الاولياء في سوس: كرامات وكشوفات وادوار سياسية واجتماعية 4/4

badira كُتّاب وآراء

سلطة الاولياء وكراماتهم : امثلة من بادية سوس

الاعتقاد الاسطوري بخوارق الاولياء تواكبه مجموعة من الطقوس والعادات التي تعود الى فترة قديمة من التاريخ تمثل صورة عن الاشكال الاولية للحياة الدينية، فإلى جانب تمثل (البركة) والقداسة في الولي هناك ظواهر اخرى مصاحبة لهذه القداسة منها ما يقترن ببعض الظواهر الطبيعية (الاشجار– الصخور– الكهوف– عيون الماء…) ومنها ما يقترن بالاعتقاد والايمان بوجود القوى السحرية (الجن) وكل ذلك يحصل في اطار تعايش سلمي على مستوى اللاشعور الثقافي والجمعي بين معتقدات تعود الى التاريخ القديم من جهة وبين المقدس الديني الجديد من جهة ثانية ضمن ما يسمى بالتدين الشعبي.

الاولياء يرثون القداسة عن اسلافهم ولهم سلطة روحية ومعنوية سواء كانوا احياء يرزقون او بعد مماتهم وهم تحت التراب.. ولكل قبيلة ضريحها او اضرحتها ولكل ضريح حكاية دفينة وموسم سنوي يقام لذكراه وكل ولي له كرامات وخوارق حتى يزداد الناس ايمانا (ببركته) ومن بركاته منع الحسد والكراهية وابطال السحر و(الثقاف) وعلاج الصرع. كما ان كل ولي يتميز بمواصفات وخوارق تميزه عن ولي اخر في قضاء نوع معين من الحاجات كجلب الرزق والزواج والاولاد ومنهم من يعالجون الامراض المستعصية.. يدفعون السحر عن الناس.. يعالجون العقم.. يعالجون المس من الجن لكن لن تستجاب دعوات المكلوم والمريض والمحتاج ولن تحقق (زيارتهم) للضريح او للولي   الا بتقديم الذبائح والنذور وتقدم للشيخ او لأحفاده وورثته.. وهؤلاء (اكرامن) هم من لهم الدور في اشاعة  كرامات الولي او صاحب الضريح ليزداد ايمانهم (ببركة) الولي، وتوجد في كل منطقة سلسلة كاملة تقوم بمنح وتقديم التعاويذ (الحروز) والهبات.. وكل مريض او زائر يعرف الى اين يتوجه اذا كانت زوجته عاقرا او تجارته بائرة او ابنته مصابة بمس…. وهذه التعاويذ والهبات والطقوس المواكبة للزيارات ليست وقائع يحدثها الولي بشكل احادي وانما هي نتيجة نابعة من عمق التاريخ لعلاقات جدلية بين المريدين الذين يمنحون نعمهم في شروط معينة لاختبارات يرونها مواتية للقضاء على القلق والخوف والمرض والحسد وانقطاع الامطار… (بول باسكون).

ونورد بعض الكرامات والكشوفات التي اشتهر بها بعض الاولياء والمتصوفة في سوس

اعتمادا على الروايات المنشورة في مناقب ابو زيد سيدي عبد الرحمان الجشتيمي ومناقب ابي عبد الله محمد بن احمد الحضيكي الجزولي اللكوسي

  1. سيدي احماد اوموسى نزيل تازروالت

ورد في مناقب ابي عبد الله محمد بن احمد الحضيكي ان نسبه يمتد الى علي بن ابي طالب وهو سملالي جزولي وهو من شيوخ الطريقة والتربية وامام الجموع والافراد واجمع علماء وقته اولياء عصره على تقدمه واعترفوا انهم (ما بلغوا موضع قدميه ولا سموا له غبارا).

يقول ابي عبد الله محمد بن احمد الحضيكي الجزولي في مناقبه ان الرجل له كرامات ومناقب وبركات مشهورة، ويقول عنه تلميذه البعقيلي محمد بن احمد بن محمد بن عبد الواسع (كان يخبرنا بما في ضمائرنا من الامور التي لا يطلع عليها الا الله تعالى).

واشارت الكثير من المصادر الى كرامات وكشوفات الشيخ بل الى غرائب تروى من طرف سكان المنطقة ومن طرف مريديه من قبيل:

– اطلاعه على خبايا النفوس.

