صورة المرأة في مخيلة ” بابا علي ” 

سي كُتّاب وآراء
إعلان

أكادير24 | Agadir24

تتوالى حلقات مسلسل ” بابا علي ” واحدة تلو الأخرى حاصدة أكبر نسب المشاهدة.غير أن ما يستأثر بالاهتمام  هو حالة العنف التي تكاد تكون هي السمة الغالبة على أحداثها … فحيثما وجهت بصرك تطالعك عصابات قطاع الطرق يجوبون الأصقاع باحثين عن ضحايا يسلبونهم ثم ينتهي الأمربتصفيتهم ببرودة أعصاب ، ولا صوت لديهم يعلو فوق صليل السيوف … بَيْدَ أن  ذلك العنف سوف يبدو بسيطاً وقليلاً أمام عنف مسكوت عنه تم تمريره بهدوء على الشاشة… إنه عنف يخص المرأة وكيف تمّت عملية إظهار شخصيتها وطريقة تعامل العقلية الذكورية في حقها…عنف ذكوري جاء في داخل إطار عام احتكرته صورة الرجل “السيّد” والبطل الذي تدور القصة كلها حوله تمجيداً ومدحاً. والمرأة هنا تظهر كمجرد عنصر هامشي عابر، مضروب ومُذّل ومُهان . والنتيجة هي أن صورتها التي يشاع بكونها قد تحسنت ، مع الأسف ازدادت مأساوية وسوداوية في وسائل الاعلام …والسؤال الذي يفرض نفسه هو : لماذا تمّ تنميط  صورة المرأة الأمازيغية من طرف المخرج وحاشيته ؟ هل هو استهداف وتعمد ، أم أن الكسب المادي هوالهاجس ؟ 

