة في هذا المجهود الوطني.
- مسؤولية المجتمع المدني والمنتخبين وأرباب الضيعات
إن المسؤولية في هذه الظاهرة لا تقع فقط على كاهل الدولة، بل تشمل المجتمع المدني الذي كثيرًا ما يتبجح بالترافع عن قضايا الهجرة، لكنه يغيب في الميدان، خصوصًا حين يتعلق الأمر بالأطفال والتحديات اليومية. كما أن أصحاب الضيعات الفلاحية مسؤولون بشكل مباشر، فهم يستفيدون من جهد الأمهات، دون أن يوفروا الحد الأدنى من الظروف لرعاية أبنائهن، وكأن الأطفال مجرد هامش لا يستحق الالتفات.
ولا يمكن إغفال تقصير المنتخبين المحليين والإقليميين، الذين من واجبهم أن يكونوا في طليعة المدافعين عن كرامة الإنسان، أكان مغربيًا أو مهاجرًا، خصوصًا حين يتعلق الأمر بأطفال يعيشون في تراب جماعاتهم، وسط دوائرهم، ويواجهون خطر التهميش والتشرد كل يوم.
- هل من حل؟ نعم، لكنه يحتاج لإرادة
ما نحتاجه ليس معجزات، بل خطوات عملية، منها:
-فتح روض أو فضاء تربوي بسيط مخصص لأبناء المهاجرين في المنطقة، ولو بوسائل تطوعية.
-دعم النساء من داخل الجاليات الإفريقية ممن لديهن استعداد لرعاية الأطفال، وتوفير الدعم اللوجستي لهن.
-إطلاق شراكات بين الجماعات الترابية، الجمعيات، ومؤسسات الدولة لضمان حق هؤلاء الأطفال في التعليم والرعاية الصحية.
-التوقف عن تحميل الدولة وحدها كل المسؤولية، ودفع الأطراف الأخرى للقيام بدورها دون تهرب أو تواكل.
في الختام
هؤلاء الأطفال لن يظهروا في نشرات الأخبار، ولن يُناقش وضعهم في صالونات النخب، لكنهم موجودون، ويكبرون في الظل، في وطنٍ فتح ذراعيه لآبائهم وأمهاتهم، لكنهم ما زالوا ينتظرون من يحمل عنهم عبء الطفولة المهملة.
ألم يحن الوقت لنرى فيهم مستقبل إفريقيا؟ لا مجرد “أبناء مهاجرات” في الحقول؟
التعاليق (0)