منذ انطلاق مشاريع الاصلاح (1956-1963) الى الرؤية الاستراتيجية للإصلاح (2015-2030) ثم قانون الاطار 17-51 وصولا الى وثيقة النظام الاساسي الجديد الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية مرسوم رقم 819-23-2 بشان النظام الاساسي مازالت الانتكاسات المتكررة تلاحق منظومتنا التعليمية وتجسد العنوان الكبير لفشل الاختيارات الرسمية، فهل نمتلك في بلدنا سياسة تعليمية واضحة المعالم وحكامة جيدة في تدبير نظامنا التربوي؟ ما الذي يفسر دائما ارتباط الحديث عن التعليم بالأزمة وانتاج احباطات تكبل احلام الامة وتقتل امال الشغيلة التعليمية؟ ما طبيعة هذه الازمة اهي ازمة (برامج – طرق التدريس – مناهج – تأهيل المؤسسات – الحكامة..)؟
هل النظام الاساسي الجديد قائم على منطق النفي والقطيعة مع صيغ الاصلاح؟ ام على منطق التعديل والتطوير؟ ام منطق التحكم المفضي للارتجال والعشوائية؟ وعلى اساس اي منطق ومصلحة تم اعتماد هذا النظام الاساسي الجديد؟ هل تم اعتماد مقاربة تشاركية ك(اشراك مختلف الفاعلين التربويين وكل الهيئات التمثيلية للقطاع والنقابات والجمعيات)؟ ام تحكمت فيه اعتبارات املائية من هيئات دولية وصناديق مالية عالمية ومصالح سياسية ظرفية؟ وهل تحكمت فيه رؤية نسقية تربط التعليم بالقطاعات الحكومية ذات الصلة بالموارد البشرية او بالتنمية المجتمعية (المالية – الشغل – التكوين ..)؟
انها جزء من اسئلة اساسية تضمر اجوبتها، فالسياسة التعليمية المتبعة في القطاع منذ عقود وعقود هي التي جعلت النظام التعليمي في خطر مستدام وبالتالي فان اصلاح المنظمة التعليمية يفرض ضرورة ارساء مقاربة تشاركية تعتمد المساهمة الفعلية لكل المتدخلين في صنع القرار التربوي من خلال تعزيز مبادرات الشراكة على مختلف المستويات ومع كافة الفرقاء التربويين والاجتماعيين والا فان المنظومة التعليمية ستنهار وستسبب نكسة اجتماعية وحضارية.
على سبيل المثال الانظمة العامة او الانظمة الاساسية للموظفين تستمد روحها من النموذج البيروقراطي بمركزيته المفرطة في مجال تسيير الموارد البشرية لطبيعته المحاسباتية والمتعلقة بالميزانية وهو نظام لا يمكنه قياس او تثمين اداء(الموظف التربوي) من المدرسين والتربويين لافتقاده لطرق التقييم المهني التربوي وكيفياته بعيدا عن القياسات والمقاربات التسييرية الادارية المحاسباتية في تقييم الاداء الوظيفي للموظف … ان انظمتنا الاساسية في قطاع التربية الوطنية تفتقر الى ما يسمى ب(ادارة الحياة المهنية) وغياب هذا النوع من التدبير الخصوصي للمهنة يجعل المدرس والإداري التربوي لا يتوفران على نظرة مستقبلية ومتكاملة لمسارهما المهني كما ان اللحظة الحالية تفرض عدم التلكؤ او التأخير في تجديد وتطوير اليات التشجيع والتحفيز والتقييم والترقي للمدرس والاداري التربوي اذا اردنا منهما ان يرتقيا على مستوى ادائهما الوظيفي والمهني مع إنهاء عهد(الموظف الاداة) وتأسيس ميثاق عهد(الموظف الانسان).
