استهلّت أسواق المعادن الثمينة تعاملات اليوم الجمعة 19 شتنبر 2025، على إيقاعٍ حذر، إذ بقي الذهب بلا اتجاهٍ واضح مع تركيز المتعاملين على ما سيلي خفض الفائدة الأمريكية الأخير من تلميحاتٍ وسياسات. فعلى الرغم من استئناف مجلس الاحتياطي الفيدرالي دورة التيسير بخفضٍ قدره ربع نقطة مئوية، فإن الإشارة المصاحبة، وخاصة التحذير من ضغوط تضخمية “عنيدة”، لم تمنح السوق خارطة طريق دقيقة بشأن وتيرة الخفض المقبلة، وهو ما أبقى شهية المخاطرة محدودة قرب مستويات قياسية.
بحلول الساعة 06:35 بتوقيت غرينتش، استقرّت عقود الذهب الآجلة لشهر ديسمبر في بورصة كومكس عند 3679.40 دولارًا للأونصة، بزيادة هامشية قدرها 0.03% مقارنة بسعر الإغلاق السابق. وفي السوق الفورية، تمّ تداول المعدن الأصفر حول 3647.21 دولارًا للأونصة، بارتفاع طفيف نسبته 0.08%. هذه التحركات الخجولة تعكس مزيجًا متضاربًا من المحفزات: فخفض تكاليف الاقتراض يُفترض أن يدعم الأصول غير المولِّدة للعائد مثل الذهب، لكن ارتفاع عوائد الخزانة وقوة الدولار في أعقاب المؤتمر الصحفي للفيدرالي كبحت الأثر الإيجابي المفترض للتيسير.
الزاوية الأكثر حضورًا في مزاج المتعاملين هي معادلة «الدولار/العوائد». فكلما تشبّثت عوائد السندات الأمريكية بمستويات مرتفعة، ازدادت تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب، فيما يؤدي صعود العملة الخضراء إلى تقليص القدرة الشرائية لحائزي العملات الأخرى، وهو ما يضغط عادةً على الأسعار المقوّمة بالدولار. وفي هذا السياق، يلاحظ محللون أن خفضًا واحدًا فقط بات مُسعّرًا على نطاق واسع في عام 2026، ما يرسّخ توقعات بعوائد أعلى نسبيًا لفترة أطول ويحدّ من زخم الذهب على المدى القصير. ويقول كايل رودا، المحلل لدى «كابيتال دوت كوم»، إن المعنويات “ما تزال جيدة لكنها هدأت قليلًا؛ الفيدرالي لم يقدّم توجيهًا كافيًا حول وتيرة التيسير لدفع المعدن إلى موجة صعود جديدة”، مضيفًا أن “بيانات أمريكية أضعف قد تكون العنصر الحاسم لقلب المسار ودفع السعر فوق 3700 دولار”.
على المستوى الأساسي، ما زال الذهب مدعومًا بعوامل أعمق من مجرد دورة الفائدة: استمرار الشراء القوي من البنوك المركزية حول العالم بحثًا عن التنويع والتحوّط، اتساع بؤر التوتر الجيوسياسي، وتزايد الإقبال الاستثماري على الملاذات مع كل نوبة تذبذب في الأسهم أو السندات. غير أن هذه الدوافع الهيكلية تتعايش حاليًا مع ضغوط تكتيكية مصدرها الدولار والعوائد، فتنتج حركة نطاقية ضيّقة بين جني أرباحٍ عند القمم التاريخية ومحاولات اختبار مقاومات نفسية قرب 3700 دولار.
السؤال المطروح لدى مديري المحافظ هو ما إذا كان كسر حاجز 3700 ممكنًا قبل اتضاح مسار التيسير. الإجابة، على الأرجح، ستعتمد على ثلاثة مسارات مترابطة: قوة الدولار، اتجاه عوائد السندات لأجل 10 سنوات، ووتيرة تباطؤ التضخم الأساسي في الولايات المتحدة. أي مفاجأة سلبية في بيانات النمو أو مكونات التضخم قد تُضعف العوائد وترخّص الدولار، فتمنح الذهب الوقود اللازم لاختراق جديد. وفي المقابل، استمرار صلابة الاقتصاد الأمريكي سيُبقي الضغوط قائمة ويغري بمزيد من جني الأرباح عند كل اقتراب من الذرى.
بالنسبة للمستثمر الفردي، تظل إدارة المخاطر أولوية عند هذه المستويات التاريخية. الاستراتيجيات المتدرجة في بناء المراكز، أو استخدام أوامر وقف خسارة ديناميكية، قد تكون أكثر ملاءمةً من الشراء المباشر عالي الرافعة، خصوصًا مع ارتفاع الحساسية لكل سطرٍ جديد في خطابات مسؤولي الفيدرالي أو نشرات البيانات الشهرية. وفي المدى المتوسط، يبقى الميل الصاعد قائمًا ما دامت العوامل الهيكلية المذكورة (تنويع الاحتياطيات، المخاطر الجيوسياسية، هشاشة النمو العالمي) حاضرة، لكن إيقاع الصعود سيبقى رهينًا بتوازن دقيق بين التيسير النقدي من جهة، ومسار الدولار والعوائد من جهة أخرى.
التعاليق (0)