عبدالله بن عيسى
تسلّط وقائع متكررة أمام المحاكم المغربية والفرنسية الضوء على ممارسة قانونية عابرة للحدود، باتت تثير قلقًا متزايدًا في أوساط المتتبعين للشأن الأسري والقانوني، خاصة حين يتعلق الأمر بحقوق الزوجات المغربيات المقيمات بفرنسا. إذ يلجأ بعض الأزواج، في سياق نزاعات أسرية معقّدة، إلى تفعيل مسطرة طلاق الشقاق بالمغرب، ثم يعمدون لاحقًا إلى توظيف هذا الحكم داخل فرنسا، مستفيدين من اختلاف الأنظمة القانونية، ومن ضعف الوعي القانوني لدى الزوجة، وهو ما قد يؤدي في حالات عديدة إلى إقصائها من حقوق مالية واجتماعية ومهنية مكتسبة.
هذه الظاهرة لا تُختزل في نزاع زوجي عادي، بل تطرح إشكالًا قانونيًا حقيقيًا يتجاوز الحدود الوطنية، ويمسّ جوهر الحماية القانونية للمرأة في سياق الهجرة والاستقرار خارج بلد الأصل. كما تعيد إلى الواجهة سؤال العدالة العابرة للحدود، وحدود الاعتراف بالأحكام الأجنبية، ومدى قدرة القوانين الوطنية على حماية الطرف الأضعف عندما تتقاطع الأنظمة القانونية وتختلف مرجعياتها.
طلاق الشقاق في القانون المغربي: مسطرة مشروعة أم أداة قابلة للاستغلال؟
يُعدّ طلاق الشقاق إحدى المساطر القضائية التي أقرّها القانون المغربي لمعالجة حالات استحالة استمرار العلاقة الزوجية. وتقوم هذه المسطرة على مبدأ إنهاء الزواج دون الحاجة إلى إثبات الخطأ من أحد الطرفين، وهو ما جعلها في الأصل آلية قانونية تهدف إلى تجاوز النزاعات الحادة وتفادي طول أمد التقاضي.
غير أن هذه البساطة الإجرائية والسرعة النسبية في البت، تحوّلتا في بعض الحالات إلى عنصر قابل للاستغلال، خصوصًا عندما يكون أحد الطرفين مقيمًا خارج المغرب، أو عندما تكون للزوجة مصالح مالية أو مهنية داخل دولة أخرى، مثل فرنسا. ففي هذه السياقات، قد يُستعمل طلاق الشقاق كمدخل لإحداث أثر قانوني سريع داخل المغرب، يُقدَّم لاحقًا داخل فرنسا باعتباره نهاية شاملة لكل ما يرتبط بالزواج.
متى تتحول المسطرة إلى إشكال قانوني عابر للحدود؟
تظهر الإشكالية بوضوح حين تتوفر العناصر التالية مجتمعة:
زواج أُبرم وفق القانون المغربي
إقامة فعلية للزوجين أو لأحدهما بفرنسا
وجود ممتلكات، أو مداخيل، أو نشاط مهني، أو شركات داخل التراب الفرنسي
في هذه الحالة، يعمد بعض الأزواج إلى اتباع مسار متكرر:
رفع دعوى طلاق شقاق بالمغرب
الحصول على حكم نهائي في آجال قصيرة
تقديم الحكم المغربي أمام الإدارات أو المحاكم الفرنسية
الادعاء بأن جميع الآثار القانونية للزواج قد انتهت
غير أن هذا المسار، رغم مظهره القانوني، يخفي تعقيدًا بالغًا، ويطرح إشكالًا جوهريًا حول مدى قابلية الحكم المغربي لإنتاج آثاره داخل النظام القانوني الفرنسي.