– فهمه للغة الطير والحيوان (المعسول ج 12).

– تحويل الرمل الى ذهب.

– معالجة المرضى والمشلولين.

– اعادة الخصوبة الى النساء والحيوانات والنبات .

قيل انه اوتي بصبي قد اقعد فناوله من دقيق بعض الفقراء ثلاث مرات فقام الصبي في حينه يمشي.

وفي قصة اخرى شكى اليه رجل الفاقة فاخذ شيئا من الرمل فشده في صرة فقال (اذهب به الى الصائغ) فجاء به الصائغ فناوله اياه فوجده تبرا فسككه اليه.

القصة الثالثة اوردها تلميذه الفقير حسين بن عبد الله الوجيني حين قال للشيخ (يا سيدي سكنت قرية بور لا ماء فيها واني احتاج خضرة طعامي ) فقال له (تحافظ على شجرة تنبث بساحة مسكنك) فرجع ونسي تم بعد زمان راي غصنا صغيرا اوراقه كأوراق التين تنبت في طرف ساحة الدار كلما ظهر اكلته البهائم وهو ينمو بسرعة وهو لا يذكر او يتذكر اشارة الشيخ ولما تذكرها فيما بعد حافظ على الشجرة فانبتت فرعين ولم يمضي الا قليلا فأطعمته وولدت قرابا كبيرا فأخذها بالخضرة فكانت الذ شيء تنبته واستمرت ولادتها بدون انقطاع صيفا ولا شتاء وكل من احتاج الخضرة من اهل القرية اخذها منها.

وتفيد الكثير من المصادر ان الولي احماد اوموسى لم يكن يروي او يرسم على مسامع حضوره البطولات والخوارق فقد كان يسترق السمع ونظرات المحلقين حوله ليحدد مواضيع حلقته لدرجة تسمح له بالخوض في الذات المجتمعية والكشف عن خبايا الثوابت والمتغيرات وان اتقان فن الاحتياط والسرية يكفي لإحاطة صاحبه بهالة من الهيبة والوقار وتضفي على صورته من المبالغات الشيء الكثير.

كان  الشيخ احمد اوموسى يتشدد في اخفاء كراماته وفي عدم ذكر شيوخه بل قل ان يسمع وهو يصف احدا بالصلاح او الطلاح (المعسول ج 12 – ص38)

وعن المقارنة بينه وبين باقي شيوخ الصوفية والاولياء فقد شبه الشيخ السيد محند ابراهيم نفسه بالنجم والشيخ احمد اوموسى بالشمس التي يحجب طلوعها كل النجوم وكان في مقدور الشيخ حماد اوموسى ان يرد بالنفي عندما بلغه الخبر لكنه فضل باقتضاب ان يقول (صدق لكم) – المعسول ج 12 ص 45

وكانت للشيخ احمد اوموسى حكم وعبر كثيرة ومنها : في الغلو والافراط

  • – اثناء قدوم اعرابي اكثر من تقبيل يده فقال له ( ان ترفع يدك من الطعام وانت تشتهيه مأمور به شرعا يا اعرابي) … وقيل انه امر بالاقتصاد وعدم الافراط في المحبة لأنها قوت القلوب كما ان الطعام قوت البدن والغلو في كليهما مذموم.

 وحذر من الغلو في التفكير وقال (اياك اياك ان تأوي الى جبل عقلك فتكون من المغرقين كابن نوح).

وعن الحاجة الى معرفة الله قال: (كم من رجل وصل الماء الى لحيته فمات بالعطش) فقيل له كيف هذا فقال (يحتاج الى حكيم) ويعني به راسه فيشرب حتى يتروى اشارة الى احتياج الباحث عن معرفة الله تعالى الى من ينبهه اليها في اقرب الاشياء اليه وذلك نفسه.

  • محمد بن يعقوب الصنهاجي السكتاني نزيل فم تتلت

يعتبره صاحب المناقب من اولياء الله العرفين واصحاب المقامات له (بركة) فائضة واحوال صافية ومن بركاته وكراماته كما جاء في المناقب انه سكن بناحية لا زرع فيها ولا شيحا ولا ماء الا فورة صغيرة فكانت ترده المؤن والاعداد الكثيرة من الناس فيطعمهم بين الليل والنهار اربع مرات وكان ذلك دأبه طول عمره وقيل انه قد بات عنده في ليلة واحدة ستمائة زائر فيبست البئيرة فشكوا له ذلك فنشأت سحابة في الحين وامطرت حتى ملات كل جب وغدير فتعجب الناس منه.

