مؤتمر الرباط يؤسس لرؤية إفريقية جديدة تُنصف ضحايا الإرهاب

أخبار وطنية

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

احتضنت العاصمة المغربية يومي الثلاثاء والأربعاء أشغال مؤتمر الضحايا الأفارقة للإرهاب، الذي يعد الأول من نوعه قارياً، بمبادرة مشتركة بين المملكة المغربية ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب. وشهد المؤتمر مشاركة وزراء ومسؤولين حكوميين من دول أفريقية، إضافة إلى خبراء دوليين وجمعيات ضحايا وناجين، في خطوة اعتُبرت تحولاً نوعيًا في طريقة مقاربة القارة لآفة الإرهاب.
وقد توّج المؤتمر باعتماد “إعلان الرباط”، وهو وثيقة سياسية ومؤسساتية جديدة تضع ضحايا الإرهاب في مركز الاستراتيجيات الوطنية والإقليمية، وتدعو إلى تعزيز الأطر القانونية والدعم متعدد الأبعاد لهم.

  • الضحايا في صلب السياسات الإفريقية

أكد “إعلان الرباط” على ضرورة تبني مقاربة شمولية وإنسانية ترتكز على حقوق الضحايا وكرامتهم ومشاركتهم الفاعلة في وضع وتنفيذ سياسات مكافحة الإرهاب. ودعا الإعلان الدول الأفريقية إلى:
-تعزيز ترسانتها القانونية بما يواكب أفضل الممارسات الدولية؛
-ضمان حصول الضحايا على الحقيقة والعدالة وجبر الضرر؛
-إرساء آليات دعم تشمل المساعدة الطبية والنفسية والاقتصادية؛
-إيلاء اهتمام خاص للنساء والأطفال والفئات الهشة.
كما شدد الإعلان على أهمية الحماية القانونية للضحايا وضمان مشاركتهم في صياغة الاستراتيجيات الوقائية من التطرف العنيف.

  • منصة رقمية إفريقية لدعم الضحايا

من أبرز مخرجات المؤتمر الإعلان عن إطلاق منصة إلكترونية إفريقية للممارسات الفضلى في دعم ضحايا الإرهاب. وستكون هذه المنصة فضاءً لتبادل الخبرات والتجارب بين الدول والجمعيات، وأداة لتوثيق الذاكرة الجماعية للضحايا، ومصدرًا للمعرفة في بناء سياسات عمومية مرتكزة على الأدلة.
وتعد هذه المبادرة الأولى من نوعها في القارة، وستساهم في تعزيز التنسيق القاري واستدامة النقاش حول حقوق الضحايا.

  • إرهاب يزداد تمددًا وكلفة بشرية ثقيلة

خلال الجلسة الافتتاحية، أكد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أن الإرهاب في أفريقيا لم يعد مجرد تهديد أمني، بل أصبح مأساة جماعية تمس الأرواح والذاكرة والاستقرار. وأشار إلى أن:
-غرب أفريقيا شهد عام 2025 أكثر من 450 هجومًا إرهابيًا تسببت في أزيد من 1900 قتيل؛
-منطقة الساحل أصبحت البؤرة الأكثر تضررًا من حيث عدد الهجمات واتساع رقعة انعدام الأمن؛
-الأنشطة الإرهابية أدت إلى نزوح أكثر من 4 ملايين شخص في مختلف مناطق القارة.
ودعا بوريطة إلى صياغة رؤية إفريقية مشتركة تجعل من الضحايا فاعلين في مكافحة التطرف العنيف، وليسوا مجرد متضررين يحتاجون الدعم فقط.

  • الرؤية المغربية: أمن وتنمية وإصلاح ديني

عرضت المملكة المغربية مقاربتها المتكاملة في مكافحة الإرهاب، والتي تقوم على ثلاثة محاور رئيسية:

  1. المقاربة الأمنية: عبر تفكيك الخلايا وتجفيف منابع التمويل؛
  2. المقاربة التنموية: بمعالجة مسببات الهشاشة والفقر؛
  3. المقاربة الدينية والفكرية: من خلال إصلاح الحقل الديني وتكوين الأئمة ونشر قيم الاعتدال.
    وأكد المغرب استعداده لتقاسم تجربته مع الدول الأفريقية وتعزيز التعاون جنوب-جنوب في مجال دعم الضحايا.
  • شهادات مؤثرة ونقاشات متخصصة

تميزت جلسات المؤتمر بتقديم شهادات مباشرة لضحايا وناجين من هجمات إرهابية في عدد من الدول الأفريقية، سلطت الضوء على:

-الصدمات النفسية العميقة؛
-النزوح وفقدان الممتلكات؛
-التشتت الأسري والاضطرابات الاجتماعية؛
-تأثيرات اقتصادية طويلة المدى.
كما ناقشت الجلسات الإطار القانوني للدول الأفريقية، ودور الضحايا في الوقاية من التطرف، وأهمية تطوير برامج دعم شاملة ومستدامة.

  • “إعلان الرباط”: نحو سياسة قارية مؤسسة على العدالة والذاكرة

تضمن الإعلان جملة من الالتزامات، من بينها:

-الاعتراف بالحقوق الأصيلة للضحايا: الحقيقة، العدالة، الذاكرة، جبر الضرر؛
-محاسبة مرتكبي الجرائم الإرهابية وتعزيز التعاون القضائي الدولي؛
-تأسيس سجلات وطنية للضحايا ومبادرات تذكارية؛
-حماية الضحايا من أي استغلال أو إعادة إيذاء؛
-تشجيع الشركاء الدوليين على دعم المبادرات الإفريقية.
ويُنتظر أن يشكل “إعلان الرباط” مرجعًا قاريًا لتطوير تشريعات أكثر إنصافًا، وسياسات عمومية ترتكز على العدل والكرامة.

  • محطة مفصلية في المسار الإفريقي لمكافحة الإرهاب

يُجمع المشاركون على أن مؤتمر الرباط شكّل منعطفًا تاريخيًا في مسار مكافحة الإرهاب في أفريقيا، لأنه أعاد للضحايا دورهم الطبيعي في النقاش العام، وجعل من تجاربهم عنصرًا أساسيًا في الوقاية والردع.
وباعتماد “إعلان الرباط” وإطلاق المنصة الرقمية القارية، تكون أفريقيا قد خطت خطوة كبيرة نحو مقاربة إنسانية تشاركية تستند إلى الذاكرة والعدالة، وتضع الضحايا في قلب السياسات، بما يعزز قدرة المجتمعات على التعافي والصمود.