بقلم : البراق شادي عبد السلام
عيد العرش المجيد هذه السنة يتزامن مع الذكرى الذهبية الأولى السنة الخامسة و العشرون لتولي جلالة الملك محمد السادس عرش الدولة العلوية المجيدة القائد التاريخي لنضال الأمة المغربية من أجل الحرية و الكرامة و الإستقلال ، عيد العرش هو مصدر فخر وإعتزاز سياسي وتاريخي للشعب المغربي العظيم ، هو يوم يعبر عن الرغبة الوطنية لشعبنا الدائمة و الأزلية في الحفاظ على إستقلاله وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة الحافظة لتقاليده العريقة و حضارته الضاربة في جذور التاريخ ، ومناسبة يؤكد فيها هذا الشعب رغبته في التمسك بالثوابت و المقدسات الوطنية الجامعة و في مقدمتها المؤسسة الملكية الضامن الوحيد و الأوحد لإستقلال و سيادة و رفعة هذا الوطن و هو ما أكد عليه جلالة الملك في خطابه السامي قائلا : ” وعملنا كذلك، على تكريس الوحدة الترابية، وتعزيز مكانة المغرب، كفاعل وازن، وشريك مسؤول وموثوق، على الصعيدين الجهوي والدولي. ” // انتهى الإقتباس
عيد العرش بالنسبة للأمة المغربية هو عنوان الإلتحام الدائم و الأزلي بين العرش و الشعب ، فهو بداية حتمية و طبيعية لدرب طويل من التضحيات و العطاء و البذل المتبادل في سبيل الوطن و حريته وإستقلاله ، عيد العرش هو اللحظة الفارقة التي عاشها المغرب في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي حيث برزت عبقرية الشعب المغربي الأصيل و العريق و مدى تمسكه بتميزه و خصوصياته الحضارية لأنه يأتي تحقيقا لمطالب ثورة غير مسبوقة في التاريخ الإنساني المعاصر ، عندما إنتفض الشعب المغربي ضد الإستعمار الغاشم متمسكا بقيادته التاريخية ، ملتفا حول قيادته التاريخية متمثلة في العرش العلوي المجيد الذي يمثل ضمير الأمة المغربية .
رسائل غاية في الأهمية وجهها الملك محمد السادس في خطابه السامي بمناسبة الذكرى الخامسة و العشرين لتولي جلالته عرش أجداده الميامين المنعمين حيث حدد بكل الوضوح الممكن المسارات الإستراتيجية المهمة التي تشغل بال الفاعل المؤسساتي في المملكة و التي يجب العمل عليهما من طرف كل أطياف النخبة السياسية بشكل آني و مستعجل و بتوجيهات ملكية صارمة بجعلها أولويات وطنية كبرى تستلزم الكثير من التنسيق والتكامل المؤسساتي بين جميع الفاعلين ، مضامين الخطاب الملكي السامي حددت بشكل مباشر المسؤوليات و تجاوزت منطق التشخيص التقليدي للمشكلات بل إنطلقت بلغة واضحة و صريحة تعدد الإنجازات و طريقة العمل الآني و المسار الإستراتيجي المقبل بأهداف محددة واضحة و بأرقام دقيقة وجب على المسؤول كيفما كان موقعه لزوما تنزيلها متسلحا بالحكامة الرشيدة و الإدراك الدقيق لخطورة المرحلة و جسامة الأمانة الملقاة على عاتقه و تأثير إلتزامه الوطني بشكل مباشر على المعيش اليومي للشعب المغربي و هو ما أكد عليه جلالته : “بأن التحديات التي تواجه بلادنا، تحتاج إلى المزيد من الجهد واليقظة، وإبداع الحلول، والحكامة في التدبير. ومن أهم هذه التحديات، إشكالية الماء، التي تزداد حدة بسبب الجفاف، وتأثير التغيرات المناخية، والارتفاع الطبيعي للطلب، إضافة إلى التأخر في إنجاز بعض المشاريع المبرمجة، في إطار السياسة المائية.” أنتهى الإقتباس ؛ حيث تطرق الخطاب الملكي لمسار إستراتيجي يهم الأمن المائي كخيار له أولوية بإلتزام ملكي ينطلق من رغبة أكيدة في تحقيق الاهداف الكبرى التي تشكل إنتظارات الأمة المغربية في التنمية المستدامة .