ويحكى ان السلطان ابا محمد عبد الله طلب منه بعض فقراء المغرب ساقية يقيم بها زاويته فقال لمن حضره (افيكم من يعرف فم تتلت بلد سيدي محمد بن يعقوب؟) قالوا: نعم ثم قال (أتعرفون بها ساقية او محروثا ؟) قالوا: لا – فقال لهم (أتعرفون زاويته تردها المؤن .. تأكل وتشرب) فقالوا: نعم – فقال للسائل (الزاوية بالله لا بالساقية)

ومما يحكى عنه انه لم يتزوج حتى بلغ السبعين وانه لما جيء بالمرأة اليه لقيهم الشيطان في الطريق فقال لهم (ان الشيخ يئس منكم وانه تزوج البارحة) فبقي الناس متحيرين فقالت لهم الزوجة (سيروا بنا الى زاويته يرحمكم الله) ففعلوا فلما دخلوا عليه ضحك فقال (خسا الله عنكم الشيطان بالمرأة)

  • محمد بن مبارك الاقاوي السوسي

هو محمد بن مبارك الاقاوي السوسي من قبائل مصمودة ويشار اليه في الكثير من المناقب المعروفة بالولاية الكبرى وانه اعجوبة زمانه في الكرامات والكشوفات. يقال انه يبعث اذا هاجت الفتن بين القبائل ويكف عن القتال ومن تعدى امره عجلت عقوبته، وكان يجعل للقبائل اياما معلومة يسمونها ايام سيدي محمد بن مبارك لا يحمل فيها احد سلاحه ولا يهيج فيها احد عدوه ولا يقدر فيها على المشاجرة ويجتمع فيها الرجل بقاتل ابيه او ولده ولا يقدر ان يكلمه.

وكان قد جعل للقبائل السوسية ثلاثة ايام في الشهر لا يتعرض فيها احد لاحد حتى الحيوانات، وقيل انه في احد الايام المعلومة اصطاد اعرابي يربوعا فقال له بعض اصحابه (اطلقه فان هذا اليوم من ايام سيدي محمد بن مبارك) فرفض ان يطلق سراحه وكسرت رجله وصاح الاعرابي (رجلي مكسورة) فلامه اصحابه في تعديه في الايام التي حرم فيها الرجل الصيد والحرب.

وقيل ان عكازه متى وضعه على شيء او في مكان لا يتعداه احد الا اصابته مصيبة فيهاب الناس ما وضع عليه عكازه ولا يقربه احد.

وفي عصره امر قبائل سوس بالانقياد الى السلطان ابو العباب احمد واخيه ابي عبد الله محمد الشيخ وامرهما بالعدل والجهاد في سبيل الله لما راي النصارى تغلبوا على سواحل البلاد.

  • ابراهيم بن يحي السملالي

المعروف بأبو الصحاب وهو المدفون بأسفل سوس بغابة بني شبل، وهو مشهور المزارة ولم يسمى بابي السحاب الا لأن الناس يستسقون عند قبره فيغاثون.

ومما ذكره ابو محمد السوسي الشناني انه مرض مرضا طويلا استشرف به على الموت فارشده والده ان يزور ضريح سيدي ابا السحاب، فقال له انه يخشى ان ينكسر بالتعب ويزداد مرضه للبعد الذي يفصلهما لكن وقف عليه الشيخ في الليلة الموالية وعرفه بنفسه وقال له ( زرنا فانك لا تنكسر ان شاء الله ) وفي الصباح ركب ذابته وصابر النفس حتى وصل قبره فدعا الله تعالى عنده وتوسل به الى الله تعالى في شفائه وفي الحين شفي ولقي الراحة فرجع الى البيت على قدميه وتعجب من سرعة الاجابة ببركة الشيخ.

