لن يتبادر إلى ذهن أيّ شخص ضَبط ساعته على موعد مقابلة الإياب بين فتيات المنتخب الوطني المغربي ضدّ نظيراتها الجزائرية ضمن تصفيات المؤهلة لكأس العالم أن يصله خبر حجب هذه المقابلة الرياضية عن القنوات الرياضية الفضائية وحرمان أنصار وجماهير البلدين وحتّى أبناء المهجر من متابعة أجواء الفرجة وحدّة التنافس بين المنتخبين خاصّة وان الأمر يتعلق بالكرة النسائية التي بدأنا جميعا متأخرين في الإهتمام بها وتشجيعها وخلق جملة حوافز من بينها واهمّها النقل التلفزي لمختلف المقابلات بصيغة المؤنث ولو في مستوياتها الأدنى فكيف إذا تعلّق الأمر بمقابلات تحت لواء الفيفا والكاف.. حيث أن النقل التلفزي ومناقشة المقابلة في الاستوديوهات الرياضية عبر محللين متخصصين وغيرها من أدوات التسويق كل ذلك يصبّ في
تعزيز ثقافة المساواة داخل اي مجمتع في أفق مجتمع المناصفة والعدل الإجتماعي..
من هنا صنّف نقل التظاهرات الثقافية والرياضية كمظهر حضاريّ يرتقي إلى مستوى الحوار والتقارب بين الشعوب والإثنيات..
ومن هنا أيضا اعتبر أن هذا الحجب لفعاليات المقابلة بين المنتخبين المغربي والجزائري مظهر من مظاهر التخلف والإنغلاق والتقوقع على نرجيسية مرضية تعيش حالة انفصام بين واقعها واوهامها..كحالة هذا النظام العسكري الهجين الذي لم يخرج من هزيمة نكراء أمام خريطة اقمصة نهضة بركان حتّى ضاقت به الدنيا في منع الراية المغربية بأقمصة لبوؤتنا بأرض الجزائر.. دون أن ينتبهوا انهم بهذا القرار البئيس والمتخلف قد أهانوا بشكل مباشر منتخب بلادهم بالدرجة الأولى قبل أيّ أحد..
إهانة للفتاة الجزائرية باعتبارها خارج اهتمامات الدولة ولا تستحقّ التشجيع أو المتابعة لفعالياتها ولو في المستوى الدولي فكيف بالمحلي.. وبالمناسبة ألم يقص منتخب سيدات هذا البلد المقهور من تصفيات كأس إفريقيا لأن الفاف نسيت عملية تسجيل المشاركة داخل الأجيال المحدّد..
هذا هو التفسير الوحيد لهذا الحجب العسكري لمقابلة رياضية فتيانية لاغير..
وأجد نفسي لا أميل إلى الطرح الذي يغلّب خوف النظام من الهزيمة داخل بلدهم..
لأنّه – وبكل بساطة – لا عنوان للهزائم إلا قصر المرادية وهذا اليوم بالضبط لم يستفق وليد صادي الوجه المدني للقبعة العسكرية من قرار الفيفا بمنع المنتخبات الوهمية حتى نام على وقع هزيمة لمنتخب بلاده بأربعة أهداف لصفر وداخل الجزائر طبعا..بعد أن أغمي على الرئيس تبّون لحظة قراءة البيان الختامي للقمة العربية بالبحرين اول امس
هي الجزائر الخسائر منذ نشأتها وإلى الآن.. أو كما قال السفير المغربي عمر هلال.. ( الجزائر تعاني من متلازمة التقزّم)
وهو وصف دقيق لمسار هذا الإقليم الفرنسي الذي لن يستطيع النمو والتقدم لعاهة بنيوية داخل مفاصل دولته التي بدأت وانتهت مع حرب الرمال 63 وما زلت تعتبر مرجعا مفصليا في سياسة العداء اتجاه بلدنا..
والخطير أن هذا المرض البنيوي قد انتقل وبسرعة إلى مختلف الفئات الإجتماعية بشكل رهيب و ممنهج استطاعت هذه العسكرانية حَشو عقول الجزائريين بثقافة مليئة بالحقد والعنف التاريخي اتجاه المغرب، بل يحملون الكثير من العُقد النفسية والأحكام الجاهزة تجاه كل ما هو مغربي، وبات أغلبهم غير مهتم بمعرفة الحقيقة، بل بما تعلموه على مدى عقود من الرجعية الفكرية والتدليس الثقافي و”النصب التاريخي” الذي دُرس لأجيال بكاملها في المدارس والجامعات وعبر الإعلام المتخلف في البلاد.
اليوم، وبعد ما يزيد عن نصف قرن من الإيمان بـ”المصير المشترك” الا يدفعنا هذا الوضع إلى تغيير سياستنا اتجاه هذا الجوار
وكما قال المفكر المغربي عبد الله العروي في آخر إصدارته “دفاتر كوفيد” فقد
“آن الأوان للمغرب أن يدير ظهره كليا للجزائر”. مضيفا أن المغاربة يواصلون “القول إننا شعب واحد، ولكن الحقيقة أننا في مواجهة شعب آخر” وزاد:
“لا نعرف ماذا يَتعلم الشباب الجزائري في أقسام الدراسة حول ماضيهم، وماضي الجيران. لا نعرف ماذا يُدرس لهم بمدارس الإدارة والثانويات العسكرية. ما يتعلمه الموظفون والدبلوماسيون والضباط، وغيرهم، طوال سنوات، ويواصلون قراءته في المنشورات الرسمية.. وكل هذا، لن يمحى من عقولهم بين ليلة وضحاها ”
هي خلاصة للمفكر المغربي عبد الله العروي عن هذا البلد الذي استنبث بجوارنا
وأستذكر هنا جملة تاريخية لها مدلولها للجنيرال الفرنسي ليوطي :
” حين دخلنا إلى المغرب وجدنا ملكا في وطنه ، بينما في الجزائر لم نجد سوى ( الداي حسين العثماني) الذي فر الى وطنه بمجرد دخولنا”.
نعم قد تجمعنا – قهراً – هذه الجغرافيا لكن التاريخ يفصلنا وهو أحد أسباب إعاقتكم الأبدية..
فلسنا غافلين عما يدور حولنا.. بل نحب الاستمتاع بمشاهدة مسرحياتكم..رغم أننا نعرف النهاية جيّدا :
وهي عجزكم على حجب هزائمكم
يوسف غريب كاتب /صحافيّ