بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
دأبت بعض الأقلام في الصحافة الجزائرية، ومع كل أزمة داخلية أو ارتباك سياسي، على البحث عن “عدوّ خارجي” جاهز، وغالبًا ما يكون المغرب هو الخيار الأسهل والأكثر استهلاكًا. ومقال “الماك وميكي وموروكو” المنشور في جريدة الشروق، لا يخرج عن هذا السياق، بل يقدّم نموذجًا صارخًا لخطاب يخلط بين التاريخ والتهويل، وبين التحليل والاتهام المجاني.
أول ما يلفت الانتباه في المقال هو الإقحام القسري للمغرب في قضايا داخلية جزائرية محضة، لا تربطها بالمملكة المغربية أي صلة سياسية أو تنظيمية أو قانونية. فحركة “الماك”، مهما كان الموقف منها داخل الجزائر، هي نتاج ظروف داخلية جزائرية بحتة، تتعلق بتدبير التنوع، وبعلاقة الدولة بالمجتمع، وبمسارات سياسية معروفة في كل دول العالم. ربطها بالمغرب دون دليل، لا يخدم الحقيقة ولا يخدم الاستقرار، بل يكرّس عقلية المؤامرة التي أثبتت فشلها تاريخيًا.
ثم إن استعمال تسميات قدحية مثل “موروكو” أو الإيحاء بكون المغرب “مملكة العبيد”، لا يرقى إلى مستوى النقاش الصحفي المسؤول، ولا يعكس قوة الحجة بقدر ما يعكس أزمة خطاب. فالدول لا تُقاس بالأوصاف، بل بالمؤسسات، وبالاستقرار، وبقدرتها على بناء شراكات إقليمية ودولية. والمغرب، بشهادة الخصوم قبل الأصدقاء، اختار منذ عقود مسار الدولة الهادئة، المنفتحة، التي لا تتدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها، رغم الخلافات السياسية الواضحة.
أما محاولة ربط المغرب بفرنسا، أو بالصهيونية، أو بمخططات التقسيم، فهي إعادة إنتاج لخطاب قديم تجاوزه الزمن. فالمفارقة أن المغرب، الذي يُتَّهَم اليوم زورًا، هو نفسه البلد الذي احتضن مفاوضات السلام الإفريقية، وساهم في استقرار الساحل، ودعم قضايا التحرر في إفريقيا، وفتح أبوابه لملايين الجزائريين في أحلك فترات التاريخ دون منٍّ ولا مزايدة.
الأخطر في مثل هذه المقالات، ليس ما تقوله عن المغرب، بل ما تكشفه عن عجز عن مساءلة الذات. فالدول القوية لا تخشى النقاش الداخلي، ولا تحتاج إلى تصدير أزماتها نحو الخارج. والتاريخ الحديث مليء بالأمثلة التي تثبت أن الاستقرار لا يُبنى بالعداوة المصطنعة، بل بالحوار، والتنمية، واحترام التنوع.
المغرب، دولةً وشعبًا، لا يحتاج إلى الرد على كل اتهام، لكنه يرفض أن يكون وقودًا لحملات دعائية كلما ضاقت الخيارات. والمستقبل المغاربي، إن كان له أن يولد يومًا، فلن يُبنى على خطاب التخوين، بل على الاعتراف بأن مشاكل كل بلد تبدأ من داخله، وحلولها كذلك.


التعاليق (0)