الأركان… حين تمرض ذاكرة الوطن وتسكت الألسنأكادير والجهات

الأركان… حين تمرض ذاكرة الوطن وتسكت الألسن


بقلم: أحمد بومهرود، باحث في الإعلام والصناعة الثقافية

لا أكتب اليوم عن شجرة عادية.
أكتب عن الأركان، تلك الشجرة التي لا تزال، رغم كل ما تعانيه، تقف في صمت على سفوح الأطلس وسهول سوس، وكأنها ترفض أن تنحني، حتى وهي تُحتضر.
شجرة لم تكن يوماً مجرد كائن نباتي، بل كانت ذاكرة جماعية، وعصباً اجتماعياً، وسوراً بيئياً يحمي الأرض والناس معاً.
كبرتُ وأنا أسمع أن الأركان “وصية الأرض لأبنائها”، لكنني اليوم، وأنا أرى هذه الوصية تُهدر أمام أعيننا، أشعر بالخجل.
كيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟ كيف تُترك هذه الشجرة النادرة تموت، ونحن نملك المؤسسات، والجمعيات، والتمويلات، والخبرات؟
صحيح أن الجفاف له دوره، وأن التغير المناخي يؤثر، لكن الحقيقة أن جزءاً كبيراً من المشكل اليوم هو الإهمال والتهاون.
ففي كل سنة، نفقد آلاف أشجار الأركان، حتى في مواسم الأمطار.
هل من الطبيعي أن لا يطرح أحد هذا السؤال الجوهري: هل الشجرة مريضة؟
أنا أعتقد أنها مريضة فعلاً، وأن أعراض هذا المرض ظاهرة للعيان، لكن لا أحد يريد أن يسمع.
لم نرَ إلى اليوم دراسات ميدانية جدية تأخذ عينات من الأشجار المصابة. لم نسمع عن خبراء بيئيين دُعوا لتشخيص الوضع.
أين ذهبت الجمعيات التي تُراكم الدعم باسم حماية الأركان؟ لماذا لم تبادر؟ لماذا لم تتحرك حين بدأت الأشجار تذبل بالجملة؟
هل يُعقل أن تُصرف الملايين على شعارات، بينما الغابة تموت ببطء؟
إن ما يحدث هو تضييع لفرصة، وأخشى أن يصبح لاحقاً جريمة صمت موثقة.
شجرة الأركان ليست ملكاً لجيل واحد، بل هي إرث مشترك، ومسؤولية لا يمكن أن يتنصل منها أحد.
وأقولها بوضوح:
إذا لم يُفتح نقاش وطني شجاع حول واقع هذه الشجرة، وإذا لم تتدخل الدولة والمؤسسات بجدية، وإذا لم نُسائل الجمعيات، ونربط الدعم بالمردودية، ونشرك العلماء والخبراء والساكنة المحلية… فإن الأركان ستتحول من “ذهب سائل” إلى “ذاكرة ميتة”.
نحن لا نخسر فقط أشجاراً، بل نخسر جذوراً وهوية وركناً من أركان الاستقرار في القرى والبوادي.
ولعل ما يزيد من خطورة ما يحدث هو أن شجرة الأركان لا توجد إلا في المغرب، وبالضبط في الشريط الجغرافي الممتد بين آسفي وكلميم.
إنها شجرة متفردة عالمياً، وقد تم تصنيفها ضمن التراث الإنساني العالمي من طرف اليونسكو، ما يجعل مسؤوليتنا في حمايتها مضاعفة، لا باعتبارها فقط ثروة بيئية أو اقتصادية، بل لأنها رمز وطني وإنساني بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
فهل نتحرك اليوم، أم ننتظر أن تُصبح الأركان مجرد اسم على لوحة تذكارية؟

التعاليق (0)

اترك تعليقاً