ان مشكلة اصلاح التعليم ليست مجرد تحديث للمناهج والمقررات كما ان التحديث والتجديد والتطوير لا يعني استنساخ انظمة وقوانين اجنبية (النظام الفرنسي للوظيفة العمومية) او الاعتماد على الخبرة الاجنبية او نماذج الحكامة المستوردة ولكن جوهر الاصلاح يكمن اساسا في القطع مع التجارب السابقة التي سببت في الاختلالات الكبرى والقطع مع العقليات والسياسات التي لا تسعى الى اشراك الفاعلين التربويين من هيئة التدريس وممثليهم من النقابات والجمعيات والهيئات والتنسيقيات وكل المتدخلين في صناعة القرار التربوي. فهل استحضرت الوزارة وفريقها “الفني” اثناء اعداد وصياغة واخراج وتعميم و”ترسيم” وثيقة النظام الاساسي الجديد تلك المقاربة التشاركية التي تعتمد المساهمة الفعلية لكل المتدخلين في صناعة القرار التربوي من خلال استغلال واستثمار الشراكة على مختلف المستويات ومع الفرقاء التربويين والاجتماعيين قبل تفعيل وثيقة النظام الأساسي ميدانيا؟؟
ان اقبار الوزارة لثقافة التدبير التشاركي وعدم تفعيل شبكة الاتصال والتواصل بين مكونات الاسرة التربوية وتجاهل المكتسبات النقابية والحقوقية لنساء ورجال التعليم والاستخفاف بالية التدبير التشاركي ادت الى ظهور حركات احتجاجية جديدة في صفوف الشغيلة التعليمية (التنسيقيات) وفي نفس الان وجدت النقابات التعليمية نفسها في مواجهة ضغط داخلي غير مسبوق واقتنعت انها لم تحقق ما كانت تطمح اليه فاختارت ان تساير التنسيقيات في كل المحطات النضالية والرفع من سقف المطالب في دفاعها عن حقوق ومكتسبات نساء ورجال التعليم. وان الفضل كل الفضل يعود الى هذه الوثيقة (النظام الاساسي الجديد) التي اسالت الكثير من الاسئلة المقلقة واثارت الكثير من الاشكالات الغامضة وبسبب الهجوم على المكتسبات المهنية والمادية والحقوقية والنقابية لنساء ورجال التعليم.
فماهي الخلاصات الاولية الاساسية التي يمكن تسجيلها عن المواد التي تضمنتها هذه الوثيقة “الحارقة” وكانت سببا في تصاعد الحركات الاحتجاجية تنسيقيا ونقابيا؟
1-النظام الاساسي الجديد وظف لأول مرة مفهوم (الموارد البشرية) محل المدرس(ة) او الاستاذ(ة) وقد يكون الهدف من هذا التعديل ادماج الاطر النظامية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين مع موظفي قطاع التربية الوطنية في نظام موحد يشار اليهم في هذا المرسوم بالموارد البشرية(المادة الاولى) وتسري على هذه الموارد البشرية احكام النصوص التشريعية والتنظيمية المطبقة على موظفي الدولة (المادة الثالثة) حيث انهما يخضعان بالأساس للنظام العام للوظيفة العمومية وهو يمثل الاطار القانوني الذي يحدد حقوق وواجبات والتزامات الموظفين وكذا المساطر التأديبية لكن من المانع من ادماج الاطر النظامية للأكاديميات في النظام العام للوظيفة العمومية والغاء نظام التعاقد؟ وهل “عطف” اطر الاكاديميات الجهوية بحرف (الواو) على موظفي التربية الوطنية يمكن ان يطفا لهيب التخوف ويذيب الفوارق المهنية والمادية والوظيفية بينهم وبين قرنائهم من موظفي واطر التربية الوطنية؟ وحرف العطف (الواو) في اللغة العربية تتعدد وظائفه ودلالاته فقد يكون اصليا وقد تكون زائدا واعتمادا على هذا التوظيف اللغوي فهل نقول انهم فئة اصلية في النظام الوظيفي ام فئة زائدة؟ كما ان حرف (الواو) قد يماثل بين المتعاطفين اي تطابق المتعاطفين وقد يكون التعارض بينهما !!!
