تصاعدت حدة الجدل داخل الأوساط الصحية بالمغرب، عقب إدماج أجور مهنيي الصحة ضمن فصل المعدات والنفقات المختلفة في مشروع الميزانية الفرعية لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية برسم سنة 2026، وهي خطوة أثارت موجة من الاستياء والغضب بين العاملين بالقطاع، الذين اعتبروا هذا الإجراء “مساسا بمبدأ مركزية الأجور” و”انزلاقا خطيرا يمس الاستقرار المهني”.
وفي سياق الانتقادات الواسعة، سارع الوزير الوصي على قطاع الصحة إلى طمأنة المهنيين، مؤكدا أن ما ورد في العرض المقدم أمام مجلس النواب “لا يتضمن أي تغيير أو تعديل يمس الالتزامات القانونية للوزارة تجاه مهنيي الصحة”، مشددا على أن هذا الإجراء “لا يمثل بأي حال من الأحوال تراجعا عن ما تم الاتفاق عليه مع الشركاء الاجتماعيين”.
وفي المقابل، اعتبرت النقابات الصحية أن التطمينات الرسمية غير كافية في ظل ما وصفته بـ “الغموض الذي يحيط من جديد بموضوع مركزية أجور موظفي الصحة”.
وفي هذا السياق، أوضح حمزة إبراهيمي، الكاتب الجهوي للنقابة الوطنية للصحة العمومية، أن “المنظومة الصحية الوطنية تمر بمرحلة دقيقة”، محذرا من أن ما أفرزته المناقشات الأخيرة لمشروع الميزانية الفرعية “من مؤشرات مقلقة” يعيد فتح ملف حساس يتعلق بضمانات الموظفين العموميين.
وأكد إبراهيمي أن النقابات “ترفض رفضا قاطعا كل ما من شأنه المساس بالوضع القانوني والمهني والمادي لموظفي القطاع الصحي بمختلف فئاتهم”، مضيفا أن الأطر الصحية تتابع بقلق بالغ إدراج أجور مهنيي الصحة ضمن فصل النفقات المختلفة “في خطوة غير مبررة قانونيا ولا مؤسساتيا، تمس في عمقها مبدأ مركزية الأجور وضمان صفة الموظف العمومي”.
وأضاف المتحدث أن هذه الخطوة “ليست مجرد خطأ تقني، كما يتم الترويج له، بل هي انزلاق تشريعي وإداري خطير يمس جوهر التعاقد المؤسساتي والاجتماعي الذي يربط الدولة بموظفيها، ويضرب في الصميم مبدأ استمرارية الدولة واحترام الالتزامات الرسمية السابقة”.
وشدد إبراهيمي على أن “هذا التوجه الغامض والمبهم لا يهدد فقط الوضع الإداري للعاملين، بل يفتح الباب أمام تفكيك البنية القانونية للوظيفة العمومية داخل القطاع الصحي”، معتبرا أن ذلك “يشكل مساسا صارخا بالاستقرار الاجتماعي والمهني والمادي لعشرات الآلاف من النساء والرجال الذين اختاروا خدمة الصحة العمومية في أصعب الظروف”.
ويبدو أن ملف أجور مهنيي الصحة مرشح لمزيد من التصعيد، في انتظار توضيحات أكثر من الوزارة حول طبيعة هذا التغيير ومراميه، وسط تخوفات من أن يتحول الأمر إلى أزمة جديدة تهز أحد أكثر القطاعات حساسية في البلاد.
