من السمارة العلم إلى السمارة الألم: طفولة تزرع الحياة وأخرى تُزرع فيها الكراهية

أخبار وطنية

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

في الوقت الذي تنبض فيه مدينة السمارة المغربية بالحياة والعلم والطموح، تقف على الجانب الآخر من الحدود، في مخيم يُسمّى “السمارة” بمخيمات تندوف فوق التراب الجزائري، طفولة أخرى تعيش واقعًا من الحرمان والاستغلال. مفارقة مؤلمة تختزل التباين الصارخ بين بيئة تُنبت الأمل وأخرى تُكرّس البؤس والضياع.

  • السمارة المغربية: مدينة في قلب الصحراء تصنع الأمل بالعلم

في الجنوب المغربي، تقع مدينة السمارة، إحدى حواضر الأقاليم الجنوبية المغربية ، التي باتت نموذجًا لمدينة تجمع بين الأصالة والتنمية. فهي تتوفر على المدارس والمعاهد والبنيات التحتية والخدمات الاجتماعية، مما يجعلها فضاءً يحتضن الطموح ويشجع أبناءها على الإبداع.
ومن بين قصص النجاح التي خرجت من هذه المدينة أخيرا، قصة تلميذة مغربية تبلغ من العمر 15 سنة استطاعت أن تحقق إنجازًا علميًا عالميًا غير مسبوق، بمشاركتها في تجربة زرع بذور العدس على سطح القمر، تحت إشراف وكالة الفضاء الأمريكية ناسا.
هذا النجاح لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة دعم أسري ومؤسساتي وتعليمي متكامل. فمدرستها احتضنت حلمها، وأساتذتها شجعوها، وأسرتها آمنت بقدرتها على بلوغ المستحيل. وهكذا، تحوّل شغف طفلة من مدينة في عمق الصحراء المغربية إلى قصة تلهم العالم وتؤكد أن العلم هو السلاح الحقيقي لبناء المستقبل.

  • مخيم السمارة بتندوف: حين يُسلب الحلم وتُزرع الكراهية

وعلى بعد مئات الكيلومترات شرقًا، في مخيم يُعرف باسم “السمارة” ضمن مخيمات تندوف فوق التراب الجزائري، يعيش أطفال محتجزون في ظروف قاسية تفتقر لأبسط مقومات الحياة. هناك، لا توجد مدارس بمعناها الحقيقي، بل فضاءات مغلقة تُستخدم لنشر أفكار مؤدلجة وتلقين الأطفال خطابات عدائية.
تقارير منظمات حقوقية دولية كشفت عن تجنيد الأطفال قسرًا في صفوف جماعات مسلحة، وتعرضهم لعمليات استغلال نفسي وجسدي خطيرة. هؤلاء الصغار الذين كان من المفترض أن يتعلموا القراءة والكتابة، يجدون أنفسهم يُلقّنون شعارات الحرب، ويُدرّبون على حمل السلاح بدل حمل القلم.
في مخيم السمارة بتندوف، تختفي براءة الطفولة خلف خيام العزلة، ويغيب الأمل في ظل غياب التعليم، والصحة، والحرية. بيئة تصنع الكراهية بدل الأمل، وتزرع في الأطفال بذور العنف بدل الحلم.

  • مدينة تُنبت الأمل ومخيم يزرع الألم

بين السمارة المغرب ومخيم السمارة بتندوف، تتجسد مفارقة إنسانية صارخة: الأولى مدينة حقيقية تنتمي للمغرب، تنبض بالحياة وتنتج المعرفة، والثانية مخيم معزول فوق التراب الجزائري يُستغل فيه البشر سياسيًا.
طفلة السمارة المغربية زرعت العدس على سطح القمر، فيما طفلة مخيم السمارة تُجبر على البقاء تحت خيمة الحرمان. الأولى تتغذى من بيئة تؤمن بالعلم كوسيلة للتحرر، والثانية تُحرم من أبسط حقوقها في التعلم والكرامة.

  • رسالة تتجاوز الحدود

إن قصة تلميذة السمارة المغربية ليست مجرد إنجاز علمي، بل رسالة إنسانية تُجسّد قدرة المغرب على تحويل الصحراء إلى فضاء للإبداع والعلم والمعرفة. في المقابل، يذكّر واقع أطفال تندوف العالم بمسؤولياته الأخلاقية والإنسانية تجاه الطفولة التي تُستغل وتُختطف باسم الصراع السياسي.

  • خاتمة

ما بين العدس المزروع على سطح القمر، وبذور الكراهية المزروعة في رمال تندوف، يتحدد مصير الأجيال القادمة. فحين تُمنح الطفولة فرصة للنمو والتعليم، تُثمر إنجازات تضيء المستقبل. أما حين تُقيّد خلف الخيام وتُستغل في صراعات الكبار، فلا تُثمر سوى المآسي.
وبين السمارة العلم المغربية والسمارة الألم بتندوف، يبقى الفرق واضحًا: الأولى تزرع الحياة، والثانية تُزرع فيها المعاناة.