2- النظام الاساسي الجديد في المادة التاسعة صنف الموارد البشرية الى هيئات (هيئة التربية والتعليم – هيئة الادارة المدرسية – هيئة التفتيش..) وهيئة التربية والتعليم قسمت الى اطار استاذ التعليم الابتدائي واطار استاذ التعليم الثانوي التأهيلي والاعدادي لكن هذا التصنيف لم يشر الى الدور الازدواجي الذي قد يقوم به استاذ التعليم الثانوي من اطر الاكاديميات الجهوية حين يتنقل بين مؤسستين وسلكين مختلفين كلما كانت هناك “حاجة” لسد الخصاص. فهذا الصنف من الاطر قد يدرس موسما في الاعدادي وموسما في التأهيلي والعكس صحيح وقد يجمع بينهما في موسم واحد ولا يوجد نص يمنع الجمع بين السلكين.
3- في الباب الرابع الخاص بالترقية والتقييم لم يأتي النظام الاساسي باي جديد سواء تعلق الامر بطرق التقييم وكيفياته او باليات جديدة للترقي ووتيرتها علما ان الجانب المادي والمالي من حياة الاطر التربوية ينبغي اعادة النظر فيها من منظور شمولي. فالترقية في الدرجة داخل نفس الاطار تتم عن طريق الاختيار او بعد النجاح في امتحان الكفاءة المهنية وفق مقتضيات المرسوم 403.04.2 الصادر في 2دجنبر2005(المادة49 – من النظام الاساسي الجديد) فاين التشجيع واين التحفيز واين الاستجابة لعمق الاصلاحات الاجتماعية؟ حتى الترقي بالشهادات الجامعية العليا لم يعتبرها النظام الاساسي الجديد الية للترقي بشكل الي ومباشر. وللإشارة فان الترقي بواسطة الشهادات الجامعية العليا بالنسبة لهيئة التربية والتعليم وهيئة الادارة المدرسية والتدبير وباقي الهيئات التعليمية لا يجب مقارنتها بالأطر العاملة في القطاعات الاخرى لان الشهادات الجامعية العليا بالنسبة للأسرة التعليمية ذات مهمة رسالية وهذه المهمة (التدريس والتعليم والتربية) لا يمكن الارتقاء بها الا بالتكوين الذاتي عن طريق البحث ومتابعة الدراسات الجامعية العليا رغم ما تتطلبه من تكلفة مادية ومعنوية وهو المجال الذي ينعكس ايجابا على شخصية المدرس وعطاءاته وتنمي قدراته العلمية التي يستفيد منها المتمدرسون. كما ان الترقي بالشهادة العليا تنعكس ايجابا على وضعه المهني والاجتماعي لأنه لا يجوز فصل الموظف عن همومه الذاتية او عن متطلبات النهوض بأعبائه الاخرى خارج المؤسسة التعليمية.
كما حافظ النظام الاساسي على شروط وحصص الترقي (ست سنوات من الاقدمية لاجتياز امتحانات الكفاءة المهنية وعشر سنوات عن طريق الترقي بالاختيار ) اما الحصيص فهو (14 في المائة بالنسبة للصنف الاول و22في المائة بالنسبة للصنف الثاني)
ان عشر سنوات من الاقدمية في ظل الظروف التي يعمل فيها نساء ورجال التعليم من قلة الوسائل وضعف التجهيزات والاكتظاظ وتعدد المستويات وتعدد المهام وغيرها من المشاق التي تتطلبها المهنة تقتضي من الحكومة اعتماد مبدا الترقي الضمني كما اقترحتها النقابات الوطنية ومن الامثلة التي قدمها احد النقابيين في احدى المناسبات التعبوية انه اذا قمنا بعملية حسابية بسيطة نجد ان الاستاذ مثلا حين يدرس تلميذا في السنة الثانية بكالوريا وبعد خمس او سبع سنوات يصبح التلميذ مهندسا او طبيبا او اطارا ساميا من اطر الدولة واستاذه ما يزال ينتظر الترقية الى السلم الاعلى بل عليه ان ينتظر انهاء عشر سنوات ليدخل في حلقة التباري على عتبة 22في المائة؟؟ لذا يجب مراجعة مدة الانتظار وفسح المجال امام نساء ورجال التعليم في حق التنافس في الترقي بالاختيار ابتداء من السنة الخامسة بدلا من انتظار مرور عشر سنوات عجاف !!!
