في وقتٍ ما زال فيه كثير من المغاربة المقيمين أو المرتبطين بفرنسا يعتقدون أن “الأمور تمرّ” وأن عدم التصريح الكامل بالدخل مسألة بسيطة يمكن تجاوزها، تكشف القوانين الضريبية الفرنسية واقعًا مختلفًا تمامًا، أكثر صرامة، وأكثر كلفة مما يُتصوَّر. هذا الموضوع لا يهم فقط المقيمين فوق التراب الفرنسي، بل يهم أيضًا كل مغربي له علاقة مالية أو رقمية أو مهنية مع فرنسا، سواء عبر العمل عن بُعد، أو منصات الإنترنت، أو التحويلات المالية.
القانون الضريبي الفرنسي واضح: أي تصريح ناقص أو غير دقيق للدخل، إذا أدى إلى أداء ضريبة أقل من المستحق، يعرّض صاحبه لمسطرة تصحيح ضريبي قد تكون ثقيلة جدًا. الإدارة الضريبية لا تكتفي بالمطالبة بالضريبة الأصلية غير المؤداة، بل تضيف إليها زيادات مالية تختلف حسب طبيعة الخطأ. فإذا اعتُبر التصريح ناقصًا نتيجة إهمال أو عدم انتباه، يمكن أن تُفرض فوائد تأخير تُحتسب شهريًا. أمّا إذا رأت الإدارة أن هناك “سوء نية” أو إخفاءً متعمدًا للدخل، فالغرامة قد تصل إلى 40 في المائة من قيمة الضريبة المستحقة. وفي الحالات الأخطر، عندما يُصنَّف السلوك على أنه احتيال ضريبي أو مناورة مقصودة لإخفاء الحقيقة، ترتفع الغرامة إلى 80 في المائة، إضافة إلى فوائد التأخير.
وهنا تكمن الصدمة التي لا يدركها كثيرون: عند جمع الضريبة الأصلية، والغرامات، وفوائد التأخير، يمكن أن تتجاوز المبالغ المطلوبة نسبة كبيرة من الدخل نفسه. صحيح أن القول إن “الدولة تأخذ دائمًا أكثر من 60 في المائة” فيه تعميم مبالغ فيه، لكنه يصبح ممكنًا في حالات معيّنة، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بعدة سنوات غير مصرّح بها، أو بدخل مرتفع، أو بإثبات التعمد في الإخفاء.
الأكثر حساسية في هذا الملف هو ما يرتبط بالأرباح الرقمية. فرنسا، ضمن المنظومة الأوروبية، لم تعد تتعامل مع مداخيل الإنترنت كمنطقة رمادية. الأرباح المتأتية من فيسبوك، تيك توك، يوتيوب، المنصات الرقمية، العملات المشفّرة، أو حتى عبر بايبال والتحويلات البنكية الإلكترونية، تخضع اليوم لآليات تتبع وتبادل معلومات بين المنصات والإدارات الضريبية. لم يعد الرهان على فكرة “لن يعرفوا” رهانًا واقعيًا كما كان يعتقد البعض في السابق، لأن جزءًا كبيرًا من هذه المعاملات أصبح يُصرّح به آليًا من طرف المنصات نفسها.
هذا التحول يهم شريحة واسعة من المغاربة: مؤثرون، صانعو محتوى، مستقلون يعملون مع شركات فرنسية، أو حتى أفراد يتلقون مداخيل متقطعة من الإنترنت وهم خارج فرنسا. فالعبرة ليست فقط بمكان الإقامة، بل أحيانًا بمصدر الدخل، وطبيعته، والالتزامات القانونية المرتبطة به.
الرسالة الأساسية التي يخلص إليها الخبراء بسيطة لكنها حاسمة: الخطأ في التصريح، إذا كان بحسن نية وتم تداركه، يظل أقل كلفة وخطورة بكثير من الإخفاء أو التلاعب. التصريح حتى مع وجود نقص أو التباس يفتح باب التصحيح، بينما الإخفاء المتعمد يفتح باب العقوبات الثقيلة، وربما المتابعات.
بالنسبة للقارئ المغربي، قد يبدو هذا الملف “فرنسيًا صرفًا”، لكنه في الحقيقة تحذير استباقي لكل من يفكر في العمل أو الاستثمار أو تحقيق دخل مرتبط بفرنسا، أو يفكر في الهجرة، أو يمارس نشاطًا رقميًا عابرًا للحدود. العالم الرقمي لم يعد خارج الرادار، والضرائب لم تعد تعتمد فقط على التصريحات الفردية، بل على شبكات معلومات متقاطعة.
في زمن الشفافية الجبرية، لم يعد الذكاء في الإخفاء، بل في الفهم، والتصريح السليم، وطلب التوضيح قبل الوقوع في الخطأ. لأن ثمن “التغاضي” قد يكون أكبر بكثير مما يتخيّله البعض.


التعاليق (0)