البرّ بالوالدين.. سرّ المغاربة في التفوق والنجاح

مجتمع

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

لم يعد نجاح المغاربة في ميادين الرياضة والفن والعلم مجرد صدفة أو ثمرة موهبة فطرية فحسب، بل أصبح علامة مميزة تحمل في طياتها قيماً إنسانية وروحية عميقة، يأتي في مقدمتها البرّ بالوالدين والاعتزاز بالأصل والأسرة.
ففي زمنٍ غلبت فيه المظاهر المادية على العلاقات الإنسانية، يواصل اللاعبون المغاربة تقديم دروسٍ بليغة للعالم في الوفاء للأسرة والاعتراف بفضل الوالدين، معتبرين ذلك مصدر قوتهم وسرّ تألقهم.

لقد شاهدنا، خلال السنوات الأخيرة، كيف تحوّل مشهد احتفال اللاعبين المغاربة مع أمهاتهم وآبائهم إلى صورةٍ رمزية تجسّد الأصالة المغربية والهوية المتجذّرة في القيم الإسلامية والإنسانية.
من مونديال قطر إلى الملاعب الأوروبية والأمريكية، ظلّ المشهد واحدًا: لا فخر بلا برّ، ولا مجد بلا شكرٍ للوالدين.
من منا ينسى دموع الأمهات وهنّ يُحتضنَّ بفخرٍ من قِبل أبنائهنّ بعد الانتصارات الكروية؟ ومن منا لا يتأثر عندما يرى لاعبًا يركع ليقبّل رأس أمه قبل أن يرفع الكأس؟
وليس الأمر مقتصرًا على لحظة عاطفية عابرة، بل هو تعبير عن منظومة قيمية راسخة في المجتمع المغربي، حيث يُعدّ الوالدان مصدر البركة والتوفيق، والاحترام لهما قاعدة تربوية متينة.
وقد عبّرت والدة اللاعب المغربي الزهواني في تشيلي عن هذا المعنى حين قالت، بفخرٍ وامتنان، إن ابنها “بمجرد فوزه مع المنتخب، اشترى لنا منزلاً وغيّر حياتنا، فأخرجنا من دائرة الفقر”.
هذه الجملة البسيطة تختصر الكثير: فهي تبرز أن النجاح في نظر المغربي لا يُقاس بالشهرة أو المال فقط، بل بقدر ما يستطيع أن يرد الجميل لمن ربّاه وسهر عليه.

إنّ هذه الروح العائلية التي يحملها اللاعب المغربي، والتي تتجلى في احترامه لأصوله وتقديره لتعب والديه، هي التي تمنحه توازنه النفسي وثقته بنفسه.

فحين يعرف الإنسان من أين أتى، يصبح أقدر على معرفة إلى أين يسير.
ولذلك، فإن سرّ تفوق المغاربة في ميادين متعددة، من الرياضة إلى العلوم والفنون، يكمن في هذا الانسجام بين الطموح الشخصي والواجب الإنساني، بين السعي نحو العالمية والوفاء للجذور.
في عالمٍ يزداد فيه الفردانية، يقدّم المغاربة نموذجًا حضاريًا فريدًا:
أن تكون ناجحًا لا يعني أن تنسى من كنتَ يومًا في رعايته،
وأن تصل إلى القمة لا يعني أن تدير ظهرك لمن دفعك لتبدأ الرحلة.
وهكذا يثبت المغاربة، مرة بعد أخرى، أن البرّ بالوالدين ليس مجرد خُلقٍ ديني أو اجتماعي، بل هو مفتاح النجاح الحقيقي، وسرّ تفوقهم الذي يدهش العالم في كل مجال يخوضونه.

ولا يكتمل الحديث عن البرّ والوفاء دون التذكير بأنّ حبّ الوطن هو أيضًا جزء من هذا السموّ الأخلاقي الذي يميز المغاربة.

فكما لا ينسى المغربي فضل والديه عليه، فإنه لا ينسى فضل وطنه الذي منحه الهوية والانتماء والكرامة.
ومن يُكرم والديه لا بدّ أن يُكرم وطنه، بالعمل والاجتهاد والتمثيل المشرف في كل الميادين.

ولعلّ أجمل صورة لذلك، هي حين يرفع اللاعب المغربي علم بلاده عاليًا بعد كل إنجاز، فيمزج بين البرّ بالوالدين والولاء للوطن في لوحة واحدة من الفخر والعرفان.

هكذا يثبت المغاربة أنّ النجاح الحقيقي هو الذي يجمع بين الوفاء للأسرة والإخلاص للوطن، لأنّ من عرف جذوره، أحبّ أرضه، وسعى لرفع رايتها بين الأمم.