  •  خالد بن يحي بن سلمان المصمودي

يروى عنه انه (لما تولى السلطان ابو عبد الله محمد الشيخ وغلب على بلاد السوس وضع عليهم الخراج وسمى ذلك النائبة وجعل يكتبهم في الازمة فذكروا له اولاد الشيخ خالد بن يحي بن سلمان المصمودي، فقال السلطان (ارسموهم في النائبة) فقال له كاتبه محمد بن الحسن (يا مولاي لا تفعل انهم اولاد سيدنا خالد بن يحي) فأجابه السلطان (وان كانوا، المسلمون كلهم سواء في هذا الامر) فبلغ ذلك اولاده فجاؤوا الى قبر ابيهم وقالوا (يا سيدي ان السلطان جعلنا في زمام النائبة وكيف نعطوها وانت عندنا فيء السلطان)

في تلك الليلة استيقظ السلطان مرعوبا وقد انتفخ جسمه فبعث لحينه الى كاتبه وقال له (اكتب لأولاد الشيخ خالد بن يحي بان لا يقرب احد ساحتهم بمكروه ابدا ويسقط عنهم زمام الخراج)

هذه الروايات عن مكانة ودور الاولياء وكراماتهم وكشوفاتهم تظهر الدور الرئيسي الذي يؤديه الولي في محيطه ووسطه الاجتماعي والقبلي عموما .. انه يقوم بدور هام على مستوى البنية السوسيو – سياسية المحلية.. يضطلع بوظائف رمزية ومسؤوليات تربوية ودينية واخلاقية واجتماعية وسياسية لا ينازع احد في القبائل هذه الادوار او مقام الولي وقدسية ضريحه او زاويته لكن ادواره الاجتماعية والسياسية اقوى من غيرها اما الوظيفة الدينية فان الولي له سلطة روحية  سمحت له بإدماج المجتمع المحلي داخل النسق الاسلامي العام و هو اداة الوصل بين القبائل وبين النسق الديني السائد (التصوف – الطرقية – المدارس القرآنية – المذهب المالكي …)  ويضمن اندماج هذه القبائل داخل المجتمع الاسلامي لأنه لا يمكن ضمن قانون الاصطدام والصراع والعصبية القبلية ان يسود الاستقرار والاستمرار داخل مجال ترابي يفتقر الى قيادة سياسية قوية يحميها من السقوط  الا الاولياء فانهم الوحيدين الذين يمارسون سلطتهم الروحية ويوظفون تاريخهم الرمزي لأجل فرض الاستقرار والاطمئنان والسلم والامان. ان سلطتهم المعنوية تساعد على ارساء المعاهدات التي تحدد قواعد الانتجاع بين المراعي الجبلية والمناطق الصحراوية .. ان وجودهم في مناطق الحدود يسهل المبادلات التجارية فرجال القبائل الذين يفدون لزيارة الاسواق المجاورة لهم يتوقفون بالزاوية حيث يضعون اسلحتهم ومن هنالك يرافقهم احد مرابطي الزاوية وفي ذلك يتم حماية الزائر من خطر الاعتداء وتحمى القبيلة المستضيفة من سوء تصرف الوافدين عليها.

يشير كلنير وهارت ان الاولياء (اكرامن) يلعبون دورا مركزيا رغم وجودهم في مواقع هامشية بالنسبة للنظام القبلي لكن حضورهم هو الذي يعطي الطابع الرسمي لاهم احداث الحياة السياسية القبلية واليهم يعهد دور الوساطة في تنظيم المبادلات في مناطق اقامتهم كما يضمنون شرعية السلطة من خلال الاشراف على الانتخابات بل من بين هؤلاء الاولياء كما جاء في كتابات روبرت مونطاني من استولى على اخصب الاراضي واسس دويلات مستقلة في قلب النظام القبلي مما خلق صراعات واضطرابات وعنف مع الحكم المركزي.

الاولياء ليسوا فقط كائنات مقدسة بكراماتها وخوارقها وبركتها وانما هم قوة اجتماعية وسياسية يخشى باسها فهي تحضر وتحسم في النزاعات التي تمزق وحدة القبائل المحيطة بالزاوية او بضريح الولي الجد … انهم الحكماء ذوي السلطة الروحية والوسطاء في جميع امور الحرب والسلم.. يزاولون نشاطات متعددة من الافتاء في النوازل الى تحرير العقود الى الوعظ والارشاد الى الذكر الى حماية الاسواق وتامين التجارة الى التهذيب والتأديب والتربية …انهم قوة وسلطة روحية واجتماعية وسياسية.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً