في السادس والعشرين من شتنبر 2025، شهدت مدينة كلميم اعتقال الشاب محمد بزيغ من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، على خلفية اتهامات تتعلق بـ”التحريض على التجمهر والاحتجاج غير المرخص”. وبعد نقله إلى الدار البيضاء، صدر في حقه يوم 15 اكتوبر 2025 حكم بالسجن خمس سنوات نافذة وغرامة مالية قدرها 50.000 درهم، وهو حكم اعتبره كثيرون قاسياً وغير متناسب مع طبيعة الأفعال المنسوبة إليه.
الشاب محمد بزيغ من مواليد ء27 فبراير 2003 بمدينة كلميم وينحدر من دوار الدفيلية جماعة إمي فاست، إحدى مكونات قبائل آيت باعمران التي اشتهرت تاريخياً بروحها الوطنية العالية ومواقفها الصلبة ضد الاستعمار، حين خاض أبناؤها معارك شرسة دفاعاً عن الوطن. كما لم تتأخر أجيالها اللاحقة في خوض نضالات اجتماعية سلمية، كما حدث في احتجاجات سيدي إفني سنة 2008 للمطالبة بالتنمية والعدالة الاجتماعية.
لكن المفارقة اليوم أن أحد أبناء هذه القبائل التاريخية يجد نفسه ضحية حكم قضائي قاسٍ، في زمن يُفترض أنه زمن دولة الحق والقانون، مما يطرح تساؤلات حقيقية حول مدى وفاء مؤسساتنا لروح الدستور المغربي لسنة 2011، الذي جعل من الحرية والكرامة والعدالة ركائز أساسية للنظام الديمقراطي.
ففي الفصل السادس من الدستور، نقرأ أن “القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، والجميع، أشخاصاً ومعنويات، متساوون أمامه.”
وفي الفصل 29، يؤكد الدستور أن “للمواطنين والمواطنات حق الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات والانتماء النقابي والسياسي، ولا يمكن تقييد هذه الحقوق إلا بنص قانوني صريح.”
انطلاقاً من هذه المبادئ، نتساءل كحقوقيون ومهتمون:
كيف يُدان شاب عبّر عن رأيه ومطالبه الاجتماعية السلمية بأقصى العقوبات بناءا على تهم تافهة لا يؤصلها الدستور ولا قانون المسطرة الجنائية، بينما تُترك ملفات الفساد المالي والسياسي دون مساءلة؟
أليس من واجب الدولة أن تُصغي إلى جيل محمد بزيغ، جيل الوعي الرقمي والذكاء الاصطناعي، بدل أن تُعاقبه على جرأته في التعبير؟
محمد بزيغ شاب مثقف حاصل على الإجازة في الذكاء الاصطناعي، لم يرفع سوى صوته من أجل إصلاح التعليم والصحة، وهما قطاعان يعرف الجميع عمق أزمتهما. لكنه وجد نفسه أمام قضاء يُنزّل العقوبة القصوى، في حين يتقاعس عن مواجهة الفساد المستشري في ملفات ثقيلة مثل المحروقات وصندوق التقاعد، البرنامج الاستعجالي وغيرها من الملفات التي ازكمت الأنوف ووصلت إلى البرلمان.
وفي خضم هذا المسار، يبرز سؤال مؤلم لا يمكن تجاوزه:
أين قبائل آيت باعمران، نخبها، متقفيها، محاميها، اعيانها من قضية ابنها البار محمد بزيغ؟
أين روح التضامن التي صنعت تاريخ هذه المنطقة حين واجهت الاستعمار بشجاعة وكرامة؟
لقد كانت آيت باعمران، عبر أجيالها، رمزاً للتآزر والوفاء، لكن اليوم ومع اقتراب جلسة الاستئناف يوم الإثنين 10 نونبر 2025 بالدار البيضاء، يبدو أن هذا التعاضد التاريخي قد خفت صوته، إذ لم يُسجَّل أي محامٍ من أبناء القبيلة إنابته للدفاع عن أحد أبنائها الذين يواجهون حكماً قد يغيّر مجرى حياته ومستقبله ناهيك عن معاناة عائلة الساب المعتقل التي انتقلت الى الدار البيضاء لمتابعة ملف ابنها.
اين نحن من تضامن وتآزر وتعاضد القبائل الصحراوية فيما بينها دفاعا عن ابنائها؟
في المقابل، تحرك محامون وحقوقيون من خارج المنطقة طوعاً، دفاعاً عن الحق والمبدأ، لا عن القرابة أو الانتماء. وهو مشهد مؤثر يكشف أن الضمير الحي لا تحدّه الجغرافيا ولا تصنعه القرابة، وأن من يدافع عن العدالة لا يحتاج بطاقة قبلية، بل إيماناً بقيمة الحق في مواجهة التغول والظلم.
فالقضية لم تعد قضية شاب واحد، بل أصبحت قضية الدفاع عن المبدأ الدستوري ذاته الذي يضمن حرية الرأي والاحتجاج، ويؤكد على أن العدالة يجب أن تكون مستقلة ومنصفة.
كما تقول الحكمة القديمة:
“إذا دخلت السياسة إلى المحكمة، خرجت العدالة من النافذة.”
وما أحوجنا اليوم إلى عدالة تبقى داخل القاعة، لا تغادرها مع أول نسمة من الريح السياسية.
إن الوطن في حاجة إلى تكريس الديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية، لا إلى شحن المواطنين وإخراجهم كـ“قطيع” كلما لزم الأمر للتغطية على أزمة سياسية واقتصادية خانقة سببها استفحال الفساد وغياب المحاسبة.
فبناء دولة قوية لا يكون بتكميم الأفواه، بل بإطلاق طاقات العقول الحرة وإعلاء صوت العدالة على صوت الخوف، لأن العدل أساس الملك، والظلم خراب العمران.
إن مكان الشاب محمد بزيغ ليس وراء القضبان، بل بين أحضان أسرته وداخل مجتمعه، ليُفجّر طاقاته ويُسهم بعلمه وكفاءته في نهضة وطنه.
أيها العقلاء، أيها الحكماء، أفيقوا من سبات الغطرسة والاستبداد، فالأوطان لا تُبنى بالقمع والخوف، بل بالعقل والحوار والعدل.
عمر بنعليات
باريس 8 نونبر 2025


التعاليق (0)