في قلب مدينة أكادير، حيث يلتقي نسيم المحيط الأطلسي بروح الابتكار العلمي، تحوّل المؤتمر الدولي الأول حول الماء والمواد والبيئة (WaMEC 2025) إلى مساحة حيوية جمعت الهندسة، والبيئة، والتقنيات المتقدمة، والطاقة، والذكاء الاصطناعي.
على مدى يومين، أصبحت كلية العلوم مختبرًا عالميًا مفتوحًا، تبادل فيه العلماء والمهندسون وخبراء المناخ والمتخصصون في المواد طموحًا مشتركًا: كيف يمكن للعلم أن يخدم الإنسانية، وكيف للإنسان أن يصنع مستقبله من خلاله؟
* المغرب في صدارة البحث العلمي لحماية الموارد:
يأتي تنظيم المؤتمر، الذي أشرف عليه مختبر الكيمياء التطبيقية والبيئة (LACAPE) بكلية العلوم بأكادير، بشراكة مع مختبرات أخرى، ليؤكد الدور الريادي للجامعة المغربية في البحث العلمي وتبادل الخبرات.
في هذا السياق، ناقش المشاركون على مدار الجلسات أحدث الابتكارات في إدارة الموارد المائية، ومعالجة المياه العادمة، وتقنيات التحلية، وتثمين الموارد الطبيعية، والطاقات المتجددة، والتغيرات المناخية، والاقتصاد الدائري.
و قد فرض المؤتمر نفسه كمنصة دولية للتفكير الجماعي وصياغة الحلول الملموسة، واضعاً المغرب في صميم النقاش العالمي.
في هذا الإطار، وصف عميد كلية العلوم بأكادير، الدكتور أحمد بلمودن، اللقاء بأنه “لحظة حاسمة في مواجهة الضغوط المتزايدة على الموارد المائية وآثار تغير المناخ”، مؤكداً أن الاستجابات المتكاملة لا يمكن أن تنبثق إلا من البحث العلمي. وسلّط الضوء على منصة التحليل الحديثة المجهزة بأدوات متطورة مثل المجهر الإلكتروني الماسح، المتاحة للباحثين بتكاليف رمزية، تحت شعار: “يجب أن تخدم المعدات العلمية المجتمع العلمي بأكمله”.
من جانبه، أشار منسق المؤتمر، الدكتور محمد شيبان، إلى أن العالم يواجه تحديات بيئية كبرى تتمثل في ندرة المياه، والجفاف، والفيضانات، وارتفاع درجات الحرارة، مهددة الزراعة والاقتصاد، خاصة في منطقة أكادير.
* نظرة علمية معمقة: تحلية، ذكاء اصطناعي، واقتصاد دائري:
شهد المؤتمر تقديم أبحاث متقدمة قدمت رؤى واستراتيجيات ملموسة:
– إدارة الموارد المائية في المغرب: قدم الدكتور لحسين بوشاو استراتيجية متكاملة لمواجهة الواقع المائي في المغرب، حيث يستهلك القطاع الزراعي حوالي 85% من الموارد. و تعتمد هذه الاستراتيجية على أدوات متقدمة تشمل المراقبة عبر الأقمار الصناعية، والنمذجة متعددة التخصصات، والبروتوكولات الذكية لإدارة الري المستندة إلى الأرصاد الجوية الزراعية، داعياً إلى تحول رقمي لقطاع الماء والزراعة.
– تحلية المياه: التحديات والآفاق: أكد الدكتور محمد التاكي أن نصيب الفرد السنوي من المياه في المغرب يبلغ حوالي
540 م، وهو قريب من العتبة الحرجة، ما يجعل حلول التحلية ضرورية. ورغم نجاح تقنية التناضح العكسي، إلا أن تحديات التكلفة الطاقية العالية وتأثير محلول الملح (السايوم) البيئي تبقى فرصاً للبحث لتطوير أغشية مستوحاة من الأكوابورين وتقليل استهلاك الطاقة باستخدام الطاقة المتجددة.
النانومواد والطاقة النظيفة: قدمت البروفيسورة غابرييلا كاريا (من رومانيا) تدخلاً حول النانو جسيمات في التحفيز المستدام، موضحة كيف يمكن حصر جسيمات المعادن في طبقات مزدوجة لتعزيز النشاط التحفيزي، مما يفتح آفاقاً واسعة لإنتاج الطاقة النظيفة.
* الذكاء الاصطناعي والمواد المستدامة: تضمنت الجلسات المتوازية بحوثاً حول دور الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بإزالة الفوسفور والنيتروجين من المياه، واستخدام البوليمرات الحيوية القابلة للتحلل كأسمدة بطيئة الإطلاق، وتطوير هيدروجيلات نانو سليلوزية فائقة الامتصاص لخدمة الزراعة، بالإضافة إلى معالجة النفايات الصناعية الخطرة لتحويلها إلى مواد هندسية صديقة للبيئة.
* دعوة للشراكة والتحرك الجماعي
شدد نائب رئيس جهة سوس ماسة، السيد عادل موفكير، على ضرورة تطوير حلول مبتكرة لإدارة المياه وتسريع الانتقال نحو الاقتصاد الدائري القائم على المواد الصديقة للبيئة، مؤكداً أن التعاون العلمي هو طريق لا مفر منه لمواجهة تحديات المستقبل.
وذكرت الأستاذة فاطمة الباز، نائبة مدير مختبر LACAPE، أن المؤتمر يهدف إلى تعزيز الروابط بين الجامعة والقطاع الاقتصادي والاجتماعي، وتشجيع البحث والابتكار، مع الإشارة إلى أن المختبر يشرف على ماسترات مبتكرة في مجالات علوم وتقنيات الماء والهندسة البيئية.
هذا، و اختتم المؤتمر بالتأكيد على ضرورة ربط البحث العلمي بالتطبيق الميداني لرفع التحديات، وتعزيز التعاون بين الجامعات المغربية والأجنبية لخلق حلول مشتركة لمستقبل الماء والطاقة والبيئة.
