بقلم : أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
عمر هلال أمام الأمم المتحدة: خمسون سنة بعد المسيرة الخضراء، المغرب يقدّم نموذجاً إفريقياً في السلام والاندماج الإقليمي
في لحظة تستحضر عبقرية المسيرة الخضراء وروحها الوحدوية، أطلّ السفير الممثل الدائم للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، من على منبر المنظمة الأممية بنيويورك، ليؤكد أمام اللجنة الرابعة للجمعية العامة أن الصحراء المغربية أصبحت، بعد خمسين سنة من استرجاعها، واحةً للسلام، وفضاءً للاندماج الإفريقي، ومختبراً للتنمية المشتركة.
- من استكمال الوحدة الترابية إلى بناء نموذج جهوي متكامل
استعاد السفير المغربي، في مداخلته، دلالات الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء التي مكنت من استرجاع الأقاليم الجنوبية سنة 1975، مشيراً إلى أن المغرب، منذ ذلك التاريخ، انخرط في مسيرة تنموية متواصلة مكّنت من تحويل الصحراء إلى منطقة مزدهرة، ومتصلة بباقي التراب الوطني على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وسلّط الضوء على سلسلة المشاريع الكبرى التي غيّرت وجه المنطقة، من بينها ميناء الداخلة الأطلسي الذي يشكل منصة استراتيجية للتجارة والاندماج الإقليمي، والطريق السريع تيزنيت–الداخلة، فضلاً عن مشاريع الطاقة النظيفة، والجامعات، والمستشفيات، والأقطاب التكنولوجية.
وأشار هلال إلى أن معدل الناتج الداخلي الخام للفرد في الأقاليم الجنوبية يعدّ من بين الأعلى في المملكة، ما يجعلها نموذجاً للجهوية المتقدمة وللتنمية المتوازنة التي تحقّق العدالة المجالية.
- الحكم الذاتي.. الرؤية المغربية الواقعية لحل النزاع
في معرض رده على الأطراف التي ما زالت تتبنى أطروحات متجاوزة، شدد السفير هلال على أن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 تمثل الحل السياسي الواقعي والوحيد القابل للتطبيق، والمنسجم مع قرارات مجلس الأمن وميثاق الأمم المتحدة.
وأوضح أن المبادرة تضمن لسكان الأقاليم الجنوبية إدارة شؤونهم بأنفسهم عبر مؤسسات منتخبة وسلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية مستقلة، ضمن السيادة المغربية، بما ينسجم مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وأكد الدبلوماسي المغربي أن هذه المبادرة ليست فرضاً أحادياً، بل إطار تفاوضي منفتح، يجسّد روح التوافق ويستجيب لنداء المجتمع الدولي الداعي إلى حلّ سياسي ودائم، يقوم على الواقعية والبراغماتية.
- تحول في موازين المواقف الدولية
أبرز هلال أن التوافق الدولي حول المقترح المغربي للحكم الذاتي يتسع بوتيرة متصاعدة، إذ باتت عشرات الدول، من مختلف القارات، تدعم المبادرة المغربية أو تفتتح قنصلياتها بالأقاليم الجنوبية، في تعبير واضح عن الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه.
وأضاف أن هذا الدعم “ليس ظرفياً ولا مجاملة دبلوماسية”، بل يعكس قناعة راسخة بأن مبادرة المغرب تمثل الحل الوحيد الواقعي والعادل، كما جاء في خطابات صاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي شدد على أن المجتمع الدولي بات مقتنعاً بأن هذه المبادرة تجسّد طريق السلام والاستقرار الدائم في المنطقة.
- الصحراء المغربية: من نزاع إقليمي إلى رافعة إفريقية
أكد السفير المغربي أن الصحراء المغربية تحوّلت اليوم إلى قطب إفريقي محوري، يحتضن مشاريع استراتيجية ذات بُعد قاري، من أبرزها:
+المبادرة الأطلسية من أجل تنمية إفريقيا الأطلسية،
+مشروع أنبوب الغاز نيجيريا–المغرب كجسر للطاقة والازدهار،
- مبادرة الساحل التي تهدف إلى تحقيق الأمن والتنمية في منطقة تواجه تحديات معقدة.
هذه المشاريع، بحسب هلال، تؤكد أن المغرب لم يعد ينظر إلى الصحراء من زاوية الدفاع الجغرافي فقط، بل باعتبارها بوابة استراتيجية نحو إفريقيا، ومحوراً للتعاون جنوب–جنوب، ومختبراً لسياسات الاستقرار الإقليمي.
- نداء إنساني من أجل إنهاء مأساة تندوف
لم تغب البُعد الإنساني عن كلمة السفير، إذ وجّه نداءً صادقاً إلى الأطراف التي تستغل مأساة المحتجزين في مخيمات تندوف، داعياً إلى “إنهاء هذا المنفى القسري وتمكين العائلات من العودة إلى الوطن الأم بكرامة”، مشدداً على أن معاناة المدنيين لا يمكن أن تبقى ورقة سياسية بيد أي طرف.
وأكد أن المغرب يمد يده دائماً للحوار، في إطار سياسة حسن النية والاحترام المتبادل، مستشهداً بدعوة جلالة الملك إلى “إيجاد حل توافقي لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف”.
- خاتمة: من خطاب الدفاع إلى خطاب الريادة
يمكن القول إن خطاب عمر هلال في الأمم المتحدة شكّل نقطة تحوّل دبلوماسية، إذ لم يعد المغرب يكتفي بتفنيد الادعاءات، بل أصبح يقدم نموذجاً عملياً في الاستقرار والتنمية والانفتاح الإفريقي.
لقد انتقلت قضية الصحراء المغربية من مرحلة النزاع المفتعل إلى مرحلة التثبيت الدولي للواقع الميداني، حيث أصبحت الأقاليم الجنوبية فضاءً للتنمية والتعايش، وركيزة لسياسة المغرب الإفريقية الجديدة، التي تُلهم القارة بأكملها.
فخمسون عاماً بعد المسيرة الخضراء، تثبت الصحراء المغربية أنها ليست فقط أرضاً للوحدة الترابية، بل عنواناً لمستقبل إفريقي أكثر تكاملاً وسلاماً.
التعاليق (0)