هل يُسقط الطلاق المغربي حقوق الزوجة داخل فرنسا؟
من الناحية القانونية، يميّز القانون الفرنسي بشكل واضح بين الاعتراف بالطلاق الأجنبي من حيث المبدأ، وبين ترتيب آثاره المالية والاجتماعية داخل فرنسا. فالاعتراف بوقوع الطلاق لا يعني بالضرورة إسقاط الحقوق المرتبطة به.
وبالتالي، فإن الطلاق الصادر في المغرب:
لا يُنهي تلقائيًا حقوق الزوجة في الممتلكات المكتسبة بفرنسا
و لا يسقط حقها في المطالبة بنصيبها من الثروة المتراكمة خلال الزواج، و لا يمنعها من المطالبة بحقوقها كأجيرة أو شريكة في شركة، و لا يلغي إمكانية فتح مساطر مالية أو تعويضية مستقلة أمام القضاء الفرنسي
غير أن الإشكال لا يكمن في النص القانوني، بل في غياب الوعي بهذه القواعد، أو في تأخر الزوجة في اللجوء إلى القضاء الفرنسي، أو في استسلامها لفكرة أن الحكم المغربي أنهى كل شيء، وهو ما يجعلها الطرف الأضعف في هذا التعقيد القانوني.
لماذا يُنظر إلى هذه الممارسة كعدوان قانوني صامت؟
يصف بعض المتخصصين هذه الممارسات بأنها عدوان قانوني غير معلن، لأنها تقوم على عناصر محددة، من بينها:
عنصر المفاجأة وسرعة المسطرة، و استغلال اختلاف القوانين بين المغرب وفرنسا
و خلق واقع قانوني مربك يصعب تفكيكه لاحقًا و تقديم الطلاق المغربي كأمر واقع ونهائي، فضلا عن تحميل الزوجة عبء الإثبات والتحرك بعد فوات الأوان
في هذه الحالات، لا يُستعمل القانون كأداة لتحقيق التوازن والإنصاف، بل كوسيلة لإقصاء أحد الطرفين بطريقة صامتة، خصوصًا عندما تغيب المواكبة القانونية المبكرة.
كيف يمكن للزوجة حماية نفسها قانونيًا؟
تؤكد خبرات قانونية متخصصة في النزاعات العابرة للحدود أن الوعي القانوني يشكل خط الدفاع الأول. ويوصى في هذا الإطار بما يلي:
_ عدم اعتبار الطلاق المغربي نهاية تلقائية للحقوق داخل فرنسا
_ فتح مسطرة موازية أمام القضاء الفرنسي فور التوصل بحكم الطلاق
_ الاحتفاظ بكل ما يثبت العمل، والدخل، والمساهمة في الثروة المشتركة
_ عدم التوقيع على أي وثيقة أو تنازل دون استشارة قانونية
التحرك السريع وعدم انتظار ترسخ وضع قانوني قد يصعب تعديله
كما يشدد المختصون على أن الصمت أو التأخر في اتخاذ المبادرة قد يُفسَّر لاحقًا على أنه قبول بالأمر الواقع، رغم أن القانون لا يفترض ذلك صراحة.
تكشف ظاهرة طلاق الشقاق العابر للحدود أن اختلاف القوانين بين الدول، إذا لم يُواكَب بالوعي القانوني، قد يتحول إلى فخ حقيقي تُستعمل فيه المساطر القضائية للإضرار بأحد الطرفين. فالطلاق، مهما كان شكله أو مصدره، يظل إجراءً قانونيًا يفترض أن يُمارس في إطار العدالة والإنصاف، لا كأداة لإقصاء الحقوق أو إعادة ترتيب الثروة بعيدًا عن الرقابة القضائية الفعلية.
ويبقى الرهان الأساسي اليوم هو تعزيز الوعي القانوني لدى النساء المغربيات المقيمات بالخارج، وتمكينهن من فهم حقوقهن داخل أنظمة قانونية مختلفة، حتى لا يتحول الجهل أو الصمت إلى خسارة لا يمكن تعويضها لاحقًا.


التعاليق (0)