لعل النقاش الدائر حاليا حول مشروع تعديل مدونة الاسرة ان يكون شيئًا صحيا بل و مطلوبًا في مثل هذه الظروف، التي يحاول فيها البعض المساس بثوابت الامة المغربية.
لكن المؤسف ان هذه النقاشات لا تغير كثيرا في الواقع المرير الذي تعاني منه الاسرة المغربية. ان معظم ما يتجادل حوله القوم هو ما يتعلق بإجراءات فك الارتباط و الأمور المتعلقة بالطلاق وما يترتب عليه من الحضانة و النفقة و غيرها. كما أنهم جعلوا من أمور مسلمات في الدين مواضيع قابلة للنقاش كأنصبة الإرث و مساواة الرجل و المرأة فيها و مسألة إلحاق ابن الزنا بالزاني و مسألة إثبات النسب.
و من الجميل أن نرى آحاد الدعاة من الغيورين على هذا الدين قد انبروا للمنافحة عن الثوابت و إحياء سنة الدفع. ولكن ما يخيف في القضية ان يعمد اعداء الاسرة المغربية الى جر النقاش الى قضايا لا تقبل المساومة من اجل صرف النظر عن المشاكل الحقيقية التي تهدد الاسرة المغربية، و التي من أجلها أمر أمير المؤمنين ابتداء بمراجعة مدونة 2004، و التي لم تستطع اصلاح الوضع بعد عشرين سنة من صدورها.
و المؤسف حقا في هذا الخضم ان نرى الحركة الاسلامية خارج الصراع الحقيقي، بحيث انها لا تملك مشروعًا واضحا للحل وإنما تستفز الى ردود الأفعال الانفعالية التي لا تسمن ولا تغني من جوع. و لعل ذلك ما يريده اعداء الأسرة المغربية من هذا الاستفزاز.
ان ردود الأفعال العاطفية من قبيل تهديد السيد بن كيران بتسيير مظاهرة مليونية لا تغير من الواقع المرير شيئًا. لقد انجر القوم الى مخاصمة الخصوم في مسألة زواج من هن دون الثامنة عشرة وهو امر لا بأس به، لكن الناظر الى الارقام يرى عجبا. فعدد طلبات زواج من يسمونهم بالقاصرات لم يتجاوز الثلاثة عشر ألف حالة سنة 2022.
و هو رقم مهمل إذا ما قورن بعدد العانسات في البلاد، و الذي تجاوز %40 في نفس السنة. أما تعدد الزوجات فقد بلغ حوالي العشرين ألف حالة في اخر خمس سنين وهي أرقام لا تقارن بالأعداد الهائلة لحالات الطلاق و التي بلغت مائة ألف حالة السنة الماضية. وفيما يتعلق بإلحاق ابن الزنا بأبيه، فرغم أنه لا يجوز شرعا الا انه ايضا لن يحل المشكل، لان اطفال المطلقين غالبا ما يعيشون وضعا بائسا و سينالهم نفس مصير اللقطاء من سوء التربية، بل و ان الشيطان لافرح بالطلاق من فرحه بالزنى، كما ورد في الحديث النبوي الشريف، لانه يعلم جيدا ان ابناء المطلقين يشكلون خزانه الاستراتيجي للسنوات المقبلة، ما سيحمل المجتمع عبئا إضافيا لا قبل له به.
ان المدونة بصيغتها الجديدة لن تحل المشكلة الاساسية، بل يريد اعداء الاسرة المغربية من خلالها ذر الرماد على العيون و زيادة مشاكل اخرى تتعلق بالنفقة والإرث مما سيزيد من تمزق النسيج الاجتماعي لا سمح الله .إن افتقار الحركة الاسلامية لمشاريع حقيقية للاصلاح يجعلهم فريسة لردات الفعل بدل ان يكونوا اصحاب المبادرة.
ان القوم لا يملكون أي مراكز للدراسات حتى ينطلقوا على بصيرة و استنادًا للارقام و الاحصائيات و ليست لديهم أية استراتيجية واضحة المعالم. بل ان كل تحركاتهم إنما هي لآحاد الدعاة، و غالبا ما تكون ردة فعل لتحركات الخصوم. فلو انشغل الاخوة بهم تيسير الزواج و تشجيعه، لاغلقوا بابا كبيرا للفساد، و لاخرصوا دعاة التحلل و الاباحية.
و لو انهم عملوا بعلم على اصلاح ذات البين بين الزوجين لوفق الله بينهما. فنحن لا نرى و لا نسمع عن أي مؤسسات متخصصة في هذا الباب ممن توظف الخبراء و المصلحين الاجتماعيين و الدعاة لرأب الصدع داخل الأسر و تكوين الازواج للخير من اجل تقليل نسب الطلاق و لا عن مؤسسات همها تشجيع الشباب على الزواج عن طريق تكوينات و منح و تحفيزات، و عن طريق عمل منظم ومؤسسي نابع من استراتيجية طويلة الأمد. حينما يكون العمل عميقا، يكون الرد الموسمي حسب الحاجة لكنه لن يؤثر بحال من الأحوال على مسار العمل المنهجي و الذي ستظهر آثاره مع مرور الزمن. وعندما تصلح الأسر و يتقوى النسيج الاجتماعي فإن المغاربة سيلفظون أعداء الأسرة المغربية كما يلفظ البدن أي جسم دخيل عليه.
التعاليق (0)