هذا المقال من رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن توجه جريدة أكادير24 بأي شكل من الأشكال.

بنكيران الزواج بلارج والهروب من السؤال الحقيقي

كُتّاب وآراء

agadir24 – أكادير24

سعيد الغماز-كاتب وباحث

أثارت الخرجة الأخيرة لعبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، نقاشاً مجتمعياً واسعاً تعددت بشأنه القراءات وردود الفعل. غير أن ما يستحق الوقوف عنده، ليس الضجة التي صنعتها بعض المنظمات النسوانية، بل النقاش العميق الذي حاول الرجل طرحه حول قضية اجتماعية حساسة: ظاهرة العزوف عن الزواج.

ليس الجدل حول تعليم المرأة بل حول مستقبل الأسرة، فلماذا نهرب من السؤال الحقيقي؟

قد يكون بنكيران جانب الصواب في توظيف بعض التعابير الشعبية، وعلى رأسها مصطلح “بلارج”، الذي استغله البعض لتحويل النقاش نحو قضايا هامشية لا علاقة لها بجوهر الموضوع. وقد خرج الزعيم السياسي سريعاً لتوضيح ملابسات هذا التعبير، مؤكداً أن المغرب حسم منذ عقود خيار خروج المرأة للعمل وتعليمها، بل استشهد بدوره الشخصي في تعليم بناته وتواجد امرأة وزيرة تنتمي لحزبه في الحكومة التي ترأسها. ونضيف كذلك تعيين نساء في مناصب عليا عندما كان رئيسا للحكومة.

إلا أن السؤال الحقيقي هو: لماذا أصرّت بعض الأصوات النسوانية على تغذية الجدل وتحويل مسار النقاش من ظاهرة اجتماعية مطروحة للنقاش، إلى معركة حول حرية المرأة وتعليمها، وهي قضايا محسومة واقعيا وتشريعيا منذ عقود؟

العزوف عن الزواج مؤشر مقلق، والأرقام تكشف عمق الإشكال:

  • معدل سن الزواج بالمغرب تجاوز 31 سنة لدى الذكور و26 سنة لدى الإناث.
  • نسبة العزوبة الدائمة ارتفعت بشكل لافت خلال العقد الأخير، وفق تقارير المندوبية السامية للتخطيط.
  • أسباب الظاهرة متعددة: الأزمة الاقتصادية، البطالة، غلاء المعيشة، ارتفاع تكاليف الزواج، إضافة إلى تحولات القيم الفردية.

هذا السياق هو ما دفع بنكيران إلى القول بأن الحل لا يكمن في الهروب من الزواج بدعوى متابعة الدراسة، بل في إمكانية التوفيق بين الزواج والتعليم، وهو اقتراح عملي يستحق النقاش بدل الهجوم البعيد عن النقد والنقاش.

ما يثير الاستغراب أن المنظمات النسوانية لم تقدم بديلا عمليا لمعضلة العزوف عن الزواج، بل لجأت إلى شعارات من قبيل “جسدي حريتي” و”الاستقلالية خط أحمر”، دون تقديم تصور واضح للعلاقات الأسرية في المجتمع المغربي. في المقابل، يطرح بنكيران مقاربة واضحة، تجعل الأسرة هي محور الاستقرار والتطور المجتمعي، وهو طرح ينسجم مع المرجعية الدستورية والقانونية التي تعتبر الأسرة خلية أساسية في المجتمع.

النقاش الحقيقي ليس في تعليم المرأة أو حريتها، فهذه مكتسبات قائمة، بل في كيفية تحقيق التوازن بين الفردية المتنامية والحاجة إلى الحفاظ على الأسرة كمؤسسة اجتماعية. فإذا استمر تفكك البنية الأسرية، ما هو البديل الذي تقدمه هذه المنظمات النسوانية؟ وهل نحن مستعدون لنتائج مثل ارتفاع نسب الشيخوخة والعزلة الاجتماعية وتراجع معدلات الخصوبة؟

إذا كانت المنظمات النسوانية تنهل من وضعية المرأة في المجتمعات الغربية، وتعتبرها نموذجا، فهذا يهدد وقوع مجتمعنا في خطر مجتمعي، أدركت هذه المجتمعات الغربية خطورته، فشرعت في دق ناقوس الخطر للبحث عن حلول بديلة. ففي فرنسا مثلا، ارتفعت نسبة العزاب إلى 40% من السكان، بينما في اليابان أصبحت ظاهرة “العزوبية الاختيارية” تهدد معدل الولادات إلى درجة إعلان الحكومة عن خطط تحفيزية للزواج.

النموذج الغربي تعاني منه المجتمعات الغربية قبل غيرها، لأنه يهدد بنية المجتمع، ويشكل خطورة على الاقتصاد بحكم انحسار طبقة الشباب وتوسع طبقة الشيخوخة. فكيف تتخذ المنظمات النسوانية هذا النموذج المفلس خيارا يحتذى به؟

خرجة بنكيران، رغم الجدل الذي رافقها، أسهمت في فتح نقاش حقيقي نحن في أمس الحاجة إليه. فالقضية أكبر من الحديث عن بلارج وأعمق من جدال عقيم تطرحه بعض النسوانيات بتهريب النقاش إلى مواضيع محسومة مجتمعيا. نحن أمام خيارين: إما أن نخوض حواراً مجتمعياً مسؤولاً حول مستقبل الأسرة، وهو ما طرحه بنكيران. أو نستمر في تهريب النقاش إلى معارك وهمية لا تجيب عن التحديات الحقيقية، كما تفعل المنظمات النسوانية.

أما إخفاء الغرض المقصود من الشعارات المتعلقة بحرية المرأة في جسدها واستقلاليتها المجتمعية والاقتصادية، فلن تخفيه منهجية التهجم على سياسي أبدى رأيا لخلق نقاش مجتمعي. كما لن يخفيه تهريب النقاش إلى قضايا غير مطروحة على مجتمعنا كتعليم المرأة وعملها واستقلاليتها الاقتصادية.