اللقاء العظيم: حكومة تستقبل إحدى ملحقاتها وتعلن عن تقدّم خيالي

خارج الحدود

بقلم : أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

في مشهد دبلوماسي متكرّر حدّ الابتذال، أعلن النظام العسكري الجزائري عن استقبال وزير خارجيته لما يُسمّى “وزير خارجية الجمهورية الصحراوية”. وبينما حاولت البيانات الرسمية إضفاء مسحة من الجدية على اللقاء، ظلّ جوهر الصورة كما هو: صاحب القرار يستقبل أحد توابعه أو موظفيه، ثم يُقدَّم المشهد للعالم على أنه تعامل بين كيانين مستقلّين.
ورغم محاولات الإخراج، لم يعد هذا النوع من اللقاءات يثير سوى سؤال واحد:
هل كانت الجزائر تعقد اجتماعًا دبلوماسيًا… أم كانت تجري حوارًا داخليًا بديكور خارجي؟

  • صناعة كيانٍ على المقاس… من استراتيجية سبعينية إلى واقع مفروض

منذ السبعينيات، عمل النظام العسكري الجزائري على تشكيل جبهة البوليساريو بما يخدم حساباته الإقليمية، بعد أن لفظهم النظام الليبي، خصوصًا في سياق النزاع مع المغرب.
وتؤكّد شهادات عديدة من داخل الجبهة وخارجها أن عددًا من مؤسسيها الأوائل، بعدما فطنوا للمخطط، حاولوا إرساء مسار مستقل، لكنهم وجدوا أنفسهم أمام ضغوط شديدة، وتضييقات، وإقصاء، بل وحتى “اختفاءات” غامضة واغتيالات.
لقد أرادت الجزائر منذ البداية جبهة مطواعة، لا شريكًا سياسيًا حقيقيًا؛ أرادتها أداة وظيفية في حسابات التوازن مع المغرب، وليست حركة تحرّر بقرار مستقل.
وهكذا تحوّلت الجبهة تدريجيًا إلى مشروع خارجي مُدار بالكامل من قبل الدولة المضيفة:
تمويلًا، وتسليحًا، وتوجيهًا، وتحديدًا لحدود الحركة والتصريحات.
حتى المخيمات المقامة فوق التراب الجزائري والخاضعة لرقابة عسكرية دقيقة تؤكّد أن استقلالية القرار داخل الجبهة تكاد تكون معدومة.

  • اللقاء الأخير: وزيرٌ يتحدّث إلى نفسه ويسمّي ذلك “تقدّمًا”

في اللقاء الأخير، جلس وزير الخارجية الجزائري أحمد عطّاف في مواجهة “نظيره الصحراوي”.
لكن الحقيقة أبسط وأكثر مباشرة:
الجزائر لم تستقبل وزيرًا… بل استقبلت أحد موظفيها السياسيين الذين يتقاضون مرتّباتهم من خزينتها.
المشهد بدا أقرب إلى لعبة تبادل أدوار:
-طرف يرفع قبّعة “الوزير الجزائري”
-ثم يضع قبّعة “الوزير الصحراوي”
ثم يقرأ بيانًا مكتوبًا مسبقًا عن “تعزيز العلاقات” و“تقدّم المسار”
إنها دبلوماسية بواجهتين لسياسة واحدة؛ تمامًا كما يحدّث المرء نفسه أمام المرآة ويقنع ذاته بأن الحوار حقيقي.

  • خطاب جاهز… بلا أثر على الواقع

كما في اللقاءات السابقة، خرج الطرفان بعبارات محفوظة:
-حق تقرير المصير
-تنفيذ القرارات الأممية
-تعزيز التعاون
وهي جُمل تُستعمل بإصرار رغم أنها لم تعد تُقنع حتى من يكتبها، لأنها لا تغيّر من الواقع شيئًا.
قرارات أممية تُستدعى فقط لتزيين البلاغات الرسمية، تمامًا كإكسسوارات بلاستيكية في رقبة دمية مسرح.
أما النتيجة الحقيقية فهي صفر سياسي:
لا جديد في الملف لديهم، ولا تغيّر في موازين القوى، ولا أثر فعلي على مسار النزاع.

  • البوليساريو… ذراع خارجي لا كيان دولة

يحاول النظام العسكري الجزائري من خلال هذه اللقاءات تسويق صورة “دولة تتعامل مع دولة”، لكن الحقائق الثابتة تُظهر العكس:
-الجبهة لا تملك أرضًا ذات سيادة
-لا تملك مؤسسات دولة قائمة
-لا تملك ميزانية مستقل
-بل لا وجود لشعب
قياداتها تتحرك ضمن “الهامش المسموح” جزائريًا
-وجودها السياسي والإعلامي مرتبط بتوقيت واحتياجات الدبلوماسية الجزائرية
إنها علاقة إدارة مركزية بذراع تابعة لها، لا علاقة بين كيانين متكافئين.

  • مشهدٌ واحد… يتكرّر بوجوه مختلفة

لا يمكن قراءة اللقاء الأخير إلا باعتباره فصلًا من مسرحية سياسية طويلة تتقن الجزائر إخراجها، وتعيد نفس السيناريوهات منذ عقود:
-الجزائر تصنع الحدث
-الجزائر تموّله
-الجزائر تكتب بيانه
-والبوليساريو يشارك كـ“مؤدّي دور” لا كصانع قرار
إنها عملية إعادة تدوير دبلوماسي تُقدَّم في كل مرة على أنها “تقدّم”، بينما يظل الواقع ثابتًا:
البوليساريو كيان صُنع في الجزائر، ويُدار من الجزائر، ويظهر حين تقرّر الجزائر أن الوقت مناسب لظهوره.
أما الحديث عن “وزير” و“دولة” و“علاقات ثنائية” فليس سوى محاولة لإضفاء المصداقية على كيان لا يمتلك أيًّا من مقوماتها.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً