أكادير بين الانبعاث و”الانبعاث الجديد”

ghamaze كُتّاب وآراء

من المتعارف عليه في عالم التدبير الجماعي، أن الفاعل السياسي تستهويه مصطلحات من قبيل “الجديد” “الإنجاز” “غير مسبوق” “لأول مرة في تاريخ المدينة”…. وغيرها من المصطلحات. هذه المفردات أصبحنا نسمعها بكثرة في اجتماعات المجلس الجماعي لأكادير، الذي يرأسه السيد عزيز أخنوش.

لكن…أن ينتقل وسم “الانبعاث” الذي تُعرف به مدينة أكادير، ليُصاب هو الآخر بمرض المصطلحات السريالية، فيصبح “الانبعاث الجديد”، فهذا أمر غير مألوف لدى ساكنة أكادير التي لا تعرف مدينتها سوى بوسم “مدينة الانبعاث”.

لماذا لا ينبغي التلاعب بوسم المدينة “الانبعاث” لأغراض انتخابية؟

ببساطة واختصار شديد، سُميت مدينة أكادير ب”مدينة الانبعاث” بسبب نهوضها من تحت الأنقاض بعد زلزال مدمر وقع في 29 فبراير 1960. والانبعاث أصبح جزءً من ذاكرة وثقافة مدينة أكادير. فالمدينة عرفت دمارا شبه كامل، وبدأت مسار الانبعاث بعد المقولة الشهيرة لأب الأمة محمد الخامس طيب الله ثراه، التي قال فيها “لئن حكمت الأقدار بخراب أكادير، فإن بناءها موكول إلى إرادتنا وإيماننا”.

هذه المقولة ظلت في وجدان الأكاديريين مقرونة بوسم “الانبعاث”. ومع خطاب المغفور له محمد الخامس، انطلقت مسيرة الانبعاث، وبقيت مستمرة عبر العقود والسنوات، إلى وقتنا الراهن. تعاقبت الأجيال، وتعاقبت المجالس الجماعية، وتعاقبت السلطات الولائية، ومعهم جميعا، استمرت مسيرة الانبعاث والتشييد والبناء، إلى وقتنا الراهن، تيمنا بالمقولة الشهيرة لأب الأمة محمد الخامس.

لماذا من العيب قول أكادير انبعثت من جديد مع السيد أخنوش؟ وأن تاريخ أكادير بدأ مع هذا المجلس؟

الجواب لا يخرج عن نقطتين اثنتين لا ثالث لهما:

أولا: تاريخ أكادير أكبر من أن ينسب لشخص تحمل مسؤولية رئاسة مجلسه الجماعي كيفما كان قدره. أبناء أكادير، يعرفون جيدا مخلفات الزلزال، ويتذكرون زيارة أب الأمة محمد الخامس طيب الله ثراه، وعبارته الشهير محفورة في ذاكرتهم، كيفما هي محفورة في الحائط الإسمنتي، أمام مقر جماعة أكادير.

ومن عجائب الصدف، أن يتم توطين عبارة المغفور له محمد الخامس، مباشرة أمام بناية الجماعة، لتطل يوميا على هذه العبارة من النوافذ الزجاجية. وكأن التاريخ يعرف مكر الزمان، وأنه سيأتي يوم تعرف فيه المدينة مجلسا جماعيا، يتنكر لتاريخ المدينة، ويجعل انبعاث المدينة مرتبطا به، وكأن المدينة قبل 8 شتنبر كانت عبارة عن غبار وتراب.

ثانيا: كلما تم الحديث عن الانبعاث الجديد لمدينة أكادير، يتم ذكر المشروع الملكي برنامج تهيئة المدينة 2020/2024. لسنا محتاجين لحل معادلة من الأسبق 2020 أو شتنبر 2021، لنعرف أن هذا البرنامج بدأ سنة 2020، وأن المجلس برئاسة السيد أخنوش، لم يكن له أي وجود في هذا التاريخ.

لسنا في حاجة لإعادة حفظ جدول الضرب، لنعرف أن المجلس الحالي، لا علاقة له بالمشاريع التنموية التي تشهدها المدينة منذ أن تفضل جلالة الملك محمد السادس، بتشريف مدينتنا بزيارته الميمونة، والإشراف شخصيا، على توقيع برنامج التنمية الحضرية في 4 فبراير 2020.

