مهرجانات الأركان… ملايين للتبذير، وصمت عن انقراض الشجرة

مجتمع


بقلم : احمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية.

أكتب اليوم بمرارة عن شجرة الأركان، هذه الشجرة النادرة التي لا تنبت إلا في المغرب، والتي منحتنا الزيت والعلف والخشب وحمت أرضنا من التعرية والتصحر. قاومت الجفاف عبر القرون، فصارت رمزًا للصمود وذاكرةً للأرض والإنسان.
لكن، وبينما خصصت الأمم المتحدة يومًا عالميًا للأركان (10 ماي) واعترفت اليونسكو بغاباته كمحمية للمحيط الحيوي، نرى نحن الشجرة نفسها تُترك فريسة للجفاف، والرعي الجائر، والتوسع الزراعي العشوائي، والأمراض التي تهدد بقاءها.
الأدهى من ذلك هو ما يسمى بـ”مهرجانات الأركان”. مهرجانات تصرف فيها أموال طائلة على الغناء والاستعراض واللافتات البراقة، بينما لا تُخصص لحظة واحدة لمناقشة مشاكل هذه الشجرة. أين هي المحاضرات العلمية؟ أين الورشات حول إعادة التشجير أو سبل مواجهة الرعي الجائر؟ أين الحلول العملية لإنقاذ شجرة تُعرف عالميًا بـ”الذهب الأخضر”؟

إن ما يجري اليوم ليس احتفاءً بالأركان، بل استغلال بشع لاسمها وصورتها. وهذه المهرجانات تتحمل مسؤولية أخلاقية وتاريخية، لأنها ترفع شعار الأركان دون أن تقدم له شيئًا. فالاحتفال الحقيقي لا يكون بالرقص والموسيقى، بل بتحويل هذه المناسبات إلى فضاءات للنقاش العلمي والتوعية البيئية.

ومن هنا تبرز الحاجة إلى تغيير جوهري في فلسفة هذه المهرجانات، حتى لا تظل مجرد منصات للاستهلاك والاستعراض. فالرهان الحقيقي أن تتحول إلى فضاءٍ للعلم والمعرفة، تُنظم فيه محاضرات وندوات وأوراش متخصصة حول شجرة الأركان ودورها البيئي والاقتصادي. وأن تُوجَّه الدعوة إلى الخبراء والمختصين في الميدان الفلاحي والبحث العلمي للمشاركة في النقاش مع الساكنة المحلية، قصد بلورة حلول عملية ومستدامة تضمن الحفاظ على هذا الموروث الطبيعي الفريد وصونه للأجيال القادمة.

إذا استمر النهج الاستهلاكي الحالي، سنخسر ليس فقط شجرة، بل إرثًا بيئيًا وإنسانيًا وهوية متجذرة في أرض المغرب. آن الأوان لنتوقف عن خداع أنفسنا. حماية الأركان لا تتحقق بالتصفيق أمام المنصات، بل بزرع شجرة جديدة، وبسن قوانين تحميها من الرعي الجائر، وبمشاريع جادة تعيد لها مكانتها.

الأركان لا تحتاج إلى مهرجانات استهلاكية، بل إلى عناية حقيقية. والاحتفاء بها يبدأ من حمايتها، لا من استغلال اسمها.
وفي الختام، أود أن أوضح أنني لست ضد المهرجانات، ولا ضد الثقافة والفن والرقص، بل على العكس تمامًا، فأنا من المدافعين عنها وأعتبرها رافعة أساسية للهوية والانفتاح. غير أن الاعتراض يكمن في استغلال اسم شجرة الأركان كشعار وعنوان، بينما تغيب تمامًا عن المضمون والبرنامج. فالاحتفال الحقيقي لا يكون باستعمال اسمها كواجهة للتسويق، بل بإدراجها في صلب النقاش، والحرص على حمايتها ورعايتها بما يليق بمكانتها ورمزيتها.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً