بقلم : أحمد بومهرود باحث في الإعلام
منذ تأسيس الاتحاد المغاربي سنة 1989، ظل المغرب مؤمنًا بأن التكامل المغاربي هو الخيار الطبيعي لشعوب المنطقة، لما يجمعها من تاريخ ومصير مشترك. غير أن تعنت النظام الجزائري، وتمسكه بسياسات عدائية تجاه المغرب، جعلا هذا المشروع الإقليمي يدخل مرحلة جمود مزمن.
ورغم كل العراقيل، لم يتخلّ المغرب يومًا عن مدّ يده لأشقائه المغاربيين، مؤكدًا في كل مناسبة أن مستقبل المنطقة رهين بفتح الحدود وتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني. فالمملكة تنظر إلى الاتحاد المغاربي كقوة إقليمية ضائعة الفرصة، قادرة ( لو توحدت ) على خلق سوق تفوق 100 مليون نسمة، وتصبح فاعلًا مؤثرًا في المتوسط وإفريقيا.
لكن أمام انسداد الأفق المغاربي، اختار المغرب أن لا يرهن مستقبله السياسي والاقتصادي بالجمود الجزائري، فاتجه نحو فضاءات تعاون أرحب وأكثر انفتاحًا.
- إفريقيا.. الامتداد الطبيعي ورهان المستقبل
في العقد الأخير، تحوّل العمق الإفريقي إلى ركيزة مركزية في السياسة الخارجية المغربية. فقد نجح المغرب، بفضل رؤية ملكية استباقية، في بناء شبكة شراكات متينة مع عشرات الدول الإفريقية، جمعت بين الاستثمار والتنمية والتضامن الإنساني.
من خلال مبادراته المتعددة، أصبح المغرب اليوم فاعلًا رئيسيًا في التنمية الإفريقية :
-استثماراته البنكية والفلاحية تمتد إلى غرب ووسط إفريقيا.
-خبرته في مجال الطاقات المتجددة جعلته نموذجًا قاريًا في التحول الأخضر.
-مساهماته في تكوين الكفاءات الإفريقية في مجالات الطب والهندسة والفلاحة عززت حضوره كبلد شريك في التنمية لا كقوة وصاية.
كما أن المغرب تبنّى مقاربة إنسانية ومسؤولة في ملف الهجرة، جعلت منه بلد استقبال وتنظيم للهجرة بدل طردها. فالمملكة طورت سياسة وطنية للهجرة واللجوء تعد من الأكثر تقدمًا في المنطقة، واحتضنت في مراكش سنة 2018 الميثاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة تحت رعاية الأمم المتحدة، ما عزز مكانتها كصوت إفريقي مسؤول في القضايا الإنسانية.
- الريادة المغربية.. من الاقتصاد إلى الدبلوماسية
ريادة المغرب لم تعد مقتصرة على البعد الاقتصادي فحسب، بل امتدت إلى المستوى الدبلوماسي والسياسي.
فعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017 أعادت التوازن داخل المنظمة، وجعلته فاعلًا أساسيا في صياغة القرارات القارية.
كما بات المغرب اليوم بوابة إفريقيا نحو أوروبا بفضل بنياته التحتية المتقدمة مثل ميناء طنجة المتوسط وشبكات النقل الحديثة ومشاريع الربط الكهربائي.
في مجال الأمن الإقليمي، يساهم المغرب في دعم الاستقرار عبر التعاون الاستخباراتي ومحاربة الإرهاب والتطرف، مستندًا إلى تجربة وطنية ناجحة في الأمن الروحي والاعتدال الديني.
- بين الحلم المغاربي والطموح الإفريقي
يعيش المغرب إذًا بين فضاءين متناقضين في الدينامية: مغاربي متعثر بسبب خلافات سياسية ضيقة، وإفريقيا صاعدة تبحث عن التكامل والازدهار. لكن المملكة اختارت الرهان على الفعل بدل الانتظار، وعلى الشراكة بدل العداء.
فبينما تغلق الجزائر أبوابها أمام الحوار، يفتح المغرب جسور التعاون جنوبًا، مؤمنًا أن ازدهار إفريقيا هو ازدهار له، وأن التكامل الحقيقي لا يمكن أن يبنى على الشعارات، بل على المشاريع المشتركة والإرادة السياسية.
- خاتمة
إن رهانات التكتل الإقليمي بالنسبة للمغرب ليست مجرد طموح دبلوماسي، بل خيار استراتيجي يترجم رؤية واضحة لمستقبل مشترك أكثر استقرارًا وازدهارًا.
فالمملكة، بثباتها وانفتاحها، تثبت أنها صوت الحكمة والتعاون في منطقة تموج بالصراعات، وأنها تسير بخطى واثقة نحو بناء فضاء مغاربي وإفريقي متكامل، يجعل من التضامن ركيزة، ومن التنمية المشتركة أفقًا لا رجعة فيه.
التعاليق (0)