ينتظر المغاربة، وبالأخص فئة الشباب، مضامين مشروع قانون المالية لسنة 2026 بكثير من الترقب، وذلك في سياق وطني استثنائي تتقاطع فيه الاحتجاجات الشبابية المطالبة بإصلاحات اجتماعية واقتصادية عميقة مع العد العكسي لنهاية الولاية الحكومية الحالية.
وينظر إلى هذا المشروع على نطاق واسع باعتباره محطة حاسمة قد تحدد ملامح علاقة الثقة بين الدولة والشباب، في ظل تصاعد المطالب بتحسين الخدمات العمومية في التعليم والصحة، وخلق فرص شغل حقيقية ومستدامة.
محطة سياسية واجتماعية حاسمة
تكتسي الاحتجاجات التي عبرت عنها حركة “جيل Z” مؤخرا أهمية خاصة، ذلك أنها تتزامن مع نهاية الولاية التشريعية، مما يجعل مشروع قانون المالية 2026 بمثابة الفرصة الأخيرة للحكومة لترجمة التزاماتها الاجتماعية على أرض الواقع والاستجابة للمطالب المعبر عنها.
ويرى متتبعون أن السياق الاقتصادي والاجتماعي الدقيق يفرض تفاعلا ملموسا من طرف الحكومة، وذلك من خلال رفع نجاعة الإنفاق العمومي وتحسين إدارة الموارد المالية، بما يضمن أثرا مباشرا على معيش المواطنين، خصوصا الشباب.
ومن المنتظر أن يترأس الملك محمد السادس، في غضون الأيام القليلة المقبلة، مجلسا وزاريا للمصادقة على التوجهات العامة لمشروع قانون المالية برسم السنة المالية 2026، تمهيدا لوضعه في البرلمان قبل الـ 20 من أكتوبر الجاري لبداية مسار المناقشة والتعديلات، وفق ما تنص عليه مقتضيات القانون التنظيمي للمالية.
التشغيل.. أولوية قصوى
يبرز ملف التشغيل في صدارة أولويات المرحلة، خاصة بعد رصد 14 مليار درهم في قانون المالية لسنة 2025 لتنفيذ “الخطة الحكومية للنهوض بالتشغيل”.
وتشير المذكرة التأطيرية للمشروع المالي الجديد إلى استمرار العمل على تسريع تنزيل خارطة طريق التشغيل، وسط دعوات خبراء الاقتصاد إلى الانتقال من برامج الدعم المؤقتة إلى آليات إدماج مهني منتج يركز على تحفيز المقاولات والاستثمار المحلي.
وتتضمن بعض الإجراءات المرتقبة تحفيزات ضريبية وجبائية للمقاولات التي تخلق مناصب شغل قارة، وتعزيز تمويل ريادة الأعمال عبر صناديق استثمارية خاصة، إلى جانب توسيع برامج التكوين المزدوج بين الجامعات والمقاولات، خصوصا في القطاعات الواعدة كالاقتصاد الأخضر، التحول الرقمي، والصناعات الثقافية والإبداعية.
التعليم والصحة.. رهان على جودة الإنفاق
على الرغم من أن قطاعي التعليم والصحة استحوذا في قانون المالية لسنة 2025 على الحصة الأكبر من ميزانية القطاعات الاجتماعية، إلا أن التحدي الحقيقي لا يكمن في حجم الاعتمادات المالية بقدر ما يتمثل في ضمان جودة الإنفاق وفعالية التنفيذ.
وفي هذا السياق، بلغت ميزانية قطاع التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة 85,6 مليار درهم، مقابل 32 مليار درهم خصصت لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، أي ما مجموعه حوالي 120 مليار درهم للقطاعين معا، غير أن الاحتجاجات الأخيرة عبرت بوضوح عن أن حجم الميزانية لا يكفي ما لم تترجم هذه الأرقام إلى تحسين فعلي لجودة التعليم والصحة وتقليص الهدر المدرسي وضمان تكافؤ الفرص.
بين الوعود والانتظارات
في خضم هذه المعطيات، يحمل مشروع قانون المالية لسنة 2026 على عاتقه رهانات ثقيلة، إذ يتعين على الحكومة تقديم إجابات سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة على أسئلة جيل يشعر بتراجع الثقة في المؤسسات، وينتظر مؤشرات فعلية على التغيير.
ويرى محللون أن النجاح في هذا الرهان يتطلب ربط الميزانية بمؤشرات قابلة للقياس وذات أثر ملموس على الحياة اليومية للمواطنين، بما يعيد بناء جسور الثقة بين الدولة ومواطنيها، ويبرهن على أن السياسات العمومية قادرة على الاستجابة للانتظارات الملحة، لا سيما في مجالات التشغيل والتعليم والصحة.
اترك تعليقاً