بقلم : أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
ليس جديدًا على المتابعين لمسار العلاقات المغربية-الجزائرية أن يلاحظوا عودة الخطاب العدائي كلما حقق المغرب نجاحًا سياسيًا أو دبلوماسيًا أو رياضيًا. فمنذ مطلع ستينيات القرن الماضي، جعل النظام الجزائري من معاداة المغرب خيارًا ثابتًا في عقيدته السياسية، مستثمرًا أموال الشعب الجزائري وطاقاته في معارك جانبية وصراعات مفتعلة، بدل توجيهها إلى التنمية الداخلية وبناء مستقبل يليق بتطلعات الجزائريين.
واليوم، ومع اقتراب تنظيم المملكة المغربية لكأس إفريقيا للأمم، يعود هذا السلوك إلى الواجهة بشكل تصعيدي لافت، من خلال حملات إعلامية ممنهجة ومواقف سياسية متشنجة، تكشف مرة أخرى حجم التوتر والامتعاض الذي يعيشه النظام الجزائري كلما برز المغرب كقوة إقليمية مستقرة، وكنموذج ناجح في محيطه الإفريقي.
إن تنظيم المغرب لكأس إفريقيا للأمم لا يمثل مجرد حدث رياضي عابر، بل يعكس مسارًا طويلًا من العمل المؤسساتي، والاستثمار في البنية التحتية، وتعزيز الثقة الدولية والإفريقية في قدرة المملكة على احتضان تظاهرات كبرى بمعايير عالمية. وهي ثقة لم تأت من فراغ، بل تُرجمت سابقًا في ملفات تنظيمية ناجحة، وفي شراكات استراتيجية متنامية مع دول القارة.
هذا النجاح المغربي، الذي كان من المفترض أن يُستقبل بروح التنافس الإيجابي والاعتزاز المغاربي، قوبل للأسف بخطاب عدائي تغذيه مشاعر الحسد والإنكار، في تناقض صارخ مع القيم الرياضية والإنسانية التي يفترض أن توحد الشعوب. وبدل اعتبار الحدث القاري فرصة لتقارب مغاربي أو لتعزيز الحضور الإفريقي المشترك، يصر النظام الجزائري على توظيفه في سياق صراع سياسي ضيق الأفق.
ولا يمكن فصل هذا التصعيد عن السياق الداخلي الذي تعيشه الجزائر، حيث تتراكم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ويتراجع منسوب الثقة بين السلطة والمجتمع، في ظل انسداد سياسي واضح. وفي مثل هذه الأوضاع، يلجأ النظام إلى تصدير أزماته نحو الخارج، واتخاذ المغرب هدفًا دائمًا لصرف الأنظار عن الإخفاقات الداخلية، وتوحيد الخطاب الرسمي حول “عدو خارجي” مفترض.
لقد أثبتت التجربة، على امتداد عقود، أن استهداف المغرب، سواء عبر دعم أطروحات تقسيمية أو عبر حملات التشويش الإعلامي والدبلوماسي، لم يحقق للنظام الجزائري سوى مزيد من العزلة الإقليمية والدولية. في المقابل، واصل المغرب ترسيخ موقعه كشريك موثوق، يعتمد الحوار، ويحترم الشرعية الدولية، ويقدم مبادرات واقعية لحل النزاعات، ما أكسبه دعمًا متزايدًا داخل القارة الإفريقية وخارجها.
وفي الوقت الذي ينشغل فيه البعض بخطابات التصعيد والكراهية، يختار المغرب المضي قدمًا بثقة وهدوء، مستندًا إلى رؤية استراتيجية واضحة، وإجماع وطني صلب، وإرادة سياسية تجعل من التنمية والاستقرار أولوية قصوى. وهو ما يجعل كل محاولات التشويش بلا أثر حقيقي، لأن قوة الإنجاز على الأرض تبقى أقوى من أي حملات عدائية عابرة.
إن ما تكشفه هذه المرحلة هو حقيقة باتت واضحة: نجاح المغرب، سواء في السياسة أو الاقتصاد أو الرياضة، يربك خصومه، واستقراره يفضح هشاشة خطابهم. وبينما يواصل المغرب البناء وتعزيز حضوره القاري من بوابة الرياضة والتنمية، يثبت مرة أخرى أن الرهان على العمل الجاد والنجاح الملموس هو الطريق الأجدى لخدمة الشعوب وصناعة مستقبل أفضل للمنطقة.


التعاليق (0)