إعلان
إعلان

إن المتتبع للحلقات جميعها لا محالة سينتابه الشعور بالشفقة والتأسف على الوضع المزري الذي تعاني منه النساء ـ الممثلات ـ وسط مدشر يحكمه الذكور بقبضة من حديد ، الشيئ الذي حولهن الى أداة  تابعة خاضعة لمالك القوة الاقتصادية ـ الرجل ـ  ليس لكونها ضعيفة فطريا أو أن الخنوع  صفة أصيلة ناشئة عن قصور مقدرتها العقلية و قواها الفكرية ، بل فقط  نتيجة اتحاد قوى القهر الاجتماعي و الاقتصادي التي صنعها المجتمع، مدعومة بالعادات و التقاليد العشائرية والقبلية البالية الموروثة ، والتي حولتها لتكون خادمة للرجل او مصدر متعة او حاضنة لأطفاله عوض النظر اليها كشريك او ندّ… ممثلات مشهورات بلغن شأوا كبيرا ، وشاركن في أعمال فنية ناجحة منذ سنوات عدة ، يظهرن في المسلسل ـ بجزأيه ـ بصورة باهتة أقل ما يمكن أن توصف به هو الاهانة والتحقير…ف”عيشة” زوجة البطل على سبيل المثال  بدت حاضرة  كسلعة مستهلكة وُضعت ضمن قائمة الممتلكات ، فاكتفت بأداء دور الضحية التي لا تجد لنفسها حلا في مجتمع قاهر، لا ملاذ منه سوى الهروب، أو التعايش مع قهره و حرمانه، و الانطواء والعزلة النفسية. فهي حين تستشير زوجها حول أمر معين أو تستفسره عما ينوي الاقدام عليه ، عادة ما يعرضها للإذلال و الإهمال والقهر والعنف ، بل يحاول معاملتها كدرجة ثانية ويؤصّلُ إحساسها بالذنب كلما أساء لها على اعتبار انها المذنبة وإنها من أغضبته . وهكذا نراه بين حين وآخر يبادرها بجوابه المعهود (سوس أمان الكركاز أماهما) الذي ينم عن السخرية والاستهزاء والتصغير…و”عبوش”التي من المفروض أن تصبح عاقلة رزينة تصلح ذات البين وتعيد للأسرة توازنها كلما وقع سوء بين الزوجين ، عوض ذلك ظهرت في صورة ضيف ثقيل ومملّ ، وكائن ثرثار يؤمن بالسحر والغيبيات، شريرة كأفعى سامة تؤذي بعينيها كل من هب ودب ، الى درجة أن امام المسجد لم يشفع له ما حفظه من أدعية التحصين ضد العين… أما “تيتريت ” الضحية البريئة ، فرغم كونها تنحدر من عائلة ذات جاه ـ (أمغار زعيم القبيلة ) ـ  فقد تعمدوا إلباسها ثوب امرأة صامتة مقهورة مسالمة و محايدة تعاني الانغلاق ، وهي فاقدة لذاتها وهويتها وذائبة في الرجل و كأن الزمن قد توقف نهائيا بالنسبة لها بقرار أبَويّ اختار بيعها مقابل المال ، فظلت محاصرة قابعة داخل حدود الذات لا تتجاوزها، محاطة بواقع مؤلم، تستبدله بالوهم و الخيال؛ بدل الانتفاضة، و الثورة… أما ” توفلا” بدورها وإن كانت تبدو متمردة فلا تكاد تكفّ عن النحيب والبكاء والشكوى لكونها تتعرض الى اضطهاد مزدوج ، الأول وسط مجتمعها المصغر (المدشر) الذي ترسخت لديه النظرة الدونية للأرملة فيُنظر إليها  على انها ُمسترجلة خارجة عن المألوف او انها تسير في طريق الرذيلة… ويجب ألا ننسى محاولة تصوير المرأة المتمردة على إنها إنسانة معقدة وأصل عقدتها رجل هجرها أو تركها …أو أما الاضطهاد الآخر فيفرضه عليها ابنها ” حمو ” الذي يمنعها من الزواج ، بل من الافصاح عن مشاعرها ازاء من يسعى لطرق بابها  وينشر رسائله بكل زهو واعتزاز واعتداد …و العمة “ماماس” ونظرا لعمرها وتجربتها على غرار الجدات ، فقد كان من المفروض أن تظل امرأة حكيمة تقدم الحكم والأمثال ، وتروي القصص ، وتفيذ غيرها بما راكمته من خبرات ، وتظفر بتقدير واحترام الآخرين . بَيْدَ أن المَشاهدَ المتكررة بوّأتها دورا باهتا يتسم بالقساوة والغدروكثرة القيل والقال وفي ذلك اساءة للشيوخ عامة…أما “زوجة التاجر بلقاس ” فلا تختلف كثيرا عن نظيراتها ، ساذجة غير قادرة على فهم الحياة، لا تفهم ما هو الطموح ولا ترى المستقبل الا من خلال ما يريده الرجل ، غائبة عن الوجود مصدومة، مسمرة في منزلها، خاضعة مقهورة، تتحرك وفق إرادة الزوج ورغبته وتنصاع لأمره رغم حرمانها من أبسط الحقوق ، فهي تابع والرجل متبوع اعتقادا منها أنه هو من يجلب الخير والرزق والفرح وما عليها سوى اسعاده …وإذا ما تأملنا دور القاضية ، فهي الوحيدة التي شغلت منصبا مهما لتجد نفسها وجها لوجه أمام خندق ذكوري يؤثثه جبروت “أضاشي” وبخل “بلقاس” ومكر “بابا علي ” الذين حولوها الى انسانة مستلبة الفكر، مقيدة الوجدان، و بالتالي لا تملك إرادة الحركة و الانطلاق مستقلة، بل يوجد دوما من يملي عليها حركتها (الرجل)، أو ضغوطا معنوية  ـ تشكلها الضوابط و المفاهيم الراسخة في المجتمع ـ تحتل وعيها، و تحدد نمط شخصيتها …وهذا ما جعلها تعجزعن ايجاد حلول للمتقاضين الذين يرتادون محكمتها الموقرة ، فتضطر في النهاية للاستنجاد بشخص بسيط لا يعرف حتى كتابة اسمه ـ بابا علي ـ ليفتي عليها حيله ويخرجها من ورطتها أمام الملأ وليبرهن للجميع أن المرأة مهما بلغت من العلم ، ومهما شغلت من مناصب فلا مجال لمقارنتها بالرجل … 

فهل يا ترى نسي أو بالأحرى تناسى المشرفون على المسلسل مكانة ودور المرأة الأمازيغية التي تنسج الزرابي وتنتج المشغولات الخزفية وتزين العمارة، كما تعيش حالة اندماج وتوحد مع هذا التراث من خلال جسدها الذي تحولت إلى فضاء تزينه بالأوشام وبنقوش الحناء وتكسوه بالأزياء التقليدية وتتحلى بالحلي الفضية فتصبح هي نفسها أيقونة فنية…هل  جهلوا أنها امرأة تنتج وتعمل وتربي وتعلم وتساهم في جميع النشاطات الحيوية من حرث وزرع وخزف وزربية ونقش.. إنها عنصر حيوي يحب الحرية ويحب الإشراك في العمل دون أن يبقى على الهامش…والى كل من  يساهم – بوعي منهم أو بدون وعي – في حصار وتغييب جزء من ذاكرتنا التي تحتل فيها المرأة الأمازيغية مكانة مرموقة ومتميزة جدا،نقول : انه رغم خطابات التشويه والازدراء التي تتعالى ضدها خاصة في وسائل الاعلام فستظل كيانا انسانيا  ونصف المجتمع بمعنى الكلمة  . 

ذ : المحجوب سكراني 

التعاليق (0)

التعاليق مغلقة.