هزّت مدينة آسفي، يوم الإثنين 10 يونيو 2024، فاجعة مؤلمة تمثلت في انتحار فتاة في مقتبل العمر، بعد أن ألقت بنفسها من أعلى جرف أموني بكورنيش المدينة.
ووفقًا لأقاربها، فقد كانت الفقيدة من بين المترشحين لامتحانات البكالوريا، إلاّ أنّ اللجنة المشرفة على حراسة أحد الامتحانات التي كانت تجتازها صباح ذلك اليوم، ضبطتها في حالة غشّ، فتمّ طردها من قاعة الامتحان.
إنّ هذه الحادثة المأساوية تُدقّ ناقوس الخطر وتُلقي بظلالها القاتمة على مجتمعنا، وتُحتم علينا وقفة تأمل عميقة لاستخلاص الدروس والعِبَر. فما الذي دفع هذه الفتاة الشابة إلى اتخاذ قرار إنهاء حياتها بهذه الطريقة المأساوية؟ هل شعرت بالضغط النفسي الكبير بسبب الامتحانات؟ أم أنّها واجهت معاملة قاسية من قبل أحد أفراد طاقم الامتحانات؟ أو ربما كانت تعاني من مشاكل نفسية أخرى دفنتها في أعماقها؟
مهما كانت الأسباب، تبقى هذه الفاجعة بمثابة جرح عميق في جسد مجتمعنا، وتُحتم علينا مراجعة سلوكياتنا وتصرفاتنا بشكل جادّ. فلا يمكننا إنكار وجود بعض الممارسات الخاطئة التي قد تُمارس من قبل بعض أفراد المجتمع، سواء في المؤسسات التعليمية أو في غيرها، ممّا قد يُؤثّر سلبًا على نفسية الشباب ويُشعِرهم باليأس والإحباط.
لا شكّ أن ظاهرة التعصب في المدارس قد باتت ظاهرة مقلقة تتطلب وقفة جادة من قبل جميع المعنيين، بدءً من الأساتذة والموظفين في المؤسسات التعليمية، مرورًا بالآباء والأمهات، وصولًا إلى المجتمع ككل. ولكنّ ما يثير القلق بشكل خاص هو ازدياد حالات تعرض المراهقين والمراهقات للتعصب والترهيب المبالغ فيه من قبل بعض الأساتذة.
وقد تُخفي هذه الظاهرة أسبابًا وخيمة تستوجب البحث عن حلول جذرية. فما هي دوافع هذه التصرفات؟ هل هي ناتجة عن ضغوطات العمل أو نقص الخبرة في التعامل مع هذه الفئة العمرية؟ أو ربما تعكس ثقافة مجتمعية تُشرّع للتعامل الصارم مع الطلاب؟
مهما كانت الأسباب، فلا بدّ من الاعتراف بأنّ هذه الممارسات تُخلّف آثارًا نفسية واجتماعية وخيمة على ضحاياها، فقد تُؤدّي إلى الشعور بالخوف والاكتئاب وانعدام الثقة بالنفس، بل قد تدفع بعضهم إلى ترك الدراسة أو الانخراط في سلوكيات سلبية خطيرة.
لذا، حان الوقت لإعادة النظر في طريقة تعامل بعض الأساتذة مع المراهقين والمراهقات، واعتماد نهج تربوي قائم على الاحترام والحوار والتفاهم، بعيدًا عن التسلط والقسوة. إنّ مسؤولية التصدي لهذه الظاهرة تقع على عاتق الجميع، بدءً من وزارة التربية والتعليم التي يجب عليها وضع برامج توعوية وتدريبية للمعلمين حول كيفية التعامل مع الطلاب، مرورًا بالمدارس التي يجب عليها خلق بيئة آمنة ومفتوحة للجميع، وصولًا إلى الآباء والأمهات الذين يجب عليهم متابعة سلوك أبنائهم وتقديم الدعم النفسي لهم.
وأخيرًا، لا بدّ من تضافر الجهود على كافة المستويات للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة، فالمراهقون والمراهقات هم أملنا ومستقبلنا، ويجب علينا حمايتهم من أيّ شكل من أشكال العنف والإساءة. فلنتكاتف جميعًا لخلق بيئة آمنة وداعمة لشبابنا، ونُساعدهم على عبور مراحل حياتهم المختلفة بنجاح وثقة بالنفس، ونضمن لهم مستقبلًا واعدًا.
رحم الله الفقيدة وألهم أهلها وذويها الصبر والسلوان.
ع.ب / لأكادير24