المغرب يعزز ريادته في مجال التعدين الإفريقي المستدام عبر مذكرة تفاهم استراتيجية
بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
شهدت مدينة مراكش هذا الأسبوع توقيع مذكرة تفاهم وُصفت بالاستراتيجية بين وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة والمجموعة الاستراتيجية الإفريقية للمعادن، وذلك على هامش الدورة الثانية للمؤتمر الدولي للتعدين بالمغرب. ويأتي هذا التوقيع ليجسّد توجهاً متصاعداً نحو إرساء حكامة معدنية إفريقية قائمة على المسؤولية والاستدامة والاندماج، مع بروز المغرب كجهة مركزية في صياغة وتنسيق هذا التوجه القاري.
- تعزيز الحكامة المعدنية في ظل التحولات العالمية
إن إبرام هذه المذكرة بين الوزيرة ليلى بنعلي والأمين العام للمجموعة، موسيس مايكل، يعكس إدراكاً مشتركاً بأن قطاع التعدين بات جزءاً محورياً من السياسات الاقتصادية والاستراتيجية المرتبطة بالانتقال الطاقي العالمي. فقد غدا الأمن المعدني عاملاً حاسماً في السلاسل الصناعية، ولا سيما تلك المرتبطة بالمعادن الاستراتيجية المستخدمة في التكنولوجيات النظيفة، ما يستدعي تطوير أطر حكامة موحدة وفعالة داخل القارة الإفريقية.
- ريادة مغربية في تطوير المبادرات القارية
تُعدّ المذكرة امتداداً لسلسلة من المبادرات التي يضطلع المغرب بدور محوري في قيادتها، وعلى رأسها:
الإطار الإفريقي البيئي والاجتماعي والحكامي (ESG)، الذي يشكل مرجعاً لضبط المعايير المتعلقة بالاستدامة والمسؤولية في القطاع المعدني.
ممر “المنشأ ، العبور ، المصادقة” الذي أُطلق في دجنبر 2024، ويهدف إلى توحيد مسارات تتبع المعادن الإفريقية وتطوير سلاسل قيمة مندمجة تضمن الشفافية وتعزيز القيمة المضافة داخل القارة.
وتكشف هذه المبادرات عن رؤية مغربية مؤطرة لإحداث تحول بنيوي في قطاع التعدين الإفريقي، من خلال الانتقال من مقاربات استخراجية ضيقة إلى نماذج صناعية متكاملة.
- رقمنة القطاع وإرساء منصات المصادقة
تشمل مجالات التعاون المنصوص عليها في المذكرة رقمنة سلاسل القيمة المعدنية، وإحداث منصات قارية للمصادقة والتأهيل، وتعزيز التنسيق المؤسساتي بين الفاعلين. ويعد هذا التوجه خطوة نوعية تروم توحيد المعايير ورفع مستوى التنافسية الإفريقية في الأسواق العالمية، من خلال الاعتماد على البيانات والتكنولوجيا الحديثة في تتبع مسار المعادن من المنبع إلى السوق.
- مراكش منصة دولية لتعزيز موقع المغرب في التعدين المسؤول
يأتي تنظيم المؤتمر الدولي للتعدين بالمغرب، الذي يمتد إلى غاية 26 نونبر، ليؤكد المكانة التي أصبح يحتلها المغرب كمرجع إقليمي ودولي في مجال التعدين المسؤول. ويعرف المؤتمر مشاركة واسعة من مؤسسات حكومية وهيئات صناعية إفريقية ودولية، ويبحث في محاور استراتيجية تشمل سلاسل القيمة المستدامة، الجيوسياسة المعدنية، السيادة على الموارد، وأدوار المعادن الاستراتيجية في الانتقال الطاقي.
كما تتخلل أشغاله جلسات متخصصة تتناول الجيومعادن، وتدبير الموارد المائية في المشاريع المنجمية، وتطوير الكفاءات، والممرات اللوجستية، إلى جانب جلسات تخصص حيزاً لمكانة المرأة في القطاع. وتشكل هذه النقاشات أرضية لإبراز مشاريع رائدة تسعى إلى إحداث تحول نوعي في الصناعة المعدنية على الصعيدين الوطني والإفريقي.
- خاتمة
يمثل توقيع مذكرة التفاهم بمراكش خطوة متقدمة ضمن مسار ترسيخ حكامة معدنية إفريقية متجددة، ويؤكد الدور الاستراتيجي الذي يضطلع به المغرب في قيادة مبادرات قارية قائمة على التعاون والتكامل والاستدامة. ويبدو واضحاً أن المملكة تتجه إلى لعب دور محوري في إعادة تشكيل الصناعة المعدنية بالقارة، بما يعزز موقعها كجسر بين إفريقيا والأسواق الدولية، وكفاعل أساسي في مواكبة التحولات الطاقية والصناعية للقرن الحادي والعشرين.