ماذا كنا ننتظر من المجلس الجماعي بعيدا عن المشروع الملكي برنامج التنمية الحضرية:

كنا ننتظر من المجلس الحالي، بَذْل مجهود إضافي لتنمية موارد الجماعة، حتى تتمكن من الوفاء بالتزاماتها المالية للوفاء بنصيبها في التمويل. لكن مع كامل الأسف، لجأ المجلس الحالي إلى إغراق المدينة في القروض سواء بإصدار سندات الاكتتاب بقيمة مليار درهم، وكان آخرها قرض 545 مليون درهم من صندوق التجهيز الجماعي.

كنا ننتظر من المجلس الحالي، نوعا من الابداع في تدبير المشاريع الملكية. ويكفي في هذا الصدد أن نذكر المسابح الجماعية التي تم إنشاؤها في إطار المشروع الملكي، والتي عرفت انتفاضة المجتمع المدني ضد طريقة المجلس في تدبير هذه المسابح. هنا نتساءل كيف سنطمئن على تدبير باقي المشاريع الملكية من متاحف والمسرح الكبير وملاعب القرب والمكتبة الوسائطية وغيرها من المشاريع؟

كنا ننتظر من المجلس الجماعي، الاستمرار في ما قامت به المجالس السابقة لتطوير البنيات التحتية لأحياء سفوح الجبال. وها هو “الانبعاث الجديد” يبشرنا بانتقائية لم نكن نعرفها في مدينة الانبعاث (دون زيادة أو نقصان). فعوض الاهتمام بكل الأحياء الناقصة التجهيز، يُخصص مجلس “الانبعاث الجديد” 450 مليون سنتم لتحسين المظهر الخارجي لحوالي 50 منزلا في حي أيت تاووكت. والهدف هو أن يرى زوار الملعب “الزواق الخارجي”، أما ساكنة هذه الأحياء فما عليها سوى أن تقول “الله اخلف على الانبعاث الجديد” و”الله ارحم الانبعاث الحقيقي” الذي كبُر عليه أبناء أكادير.

كنا ننتظر من المجلس الحالي، إيجاد الحل المناسب لمطرح النفايات، وإعفاء ساكنة مدينة الانبعاث من تلك الرائحة التي تعم أرجاء المدينة. فهل سيخصص “مجلس الانبعاث الجديد”، ميزانية كبيرة لرش هواء المدينة بماء الزهر خلال كأس إفريقيا، تيمنا بتحسين المظهر الخارجي ل50 منزلا بحي أيت تاووكت. فكما للعين حق في رؤية الجمال، للأنف نفس الحق في تنفس رائحة الجمال.

كنا ننتظر من المجلس الحالي، الاهتمام بأطفال الشوارع التي استفحلت بشكل فظيع في مدينة “الانبعاث الجديد”، وبمعضلة الكلاب الضالة. لكن المجلس عمل بالمقولة الفرنسية Silence Radio.

كنا ننتظر من المجلس الحالي، الإسراع في تشغيل المستشفى الجامعي. مدينة الانبعاث في حاجة ماسة لهذا الصرح الصحي لإنقاذ صحة المدينة. رئيس المجلس الجماعي هو في ذات الوقت رئيس الحكومة. فكل الشروط متوفرة لتسريع تشغيل المستشفى. لم نر أي أثر بعد لهذا المستشفى، لكن وصلتنا أخبار “الانبعاث الجديد”.

وأخيرا كنا ننتظر أن يضع المجلس الحالي، تسييره في مسار الانبعاث الذي تعاقبت عليه الكثير من المجالس الجماعية. فالمجلس الحالي وجد من سبقوه، انتشلوا سينما الصحراء من فم لوبيات العقار، وحافظوا عليها. وها هو مجلس السيد أخنوش ينظم فيها لقاءاته الحزبية والثقافية، في جحود غير مفهوم لمنجزات مدينة الانبعاث. وها هو المجلس الحالي، يستعد للقيام بنفس الإنجاز بخصوص سينما السلام. هذه السينما، لو لم يترافع عليها المجتمع المدني، ولو لم تحافظ عليها المجالس السابقة، لما وجد مجلس السيد أخنوش، شيئا اسمه تأهيل محيط سينما السلام.

ختاما، أبعدوا مدينة أكادير عن “الانبعاث الجديد”، واتركوا لنا مدينة الانبعاث دون زيادة ولا نقصان. مدينة تابعنا تطورها منذ المقولة الشهيرة لأب الأمة محمد الخامس طيب الله ثراه، ونريد هذه الروح أن تبقى سائدة في أي تدبير جماعي للمدينة، كما كان الحال عليه في جميع المجالس السابقة التي تعاقبت على تدبير المدينة منذ أول انتخابات.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً