بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
في الوقت الذي يحتفل فيه العالم باليوم العالمي للطفل، وترتفع أصوات اليونيسف والمنظمات الحقوقية للتذكير بضرورة حماية الطفولة وضمان حقها في التعليم والصحة والتعبير، يعيش آلاف الأطفال في مخيمات تندوف فوق التراب الجزائري واقعًا مأساويًا يناقض كل مبادئ اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدتها الأمم المتحدة في 20 نونبر.
فمع كل شروق شمس، يستيقظ هؤلاء الأطفال على عالم صاغته قرارات لم يختاروها: طفولة منكوبة، حقوق مسلوبة، وأحلام تُقتل في المهد. وإذا كان اليوم العالمي للطفل مناسبة دولية لترسيخ ثقافة الإصغاء للأطفال ودعم حقوقهم، فإنّ أطفال تندوف (وخاصة الأطفال المغاربة المحتجزين هناك)يمثلون حالة صارخة لغياب هذه الحقوق في أبسط معانيها.
- من الالتزام الدولي إلى واقع الانتهاك: التناقض الفاضح
تؤكد الأمم المتحدة أن حقوق الطفل ثابتة وعالمية وغير قابلة للتصرف، وتشدد على حق الأطفال في التعلم والحماية والعيش بكرامة. لكن في تندوف، تصادر هذه الحقوق بشكل ممنهج، وتتواصل تقارير المنظمات الدولية بشأن:
-تجنيد الأطفال دون 17 سنة في الميليشيات المسلحة.
-استغلالهم في الدعاية السياسية بعيدًا عن أي بيئة تربوية أو تعليمية.
-حرمانهم من الهوية والوثائق الرسمية، وإبقاؤهم خارج أي نظام قانوني أو إداري معترف به دوليًا.
-تقييد حرية الحركة ومنع عائلاتهم من العودة إلى المغرب.
إنّ هذه الأفعال لا تمثل فقط انتهاكات جسيمة لاتفاقية حقوق الطفل، بل ترقى إلى جرائم ضد الطفولة تستوجب المساءلة الدولية.
- المنتدى الإفريقي لبرلمان الطفل… حين ترفع إفريقيا صوتها
وفي الرباط، وخلال انعقاد المنتدى الإفريقي لبرلمان الطفل تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، برزت رؤية مغربية إفريقية جديدة قوامها:
-تعزيز مشاركة الطفل في صنع القرار.
-بناء بيئات آمنة ودامجة للأطفال.
-مواجهة تحديات التعليم والصحة والحماية.
-اتخاذ مبادرات قارية مشتركة لوقف استغلال الأطفال.
وقد أكد رئيس مجلس النواب أن إفريقيا تواجه تحديات خطيرة تمس الطفولة، وأن توحيد الجهود القارية بات ضرورة وليست خيارًا. كما شدّدت السيدة غزلان بنجلون، نائبة رئيسة المرصد الوطني لحقوق الطفل، على أن إفريقيا لا يمكن أن تبني مستقبلها دون حماية أطفالها من التجنيد، العنف، والزواج المبكر، والاستغلال.
هذا النقاش الإفريقي المعمق يجعل ما يحدث في مخيمات تندوف تناقضًا صارخًا مع الالتزام الإفريقي المشترك بحماية الطفل.
- من التعليم إلى الاستغلال… نموذج تندوف الأكثر قسوة
ناقشت إحدى الورشات في المنتدى موضوع “من التعليم إلى الاستغلال: تشغيل الأطفال حقيقة إفريقية”. وإذا كان هذا واقعًا مؤسفًا في بعض مناطق القارة، فإنّ مخيمات تندوف تمثل أقسى صوره:
-انعدام مؤسسات تعليمية حقيقية.
-استخدام الأطفال في الأعمال العسكرية وشبه العسكرية.
-فصلهم عن أسرهم ونقلهم أحيانًا خارج المخيمات دون موافقة الوالدين.
-التلاعب بهويتهم الوطنية، إذ يتم انتزاع الأطفال المغاربة من جذورهم ومنعهم من العودة إلى وطنهم.
إنّ هذه الوضعية تجعل من كل طفل هناك ضحية تُصادر طفولته ومستقبله، في غياب أي رقابة دولية حقيقية داخل المنطقة التي تبقى تحت سيطرة الميليشيات وليس الدولة المضيفة.
- نداء عاجل إلى المنتظم الدولي: أنقذوا أطفال تندوف
اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، يجب أن يتحول اليوم العالمي للطفل من مجرد مناسبة احتفالية إلى منصة لفضح الانتهاكات الصارخة في تندوف.
وعليه، فإنّنا نتوجه بنداء إنساني وحقوقي إلى:
-الأمم المتحدة واليونيسف لممارسة الضغط الفوري من أجل وقف التجنيد القسري للأطفال.
-مجلس الأمن لإيفاد بعثة تحقيق دولية مستقلة إلى مخيمات تندوف.
-المنظمات الدولية والإفريقية لوضع ملف أطفال تندوف على رأس أولوياتها.
-الجزائر باعتبارها الدولة المضيفة، لتحمل مسؤولياتها القانونية والإنسانية تجاه حماية الأطفال فوق أراضيها.
كما ندعو إلى إطلاق برنامج إفريقي مشترك، تحت إشراف الاتحاد الإفريقي والمرصد الوطني لحقوق الطفل، لإعادة إدماج الأطفال المجندين وتوفير مسارات تعليمية ونفسية لهم.
- الطفل صوت المستقبل… فلنصغ إليه قبل فوات الأوان
إنّ الأطفال ليسوا مجرد أرقام في تقارير دولية، بل هم أرواح وحيوات ومستقبل. وحرمان طفل واحد من حقه في التعليم والأمان هو جرح في ضمير الإنسانية.
وفي الوقت الذي تدعو فيه اليونيسف العالم إلى “الإصغاء إلى المستقبل”، يجب أن نُصغي أولًا إلى صرخة الطفل المغربي في تندوف، ذلك الطفل الذي ينتظر من المجتمع الدولي أن يعيد إليه حقه المسلوب: حقه في الحياة، في المدرسة، في العائلة، وفي الوطن.
لقد آن الأوان لوقف هذا النزيف الإنساني، ولإطلاق حملة دولية عاجلة لإنقاذ أطفال تندوف. فكل يوم يمر، يضيع معه مستقبل طفل… ومستقبل قارة بأكملها.
