في قمة عربية حاسمة احتضنتها بغداد، أطلق القادة والزعماء العرب نداءً مدوياً يطالب بالوقف الفوري للعدوان على غزة، وبتعبير حازم، رفضوا بشدة المساعي الإسرائيلية الرامية إلى تهجير الفلسطينيين من القطاع المحاصر.
وشهدت القمة الرابعة والثلاثون حضوراً رفيع المستوى تمثل في رؤساء وأمراء وممثلي الدول العربية، بالإضافة إلى شخصيات دولية بارزة كالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، وممثلين عن منظمات إقليمية ودولية فاعلة.
يأتي هذا الاجتماع الهام بعد شهرين من قمة القاهرة الاستثنائية، التي تبنت رؤية عربية واضحة لإعادة إعمار غزة دون المساس بالحق الأصيل لسكانها في أرضهم.
“إعلان بغداد”: القضية الفلسطينية في القلب والوجدان
ومع ترقب صدور “إعلان بغداد” الختامي، تسربت مسودته لتكشف عن تبني القادة العرب لموقف موحد يضع القضية الفلسطينية في صدارة الأولويات. وجدد الإعلان التأكيد على “مركزية القضية الفلسطينية”، مطالباً بإنهاء الحرب الدائرة في غزة بشكل فوري. كما ناشد المجتمع الدولي، وخاصة الدول ذات النفوذ، بتحمل مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية للضغط من أجل وقف نزيف الدماء وتسهيل تدفق المساعدات الإنسانية العاجلة إلى جميع المحتاجين في القطاع دون أي عوائق.
ولم يقتصر “إعلان بغداد” على المطالبات، بل دعا الدول العربية لتقديم الدعم السياسي والمالي والقانوني للخطة العربية الإسلامية المشتركة لإعادة الإعمار والتعافي المبكر في غزة، والتي سبق اعتمادها في قمة القاهرة الطارئة واجتماع وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي.
كما رحب الإعلان بالمقترحات والمبادرات العربية لإنشاء صندوق مخصص لإعادة إعمار غزة، وشدد على أهمية التنسيق المشترك لضمان فتح كافة المعابر لإدخال المساعدات الإنسانية إلى جميع الأراضي الفلسطينية.
وفي سياق البحث عن حل دائم وشامل، جدد “إعلان بغداد” الدعوة إلى تسوية سلمية عادلة للقضية الفلسطينية، مؤيداً مبادرة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لعقد مؤتمر دولي للسلام، واتخاذ خطوات عملية لا رجعة فيها لتطبيق حل الدولتين وفقاً لمبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية.
وطالب الإعلان بنشر قوات حماية وحفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة لحين تحقيق حل الدولتين، ودعا مجلس الأمن الدولي لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ هذا الحل.
وعلى الصعيد الفلسطيني الداخلي، حث “إعلان بغداد” جميع الفصائل الفلسطينية على التوحد حول مشروع وطني جامع ورؤية استراتيجية موحدة. وثمن الإعلان مواقف الدول الأوروبية، إسبانيا والنرويج وآيرلندا، في اعترافها بدولة فلسطين، وجدد التأكيد على “مساندة موقف جنوب إفريقيا في الدعوى القضائية ضد إسرائيل”.
رسائل دعم إقليمية وتأكيد على الثوابت
لم يغفل “إعلان بغداد” القضايا الإقليمية الملحة الأخرى، حيث أكد على دعم وحدة واستقرار سوريا ورفض التدخلات الخارجية، وإدانة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على أراضيها. كما دعا إلى عملية سياسية انتقالية شاملة تحفظ التنوع والسلم المجتمعي في سوريا، ورحب برفع بعض العقوبات عنها.
وجدد الإعلان دعم لبنان في مواجهة التحديات والحفاظ على أمنه واستقراره ووحدة أراضيه، والتضامن الكامل مع اليمن والسودان وليبيا في جهود تحقيق الاستقرار والسلام ووحدة الأراضي.
وفي ملفات أخرى، أكد “إعلان بغداد” على أهمية إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، وشدد على أن الأمن المائي يمثل ركيزة أساسية للأمن القومي العربي، مؤكداً على ضرورة ضمان الحقوق المائية المشروعة لكل من العراق ومصر والسودان وسوريا.
كما جدد الإعلان إدانة الدول العربية للإرهاب بكافة أشكاله والتطرف، وأشاد بجهود العراق في مكافحة الإرهاب، داعياً إلى تفعيل الإجراءات الرادعة لخطاب الكراهية والتحريض.
وفي الختام، أعرب القادة العرب عن دعمهم للمحادثات بين إيران والولايات المتحدة بشأن الاستخدام السلمي للطاقة النووية، مثمنين دور سلطنة عُمان في هذا المسعى، ومؤكدين على أهمية التعاون مع الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.
بهذا، تكون قمة بغداد قد أعلنت عن موقف عربي موحد وقوي تجاه القضايا المصيرية في المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، مؤكدة على ضرورة التحرك الفوري لإنهاء المعاناة وتحقيق السلام العادل والشامل.
التعاليق (0)