إبان خوض المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم نهائيات كأس العالم الأخيرة، قفزت كلمة “النية” إلى أذهان المغاربة قفزة نوعية حتى باتت تعتبر مفتاح الانتصار وإنزال ما كان يعتبر مستحيلا في برجه الشاهق، إلى أرض الممكن والمقدور عليه.
لكن المفارقة الكبيرة هي أن النية لا تنفصل عن العمل مصداقا لقول الرسول (ص):
)إنما الأعمال بالنيات) الحديث.
فهل تراجع العمل إلى الصف الثاني؟
النية في اللغة هي القصد والإرادة، وفي الاصطلاح الشرعي هي إخلاص العمل لله تعالى وحده ؛ فهي إذاً في التعريفين معا مناط القلوب، محجوبة عن الرؤية.
أما العمل فهو مجموع المهام التي يجب القيام بها أو إنجازها، أو ممارسة نشاط ما والسعي من أجل الحصول على فائدته، وهو مناط الجوارح والحواس، غير محجوب عن الرؤية مصداقا لقوله تعالى في سورة التوبة الآية 105 (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، وستردون إلى عالم الغيب و الشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون).
انطلاقا من هذا الاعتبار يصبح العقد الضابط للعلاقة بين الناس هو العمل لا النية، ذلك أن المنفعة حاصلة تحققا في مخرجات العمل فهي القابلة للقياس، أما النية فليست من اختصاص الإنسان حتى يقيسها أو يقيس عليها، وبذلك تصبح بريئة من كل المغالطات والإسقاطات التي أحيطت بها براءة الذئب من دم يوسف بن يعقوب عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.
ومما يعزز هذا الطرح الحديث النبوي الذي رواه مسلم يقول الرسول(ص) فيه :
(إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأُتى به، فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلَّمه، وقرأ القرآن، فأُتي به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.ورجل وسَّع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأُتى به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار).
وبناء عليه يصبح خطاب الحكومة مضللا حين يطالب الأساتذة بإعمال النية وهم يرون ما صدر عنها من عمل يضر بمصالحهم الخاصة ناهيك عن ضرر المصلحة العامة التي تسببت هي في إلحاقه بالتلميذات والتلاميذ وأولياء أمورهم، وليس الأساتذة كما يروج لذلك في عدد غير يسير من المنابر على اختلاف أنواعها ومسؤولياتها. هذا بالإضافة إلى أنه خطاب ينحدر إلى خطاب العراف والعرافة حينما يطلبان من المتشوف إعمال النية من قبيل العبارة الشهيرة:(ها قلبي، ها تخمامي، ها باش ياتني الله)، ناهيك عن خطاب ” الحلايقية” للترويج لمنتوجاتهم باستعمال التأثير الديني مثل ذلك “الحلايقي” الذي كان يبيع قوارير صغيرة بعشرين درهما للواحدة، بداخلها سائل يدعي أنه يشفي من آلام الظهر، ولكي يضفي على عمله صبغة دينية حرف الآية القرآنية 🙁 وما يهلكنا إلا الدهر) إلى “وما يهلكنا إلا الظهر” مشيرا بيده إلى ظهره .
إن خطاب النية من الحكومة يعلن عن إفلاس سياسي في تدبير الشؤون العامة للرعية خاصة وأن هيئة التدريس ما فتئت تتلقى الضربات الموجعة الواحدة تلو الأخرى. فلسان حالها اليوم يقول كفى نحن وُجعنا واكتفينا، وعرفنا سبب جراحنا وعرفنا قوتنا وبأيدينا مصيرنا. رحم الله الشافعي حين قال :”لا يكن ظنك إلا سيئا. إن سوء الظن من أقوى الفطن”.
محمد محسود.
تعليق واحد
كلام في الصميم