4- وعن المهام التي تتولاها هيئة اطر التدريس فقد عددتها المادة15 في (التربية والتدريس – التقييم والدعم المدرسي والمواكبة التربوية- التعاون والتنسيق ضمن الفريق التربوي- المشاركة في عملية التنمية والتطوير المهني !!- المشاركة في تنظيم الامتحانات والمباريات وامتحانات الكفاءة المهنية- المشاركة في الانشطة المدرسية..) وهي ذاتها نفس المهام الموجودة في الواقع والممارسة المهنية لكن تم تغييب الاطراف الاخرى من الفاعلين والشركاء المنخرطين في الحياة المدرسية وتم تغييب مجالس المؤسسة ونواديها كما لم يشر النظام الاساسي الى الايقاعات المدرسية او كيفية ادراج هذه الانشطة والمهام في استعمالات زمن المتعلمين وجداول حصص المدرسين وفي احترام تام لعدد الساعات الاسبوعية والسنوية المتعارف عليها. ونصت نفس المادة (15) على المشاركة في تنظيم الامتحانات المدرسية والمباريات لكنها اطلقت عبارة(المباريات) “عارية” دون تحديد اي مباريات تعني، هل تلك المتعلقة بقطاع التربية الوطنية ام جميع مباريات القطاعات الوزارية الاخرى؟؟
5- في المادة(70) من النظام الاساسي تستفيد (الموارد البشرية من رخصتها السنوية المحددة في 22 يوم عمل خلال عطلة نهاية السنة الدراسية) ما عدا (المكلفين بمهام ادارية بمؤسسات التربية والتعليم والتكوين او بالمصالح المركزية لقطاع التربية الوطنية او بالأكاديميات…) لكن هذه المادة(70) اضافت عبارة ملغومة حين اشارت الى انه ( يسمح لأطر التدريس واطر التفتيش التربوي بالاستفادة من الرخصة السنوية المذكورة لأكثر من 22 يوم عمل خلال عطلة نهاية السنة الدراسية ..) واستعمال عبارة (يسمح) يعني انه قد لا يسمح لأطر التدريس والتفتيش من تمديد الرخصة السنوية اي انهم قد لا يسمح لهم بتجاوز 22يوما.
كيف الزم المشرع اطر التربية والتعليم بان يستفيدوا كباقي موظفي الوظيفة العمومية من الرخصة السنوية المحددة في 22يوما علما ان موظفي القطاعات الوزارية الاخرى اغلبهم يعملون 5ايام في الاسبوع ولا يشتغلون ايام السبت واذا كانت الوزارة الوصية تريد ان توحد بين اطر التربية والتعليم وباقي اطر الوظيفة العمومية في 22يوم عمل فملزم عليها ان تجعل يوم السبت ضمن العطلة الاسبوعية حتى يحصل التطابق بينهم وبين نظرائهم في القطاعات الوزارية الاخرى علما ان الاستاذ والمدرس يمددون عملهم التربوي الى داخل بيوتهم في فترات العطل الاسبوعية والدورية والسنوية ( تصحيح الفروض- انجاز الجدادات – مسك النقط – دفاتر النصوص- الانشطة الموازية- انشطة الرياضة المدرسية – التنقل مع الفرق الرياضية المدرسية…) كما ان موظفي القطاعات الوزارية الاخرى تستفيد من اجرة الشهر الثالث عشر بل وحتى الشهر الرابع عشر وبعضهم يستفيد من تعويضات دورية، فهل الوزارة في نظامها الاساسي الجديد استحضرت متطلبات النهوض بأعباء المدرس الاخرى خارج مقر عمله؟؟؟
هذا غيض من فيض ولنا عودة الى باقي المواد اذا بقي للنظام الاساسي مزيد من الحياة !!!
ذ. محمد بادرة