الرؤية الملكية المستنيرة تنطلق من أن إشكالية ندرة المياه تعتبر من بين المسائل المُستعجلة وذات الأولوية بالنسبة للمغرب في الفترة الحالية، والتّي تتطلب المعالجة المُمنهجة، من خلال تنزيل الحكامة المندمجة والمستدامة الطويلة الأمد للموارد الطبيعية والأنظمة الإيكولوجية الهشة وتنفيذ التزامات المغرب الدولية في مجال مكافحة آثار التغيرات المناخية، و بهدف إستراتيجي هو الحفاظ على الأمن المائي للمغرب وإرسائه على أسس متينة ومستدامة، من خلال حلول تتجاوز الإختلالات التي تعتري قطاع الماء على مستوى الحكامة والتسعيرة والتثمين والاستعمال المعقلن و هو ما عبر عنه جلالته بوضوح قائلا : “نظرا لتزايد الاحتياجات والإكراهات، نلح على ضرورة التحيين المستمر لآليات السياسة الوطنية للماء، وتحديد هدف استراتيجي، في كل الظروف والأحوال، وهو: ضمان الماء الشروب لجميع المواطنين، وتوفير 80 في المائة على الأقل، من احتياجات السقي، على مستوى التراب الوطني.” إنتهى الإقتباس .
الفاعل المؤسساتي ملزم بتطبيق حلول مستدامة وبديلة لتجاوز تداعيات الجفاف ومشكلة ندرة المياه بشكل عام، وعلى رأسها حلول مندمجة تمزج بين إستعمال المياه السطحية والمياه الجوفية، إضافة إلى الإقتصاد في الماء ثم معالجة المياه العادمة وتحلية مياه البحر والإنتقال إلى التدبير المندمج للماء من طرف منتجي ومستهلكي هذه المادة الحيوية، لأن هذا التدبير سيتيح إستغلالا أكثر فعالية وأكثر نجاعة ومردودية، وسيضمن الماء الصالح للشرب للمواطنين بأقل تكلفة، وكذا مياه السقي، فضلا عن تأمين المياه الضرورية للأنشطة الاقتصادية وخلق القيمة المضافة وتحسين دخل المواطنين و هذا لن يتأتى إلا بالأعتماد على العقول المغربية و الرأسمال البشري المدرب و هو ما أكد عليه جلالة الملك في ذات الخطاب قائلا : “وفي هذا الصدد، ندعو للعمل على تطوير صناعة وطنية في مجال تحلية الماء، وإحداث شعب لتكوين المهندسين والتقنيين المتخصصين؛ إضافة إلى تشجيع إنشاء مقاولات مغربية مختصة، في إنجاز وصيانة محطات التحلية.” إنتهى الإقتباس ؛ و في هذا الإطار تندرج الرؤية الملكية لأهمية الماء و دوره الأساسي والمفصلي في أي مشروع تنموي حيث أن إستفاد قطاع الماء بعناية ملكية خاصة، من خلال تخصيص جلالة الملك محمد السادس عدة جلسات عمل خاصة بموضوع الماء أعطى خلالها توجيهات لكافة الأطراف المتدخلة، وهي الأهمية التي تندرج في إطار إستمرارية الرؤية الملكية بالسياسة المائية التي كانت التصورات النيرة للمغفور له الحسن الثاني أساس بناءها، فقد أطلق سياسة السدود في زمن مبكر ، وما تزال مصدر أمان مائي لبلادنا و هو ما أكد عليه جلالة الملك محمد السادس في خطابه السامي ” وفي هذا السياق، لابد من استكمال برنامج بناء السدود، مع إعطاء الأسبقية لمشاريع السدود، المبرمجة في المناطق التي تعرف تساقطات مهمة.” إنتهى الإقتباس .
المملكة المغربية برؤيتها الإستشرافية من أجل مستقبل مستدام ، و بتوافق مع الرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس و في إنسجام تام مع الإتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف المهتمة بموضوع المياه و التغيرات المناخية كانت من الدول السباقة للإشتغال في هذا الموضوع منذ نهاية الستينات بإعتماد سياسة السدود ، النجاعة المائية أصبحت خيارا إستراتيجيا للمغرب في مجال تدبير الماء خاصة في مجال المدن والتعمير، إذ ينبغي إدماج بُعد النجاعة المائية في التصور المستقبلي. وضمان بُعد استدامة الماء بالنسبة للمواطنين والأنشطة الاقتصادية، وفي نفس الوقت تثمين إستعمال الماء.
المجتمع المدني و أصحاب المصلحة مدعو هو الآخر للإنخراط في هذا المجهود الوطني بتنظيم حملات تحسيسية و دورات تكوينية و تدريبات لفائدة المواطنين لتوعيتهم بأهمية الاستهلاك المعقلن للماء والحد من هدر هذه المادة الحيوية، إلى جانب المحافظة على الفرشة المائية وتطعيمها بهدف إستغلالها مستقبلا في حال توالي سنوات الجفاف.
