رغم تبقّي أكثر من عام ونصف على موعد الانتخابات التشريعية المقبلة في المغرب، بدأت مؤشرات التوتر تتصاعد داخل الأغلبية الحكومية التي تضم أحزاب التجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة، والاستقلال، وسط تحركات سياسية وتنظيمية متسارعة توحي بانطلاق مبكر لحملة انتخابية غير معلنة.
في يناير 2025، وجّه الأمين العام لحزب الاستقلال، نزار بركة، رسالة واضحة خلال لقاء حزبي بمدينة العرائش، دعا فيها إلى “الاصطفاف مع المواطنين”، مؤكدًا طموح حزبه لتصدر نتائج الانتخابات المقبلة، في خطوة فسّرها مراقبون على أنها إعلان مبكر للرغبة في قيادة الحكومة القادمة.
رد حزب الأصالة والمعاصرة لم يتأخر، حيث صرّح محمد المهدي بنسعيد بأن “البام مؤهل لقيادة الحكومة”، في حين أكدت الوزيرة فاطمة الزهراء المنصوري أن الحزب “يرسم مستقبلًا سياسيًا أوسع”، ما يعكس طموحًا تنافسيًا متزايدًا داخل التحالف نفسه.
وفي سياق متصل، وجّه محمد أوجار، القيادي في حزب الأحرار، انتقادات صريحة لبعض مشاريع التعمير التي يشرف عليها حزب الأصالة والمعاصرة، ملوّحًا بإمكانية ضم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى الحكومة المقبلة، وهي إشارة سياسية تفتح الباب أمام سيناريوهات إعادة تشكيل الأغلبية.
الجدل انتقل كذلك إلى المؤسسة التشريعية، حيث تم تداول تعليمات حزبية داخل الأغلبية تدعو إلى تفادي الهجمات المتبادلة، إلا أن ذلك لم يمنع بعض البرلمانيين من توجيه انتقادات لاذعة لأداء وزراء ضمن نفس الائتلاف، ما يعكس واقع الانقسام الداخلي.
تصريحات المنصوري بشأن “حكومة المونديال”، في إشارة إلى استضافة المغرب لكأس العالم 2030، ساهمت في تسريع سباق التموقع السياسي بين مكونات التحالف، حيث استثمرت مختلف الأحزاب المشاركة في الحكومة هذا المشروع الوطني الكبير كرافعة انتخابية، عبر تكثيف الأنشطة الجهوية وتحريك القواعد المحلية.
ويرى محللون أن هذه الصراعات المبكرة تعكس تداخلًا بين منطق التدبير الحكومي والطموح الانتخابي، حيث تسعى كل قيادة حزبية إلى تعظيم مكاسبها الانتخابية من موقعها الحالي في السلطة. كما رصدت تقارير إعلامية انقسامات حول تدبير الميزانيات الوزارية وتوزيع النفوذ داخل الحكومة، رغم الخطاب الرسمي الذي يُشيد بـ”الانسجام الحكومي”.
من جهة أخرى، تتابع المعارضة هذا التصدع الداخلي باهتمام، رغم ضعفها النسبي في المشهد السياسي الحالي. إذ تشير مؤشرات من الاتحاد الاشتراكي وأحزاب اليسار إلى نية استغلال هذه الفرصة لإعادة التموقع والضغط على الحكومة من زوايا جديدة.
ومع اقتراب موعد الانتخابات المقررة في سبتمبر 2026، يزداد التنافس بين مكونات التحالف بدل أن يتركز على الأداء الحكومي المشترك، ما قد يفضي إلى إعادة تشكيل التحالفات، أو إدخال قوى سياسية جديدة في النسخة المقبلة من الحكومة، إذا ما استمرت هذه المواجهات الداخلية دون تدخل لاحتوائها.