الشاشة القاتلة: التنمّر الإلكتروني خطر صامت يهدّد حياة الشباب

مجتمع

إعداد: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

في عصرٍ تتداخل فيه الواقعية مع الافتراضية، وتصبح الشاشات جزءًا لا يتجزأ من حياة الإنسان اليومية، ظهر شكل جديد من العنف لا يُرى بالعين المجردة، لكنه يترك آثارًا نفسية وجسدية قاتلة. إنه التنمّر الإلكتروني، الوجه الرقمي للعنف النفسي، الذي لا يفرق بين طفل أو مراهق، طالب أو موظف، أنثى أو ذكر.

تُظهر الإحصاءات العالمية، ومن بينها تقارير صادرة عن منظمة اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية، أن التنمّر الإلكتروني أصبح من أبرز التحديات النفسية التي تواجه الأجيال الصاعدة، وقد ساهم بشكل مباشر في ارتفاع معدّلات الاكتئاب، العزلة، وتعاطي المخدرات، بل وحتى الانتحار.

ما هو التنمّر الإلكتروني؟

يعرف التنمّر الإلكتروني بأنه:
“كل سلوك عدواني أو إيذائي يمارس عبر الوسائط الرقمية، بهدف إلحاق الأذى النفسي أو المعنوي بالضحية، سواء من خلال التهديد، التشهير، الإهانة، السخرية، أو النبذ الاجتماعي.”

ويكمن خطورته في كونه لا يتقيّد بزمان أو مكان؛ فهو يلاحق الضحية في غرفتها، في هاتفها، وفي كل مكان تصله فيه شبكة الإنترنت. كما أنه غالبًا ما يُمارس من خلف شاشات مجهولة، ما يزيد من شعور الضحية بالعجز والعزلة.

وقائع حقيقية تهزّ الوجدان

تتعدد القصص التي تعكس الوجه المأساوي للتنمّر الإلكتروني، ومن بينها:

آرون شوارتز (الولايات المتحدة، 2013): شاب عبقري في البرمجة، واجه حملة ضغط نفسي وقانوني بعد تحميله أبحاثًا أكاديمية لصالح العامة. لم يكن ضحية تعليق ساخر، بل ضحية بيئة رقمية خالية من الدعم، ما أدى به إلى الانتحار.

ليندا (فرنسا، 2023): فتاة في الـ13 من عمرها، أصبحت هدفًا لموجة تنمّر على “تيك توك” بعد نشر صورة مفبركة لها. ورغم تدخل والدتها، تجاهلت المدرسة والمنصة المعنية القضية، لتنتهي حياة ليندا بعبارة وداع موجعة.

وفاء (المغرب، 2025): شابة مغربية من مدينة خنيفرة، تعرّضت لحملة ابتزاز وتشهير على مواقع التواصل. ضعف الحماية القانونية دفعاها إلى قرار مأساوي بإنهاء حياتها.
من المسؤول؟

  1. المنصات الرقمية
    تلعب خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في انتشار المحتوى المسيء، حيث تعطي أولوية للمحتوى “المثير للجدل”، لأنه يحقق تفاعلًا وربحًا. ورغم وجود “أزرار تبليغ”، فإن الاستجابة غالبًا ما تكون بطيئة وغير فعالة.
  2. الأسرة
    يجهل الكثير من الآباء والأمهات ما يجري داخل هواتف أبنائهم. وبين الانشغال اليومي والتقليل من خطورة “مشاكل الإنترنت”، تُترك الضحية وحيدة في مواجهة الجحيم الرقمي.
  3. المدرسة
    لا تزال كثير من المؤسسات التعليمية تنظر إلى التنمّر الإلكتروني كأنه تصرّف طائش بين اليافعين، دون إدراك لتبعاته النفسية. كما أن غياب الدعم النفسي داخل المدارس يُفاقم الوضع.
  4. القانون
    في أغلب البلدان العربية، يفتقر الإطار القانوني للتحديثات اللازمة لحماية الأفراد من العنف الرقمي. وغالبًا ما تُعفى الشركات التقنية من المساءلة، في ظل ثغرات تشريعية واضحة.
    ما الحل؟ خطوات عملية لمواجهة الخطر
  • التربية الرقمية داخل الأسرة

-فتح قنوات حوار دائمة مع الأبناء حول تجاربهم الرقمية.
-تثقيف الأهل حول آليات الحماية والمراقبة دون انتهاك الخصوصية.
-بناء ثقة تجعل الطفل قادرًا على الإبلاغ دون خوف أو خجل.

  • تشريعات واضحة وصارمة

-سنّ قوانين تجرّم بشكل مباشر التنمّر الإلكتروني بجميع أشكاله.
-وضع آليات تبليغ سريعة وفعالة.
-تحميل المنصات مسؤولية حذف المحتوى المؤذي وتعويض الضحايا.

  • إدماج الدعم النفسي في المؤسسات التعليمية

-تعيين مستشارين نفسيين متخصصين في المدارس.
-تنظيم ورشات توعية للطلبة حول الصحة النفسية والسلامة الرقمية.
-تدريب المدرسين على اكتشاف علامات التنمّر ومتابعة الحالات.

  • دور الإعلام والفن والمؤثرين

-إطلاق حملات وطنية توعوية تسلط الضوء على خطورة التنمّر.
-إشراك الفنانين والمؤثرين في نشر رسائل إيجابية وتثقيفية.
-توجيه رسائل تحسيسية تُظهر أن التنمّر قد يؤدي إلى نتائج مأساوية.

  • خاتمة: كلمة قد تقتل… وصمت قد يشارك في الجريمة
    التنمّر الإلكتروني ليس مجرد “مزحة ثقيلة” أو “سوء تفاهم”، بل هو عنف نفسي حقيقي قد يجرّ الضحية إلى هاوية الاكتئاب والانتحار.
    في مواجهة هذا الخطر، لا يكفي إلقاء اللوم على طرف دون آخر. نحن بحاجة إلى تحرّك جماعي: تشريعي، تربوي، نفسي، وتقني.
    لنحمِ أبناءنا من أن تكون آخر لحظة في حياتهم مختومة بكلمة جارحة،أو تعليق قاتل.
    ولنصنع من الإنترنت فضاءً آمنًا، يُعبّر فيه الجميع بحرية، لكن دون إيذاء.