الخطاب الملكي السامي اليوم يقدم برنامج عمل دقيق في مراميه وجب العمل عليه بشكل إستعجالي فهو يشكل نواة إرادة سياسية راسخة و قرارا وجب على جميع المتدخلين التفاعل معه بشكل إيجابي و تلقائي بعيدا عن الحسابات الشخصية أو الحزبية فالخطاب الملكي السامي يمكننا إعتباره خارطة طريق متكاملة لإنقاذ الأمن المائي للمغرب و السير قدما نحو تثمين و الحفاظ على المقدرات المائية خدمة للأجيال المقبلة دون تقصير أو بكل المسؤولية المطلوبة حيث أكد جلالته : ” وهنا نؤكد من جديد، أنه لا مجال لأي تهاون، أو تأخير، أو سوء تدبير، في قضية مصيرية كالماء”../// .إنتهى الإقتباس .
الخطاب الملكي السامي أكد على الإلتزام الدائم و الموقف الثابت للمملكة المغربية إزاء الدفاع عن القضايا العادلة في الملف الفلسطيني حيث أن المواقف المغربية منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر إلى اليوم و التي تضمنتها العديد من بلاغات الديوان الملكي و بيانات و تصريحات وزارة الخارجية المغربية و التي تعكس رؤية سياسية واضحة للمملكة إزاء هذا الملف بعيدا عن المزايدات السياسوية المتجاوزة و الخطاب الاعلامي التعبوي إذ عبرت المملكة في أكثر من مناسبة على إدانتها الشديدة للأعمال العدائية التي تستهدف المدنيين و عمليات التهجير القسري و غيرها من الفظائع التي أرتكبتها آلة الحرب الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر و تترجم حرص الفاعل المؤسساتي في المغرب على إنسجام مواقفه السياسية و الديبلوماسية مع المبادئ الدولية لحقوق الإنسان بعيدا عن المقاربات الجيوسياسية المتجاوزة و المصالح السياسية الضيقة ، الخطاب الملكي السامي وضع خارطة طريق متكاملة لإحياء عملية السلام من خلال إطلاق حوار سياسي عبر قنوات إقليمية موثوقة و بشكل متوازي مع وقف إطلاق النار لدفع عملية السلام نحو هدفها لإقرار سلام عادل للجميع و إقامة دولة فلسطينية مستقلة تضم قطاع غزة و الضفة الغربية و القدس الشرقية وفق القرارات الأممية ذات الشأن مما سيشكل مدخلا أساسيا لتحقيق الإستقرار الإقليمي و نزع فتيل حرب شاملة تهدد أمن و إستقرار الشرق الأوسط ، فالمملكة المغربية من خلال الخطاب الملكي تتحمل مسؤوليتها التاريخية إتجاه القضية الفلسطينية إعتمادا على منطلقات رئيسية يؤطرها الموقف المغربي الثابت من الحق المشروع للشعب الفلسطيني في دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية و رئاسة جلالة الملك محمد السادس لجنة القدس بإعتبارها آلية إسلامية تقوم بدور محوري في الحفاظ على المقدسات الدينية في القدس الشريف ، و الأكيد أن مواقف المملكة المغربية واضحة و صريحة في أن أي تسوية إقليمية تخص الشرق الاوسط تمر أساسا من خلال الحفاظ على الحقوق الفلسطينية الغير قابلة للتصرف المتمثلة في دولة مستقة بعاصمتها القدس الشريف و باقي الحقوق التي تؤطرها القرارات الأممية في ذات الشأن .
- اليوم بعد خمس و عشرين سنة على تربع جلالة الملك محمد السادس لعرش أسلافه الميامين و بعد قرون عاشتها الأمة المغربية في ظل الدولة العلوية المجيدة إذا كان لإستقرار المغرب و إزدهاره و تقدمه و تعزيز مكانته الاقليمية و الدولية على مر القرون التي مضت و القرون القادمة كلمة سر فهي المؤسسة الملكية و الدور التاريخي و الحضاري الذي تلعبه المؤسسة الملكية في تدبير العلاقات بين كل مكونات و أطياف الشعب المغربي بالجدية اللازمة و الأبوية الصادقة و الإلتزام التام بخدمة مصالح الوطن و الشعب المغربي، لأن ثبات و إستقرار و أمن و آمان المملكة المغربية كان و لا يزال مرتبطاً بالعرش العلوي ، ذكرى عيد العرش المجيد ليست مجرد إحتفال سنوي أو عيد وطني نرفع فيه الأعلام و صور الملك و تقام فيه الحفلات و إنما هو يوم يذكرنا بأن جميع أطياف الأمة المغربية العظيمة تضع ثقتها في ملك البلاد لحمايتها و حماية سيادتها و لوضعها في مكانتها الطبيعية بين مصاف الأمم و القوى الدولية، كما عهدناها منذ قرون و كلنا ثقة في أن صاحب جلالة الملك محمد السادس يقود البلاد بحكمة الأجداد و بإصرار على إستكمال المسيرة و تحقيق طموحنا الجماعي في مغرب التمكين و السيادة و الجرأة كما قادها أجداده الكرام بكل شرف ومسؤولية.
و لا غالب إلا الله .