المرأة المغربية والمسيرة الخضراء: رمز التضحية والوطنية الصادقة

أخبار وطنية

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

منذ انطلاق المسيرة الخضراء في السادس من نوفمبر سنة 1975، برهنت المرأة المغربية على أنها ركيزة أساسية في ملحمة وطنية ستبقى خالدة في ذاكرة الأمة. لم تكن المسيرة مجرد حدث سياسي أو خطوة دبلوماسية لاسترجاع الأقاليم الجنوبية، بل كانت تعبيرًا عميقًا عن وحدة الشعب المغربي، حيث لبّت النساء نداء الوطن بكل حب وإيمان، وشاركن طوعًا إلى جانب الرجال في هذه الصفحة المشرقة من تاريخ المغرب الحديث.

  • مشاركة طوعية تعبّر عن حب الوطن

لم تُجبر المرأة المغربية على المشاركة في المسيرة الخضراء، بل التحقت بها عن طواعية وإيمان عميق بعدالة القضية الوطنية. وقد كان الإقبال النسائي كبيرًا لدرجة أن السلطات اضطرت إلى تقليص عدد المشاركات، بعدما تقدّمت آلاف النساء بطلبات للانضمام إلى القافلة الوطنية نحو الصحراء. كان ذلك دليلًا واضحًا على الغيرة الوطنية التي تسكن قلوب نساء المغرب، وعلى روح التضامن التي جمعت كل فئات المجتمع حول هدف واحد: استكمال وحدة التراب المغربي.

  • المرأة المغربية في قلب المسيرة

في ميدان المسيرة، لم تكن المرأة مجرّد متفرجة أو مشاركة رمزية، بل كانت قلبها النابض ويدها العاملة. فقد ساهمت في إعداد الطعام للمشاركين، وفي غسل الملابس، وجمع الحطب، وإعداد الخبز في الرمال الساخنة، والسهر على راحة الآخرين. كانت تضحيتها تتجاوز التعب والحرّ والعطش، لتعبّر عن أصالة المرأة المغربية وقدرتها على الصبر والعطاء.
ومن بينهن نساء خرجن وهنّ حوامل، ولم يمنعهن ذلك من الانضمام إلى الركب الوطني، بل وضعت بعضهن مواليدهن في أرض المسيرة نفسها، في مشهد مؤثر يلخص عمق الانتماء وحب الوطن.

  • رمز للوحدة والتلاحم الوطني

جسّدت المرأة المغربية في المسيرة الخضراء معنى الوحدة الوطنية الحقيقية، إذ تلاشت كل الفوارق الاجتماعية والجغرافية والثقافية، وتوحّد الجميع حول راية واحدة وشعار واحد: “الله، الوطن، الملك”. كانت المرأة، كما الرجل، تسير بخطى ثابتة في الصحراء الممتدة، تحمل في قلبها الإيمان وفي يدها المصحف والعلم الوطني، لتؤكد للعالم أن المغاربة، نساءً ورجالًا، جسد واحد وروح واحدة.

  • التربية على الوطنية والوفاء

بعد انتهاء المسيرة، واصلت المرأة المغربية أداء رسالتها الوطنية، فغدت حافظة لذاكرة الوطن، وناشرة لقيم التضحية والوفاء في نفوس الأجيال الجديدة. روت للأبناء قصص المشاركة والفداء، وعلمتهم أن حب الوطن ليس شعارات، بل مواقف وتضحيات. هكذا استمرت روح المسيرة الخضراء في بيوت المغرب ومدارسه، بفضل تلك النساء اللاتي آمنّ بأن الوطن يُبنى بالتربية كما يُصان بالنضال.

  • تكريم مستحق وذاكرة خالدة

لم ينسَ المغاربة تضحيات النساء اللاتي شاركن في المسيرة الخضراء. فقد حظيت العديد منهن بتكريم واعتراف وطني، وحُفرت أسماؤهن في الذاكرة الجماعية كشاهدات على مرحلة تاريخية صنعن فيها المجد بصبرهن وإيمانهن. إن تكريم المرأة المغربية اليوم هو في حقيقته تكريم للوطن نفسه، لأن الوطن لا يقوم إلا على أكتاف أبنائه وبناته الأوفياء.

  • خاتمة

لقد أكدت المرأة المغربية من خلال مشاركتها في المسيرة الخضراء أنها شريكة في النضال وصانعة للتاريخ، وأن وطنيتها لا تقل عن وطنية الرجل، بل تتجاوزها في كثير من المواقف. فهي التي شاركت بإرادتها، وضحّت براحتها، وتحملت الصعاب من أجل الوطن.
وستظل المسيرة الخضراء شاهدًا خالدًا على قوة المرأة المغربية، وإخلاصها، وتفانيها في سبيل الوحدة والسيادة الوطنية، لتبقى رمزًا للعطاء والتضحية والوطنية الصادقة التي لا تعرف حدودًا.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً