نعم.. الفياضانات تقع في كل بقاع العالم…وألف نعم..انها كانت استثنائية بالجهة ..وبنفس المؤمن بقضاء الله وقدره لا يسعنا الا الترحم على كل الشهداء ومواساة كل المنكوبين على امتداد هذه الجغرافية المسماة إقليم طاطا وخصوصا المداشر والقرى التي مازالت تعاني من العزلة الى الان…
نعم الان نملك الحقّ الأخلاقي لنصدح بهذا السؤال!؟
لماذا فيضاناتنا لاشبيه لها في المعمور حتى تكون هذه التساقطات كافية لاسقاط قناطر حديثة العهد بالبناء.. .أتلفت طرقا لم يمر على تعبيدها الافترة قصيرة…وكيف أن مدنا شيدت على مشارف الأودية…وفجأة اكتشفنا فقر الإقليم فلا اليات لجرف المياه ولا حتى سيارات الاسعاف ..كل شئ تبخر ولم يبق غير الدعاء والترحم على شهدائنا
لقد استيقظنا من هول الصدمة لنكتشف أن المنطقة تعاني شحّاً وهشاشة على مستوى البنى التحتية وضعف لوجيستيكي سافر وغياب آليات الإنقاذ التي لم تكن كافية لتغطية كافة المناطق المتضررة بالرغم من أن الدراسات الرسمية منذ مدة تشير إلى أن منطقة سوس –ماسة من أكثر المناطق تهديدا بالفياضانات في المغرب بل ان حوالي 50موقعا داخل الجهة يتميز بخطورة عالية…أين هي نتائج هذه الدراسات على مستوى الواقع من خلال البرمجة والتخطيط لمثل هذه الكوارث الطبيعية.. حتّى يترك إقليم طاطا الذي لا يتذكره المغاربة إلا سلسلة نكباته بين حلقة العطش بتجفيف مياه المنطقة عبر تحويل أراضي الجموع ومراعي القبائل إلى مزارع الدلاح وفائض قيمة عند البعض ومزارع العطش عند ساكنة ارض النخيل والحناء..
لننتقل بعدها إلى طاطا تحترق وفي هويتها البيئية وعمق تواجدها الإنساني.. الواحة التي يتكرر فيها مشهد الحرائق.. آخرها ذاك الذي شب بواحة أديس التابعة إداريا للجماعة الترابية أديس بإقليم طاطا..
وهاهي اليوم تتنفْس تحت الماء حد الغرق بعد فيضانات غير مسبوقة مستعلمة من قبل المسؤولين جهويّا ومركزيّا دون أدنى استبقاء او استعداد للطوارئ بلغت أقصى الضعف حين تابعنا وبشكل موجع صوت استغاثة من ممرض طاطاويّة إحدى ضحايا حافلة طاطا التي عكست كل عجزنا الجماعي في الحفاظ على الأرواح على الاقل
فإذا كانت الكوارث الطبيعية ظرفية ومحدّدة في الزمان فكوارث اللاعدالة المجالية والإجتماعية بالمنطقة جوهرية ودائمة وغائرة في نفسية الساكنة وإحساسها بهذا الحيف والتهميش والحگرة
لكنّها ساكنة وبعزة نفس الأمازيغي الصحراوي إثنية المنطقة لاتتوسّل الصدقات من احد أو ترضى ان تتحول إلى خانة لاستقبال المساعدات لحظة الطوارئ والكوارث..
لكنّها تتساءل وبحرقة لماذا نتقاسم الجغرافيا مع طنجة والرباط والبيضاء مع فارق فاضح في تقاسم عدالة مجالية واجتماعية تنموية.
فبقدر ايماننا بقضاء الله وقدره.. بنفس الإيمان مقتنعون ان الإقصاء من قطار التنمية هو قرار مركزي حكومي بامتياز وبسؤال إنكاري..! ؟
أين اختفى صندوق التنمية القروية وبالملايير المكدسة منذ رئاسة الوزير السيد عزيز أخنوش وهو رئيس الحكومة الحالية
أين اختفى الجميع لحد الساعة لإعلان منطقة طاطا منكوبة وبهذه الهشاشة التي تُجرف فيها البيوت، وتغرق فيها الطرق، وتنعدم فيها كل وسائل الإنقاذ التي تليق بالكوارث في القرن 21.
أين إختفى ذووا القرار الجهوي والوطني عن منطقة لم تكن عابرة في تاريخ البلاد ولا منطقة عبور البعض نحو الاغتناء من كنوز ارض المنطقة
فنحن في أرض طيبة طاهرة بعمق يمتد نحو عمق 10 آلاف السنين كما تحمله نقوش المنطفة وحفريات المتخصصين..
هي منطقة لصورة انصهار الإثنيات الثلاث بين الامازيغ والعرب مع الأفارقة
منطقة انطلاق إمبراطورية المرابطين ومركز إشعاع السعديين.. ارض الزوايا والشيوخ والعلماء
منطقة قيم الجدّية والإيثار والكرم..
فلم يكن المشهد الدرامي لحافلة طاطا فاجعتنا الجماعية فحسب بل خيانة لهذا التاريخ ولمستقبل الوطن…وقصّة فشل حكومي أمام قرية كبيرة اسمها طاطا.. وتعسّفاً مدينة وإقليم ب 22 جماعة ترابية
والحالة هاته لا معنى لمغرب الغد كمفهوم مركزي في نموذجنا التنموي الجديد مالم نفتح ورشا استعجاليّا واستثنائيا لإنقاذ إقليم طاطا أوّلاً وإعادة الإعتبار لموروثنا التاريخي المشترك بهذه المنطقة
فلا معنى لأي شعار رنّان أمام أناس جبلوا على وضع الوطن بجانب القلب يساراً.. لكنْهم يرفضون استغلال صمتهم في جهة اليمين..
فقد بكى الصّبر نفسه بطاطا المرابطة على ثخومنا الحدودية هناك
يوسف غريب كاتب صحفي