سنقتفي في هذه المقالة خطى الفيلسوف الألماني الساخر شوبنهاور وهو يقول : ″ أضحك استباقا من هذا العالم قبل أن أضطر إلى البكاء عليه ″
لنضحك كثيرا ونحن نعود إلى الوراء، ولننبش قليلا في الذاكرة الجميلة وبالتحديد سنوات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ونحن على كراسي الدراسة نستمتع بتلاوة نص ″ أكلة البطاطس ″ للمرحوم احمد بوكماخ الذي طبعنا جميعا بسلسلة ″ اقرأ″ الشيقة والممتعة.
لنبدأ إذا في هذا الاستذكار اللذيذ :
″طبخت الأم البطاطس وقالت لولدها: كل البطاطس، قال الولد: أنا لا آكل البطاطس، قالت الأم للعصا: اضربي الولد، قالت العصا: أنا لا أضرب الولد، قالت الأم للنار: احرقي العصا، قالت النار: أنا لا أحرق العصا، قالت الأم للماء: أطفئ النار، قال الماء: أنا لا أطفئ النار، قالت الأم للبقرة :
اشربي الماء، قالت البقرة: أنالا أشرب الماء، قالت الأم للسكين: اذبح البقرة، قال السكين: أنالا أذبح البقرة، قالت الأم للحداد: اكسر السكين، قال الحداد: أنا لا أكسر السكين، قالت الأم للحبل: اشنق الحداد، قال الحبل : أنا لا أشنق الحداد، قالت الأم للفأر: اقرض الحبل، قال الفأر: أنا لا أقرض الحبل، قالت الأم للقط :
كل الفأر، قال القط: أنا آكل الفأر، قال الفأر: أنا أقرض الحبل، قال الحبل: أنا أشنق الحداد، قال الحداد: أنا أكسر السكين، قال السكين: أنا أذبح البقرة، قالت البقرة: أنا أشرب الماء، قال الماء: أنا أطفئ النار، قالت النار: أنا أحرق العصا، قالت العصا: أنا أضرب الولد، قال الولد:أنا آكل البطاطس، وأكلها.″
قد يبدو هذا النص للوهلة الأولى ساذجا بل وتافها، لكن المرحوم احمد بوكماخ كان يؤسس دون أن يدري، وهذا شان المبدعين دائما، لما يسمى في علم البرمجيات بla programmation procédurale لكن بطريقة ديداكتيكية بسيطة لترسيخ هذا النمط من التفكير التجريدي في عقل تلميذ التحضيري آنذاك.
سيزداد اندهاشنا و تكبر شماتتنا في نفس الآن إذا علمنا أن محركات البحث الضخمة ككوكل وشبكات التواصل الاجتماعي كفايسبوك والتي تسيطر على العالم الرقمي حاليا إنما تشتغل أساسا على هذا النوع من التفكير الذي ضاع في متاهات نظامنا التربوي المهترئ بفعل السياسات الناجحة في إفشال التعليم والتي لم يبق في جعبتها سوى اختلاق الأزمات لإدارتها أمام الرأي العام بطريقة الدون كيشوت النبيلة جدا ! الحملة الوطنية ضد ″الغش″ في امتحانات الباكالوريا نموذجا ! ولا داعي للتذكير بمن غش أبناء المغاربة منذ عقود لان ذاكرة التاريخ لاتنسى.
سيصيبنا الرهاب المرضي اوالوسواس القهري إذا علمنا أن الشركات العابرة للقارات المذكورة آنفا تمتلك قاعدة هائلة من المعطيات الدقيقة عنا وعن أسرارنا بفضل، ودائما، هذا النمط من التفكير الذي تجسده أكلة البطاطس التي نسخر منها جميعا !
مثلا : ما هو طعامنا المفضل ؟ ما هي ألواننا وألبستنا المفضلة ؟ ماذا نشتغل؟ أين نسافر؟ كيف نفكر؟ كم ساعة ننام في اليوم؟…كم مرة نضاجع زوجاتنا في الأسبوع؟ في الشهر؟…لا داعي للمزيد، ″ ستر ما ستر الله ″ كما في المثل الدارج. باختصار كل عوراتنا يمتلكها هؤلاء، بل ويتاجرون بها، وفيها !
سيأتي يوم، قريبا جدا، تصبح فيه الخصوصية عملة نادرة والحفاظ عليها باهض جدا. آنذاك سنعلم علم اليقين أننا عبيد بأغلال رقمية تدرب على صناعتها هؤلاء في حين ندرب نحن وأبناؤنا على الطرائق الذكية لوضعها حول أعناقنا.
السؤال هو أين تعلم هؤلاء؟
لا داعي للإجابة.
رحم الله احمد بوكماخ في هذا الشهر الكريم واسكنه فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون على نظامنا التربوي !
محمد ازرور
التعاليق (0)
التعاليق مغلقة.