تعيش الممثلة المغربية جميلة الهوني المنحدرة من الأصول الصحراوية المغربية وبالتحديد من قبيلة أيت ياسين مرحلة مفصلية في مسارها الفني والشخصي، مرحلة تتقاطع فيها التحولات الخاصة مع الخيارات الإبداعية، دون أن تمسّ بجوهر انتمائها الوطني والثقافي. فالهوني، التي أثارت في الآونة الأخيرة نقاشاً واسعاً إثر إعلانها الحصول على الجنسية الفرنسية، تبدو اليوم أكثر حضوراً ووضوحاً في التعبير عن رؤيتها لهويتها ومسارها الفني.
- الجنسية الفرنسية… نقاش عمومي يتجاوز الشخصي إلى سؤال الهوية
منذ إعلانها حصولها على الجنسية الفرنسية، تعرّضت الهوني مثلها مثل عدد من الفنانين الذين يحصلون على جنسية ثانية لموجة من القراءات والتعليقات التي انقسمت بين متفهم ومتحفظ. غير أن الفنانة اختارت أن تضع الأمور في إطارها الطبيعي، مؤكدة أن الخطوة “إجراء إداري وقانوني” مرتبط بزواجها من مواطن فرنسي من أصول مغربية، وليس تحولاً في الولاء أو الانتماء.
هذا التوضيح يعكس وعياً متقدماً في التعامل مع فكرة الهوية، إذ تكشف الهوني بوضوح أن الانتماء الثقافي لا يُختزل في وثيقة رسمية، ولا يتحدد بالجنسية بقدر ما يتجذر في الذاكرة واللغة والعادات والارتباط الوجداني بالأرض. فهويتها الصحراوية كما تقول جزء من تكوينها ولا يمكن أن تتأثر بمسار إداري يخص حياتها العائلية.
ويرى متابعون أن النقاش المحيط بالحالة الهوني يعيد إلى الواجهة سؤال علاقة الفنان بهويته في زمن العولمة والتحولات السريعة، خصوصاً في مجتمعات مثل المغرب، حيث يشكل الارتباط بالأرض والأصل مكوّناً محورياً للفرد والجماعة. وفي هذا السياق، يكتسب تصريح الهوني حول استمرار استقرارها في المغرب واختيارها الاستمرار في الإقامة والعمل فيه أهمية إضافية، باعتباره رداً عملياً على من حاولوا قراءة قرارها في اتجاهات لا تعكس حقيقتها.
- الغياب التلفزيوني… قرار فني يعبّر عن نضج في المسار والرؤية
أما على المستوى الفني، فيبدو أن سنة 2025 شكلت بدورها مفترق طرق بالنسبة للهوني، إذ اتخذت قراراً لافتاً بالابتعاد عن الأعمال التلفزيونية ولو مؤقتاً لصالح العودة القوية إلى خشبة المسرح. وذلك في مرحلة تشهد فيها الدراما المغربية زخماً إنتاجياً وتنافساً بين القنوات والمنصات، ما يجعل قرار الابتعاد في حد ذاته رسالة.
الهوني وصفت المسرح بـ “أبو الفنون”، وهو توصيف لا يخلو من دلالة، خصوصاً بالنسبة لممثلة بدأت مسارها من التلفزيون وأصبحت أحد أبرز وجوهه. اختيارها اعتلاء الخشبة من جديد يكشف رغبتها في اختبار أدواتها التعبيرية بعيداً عن شروط الكاميرا وإملاءات السوق، والاقتراب من جمهور يعيش اللحظة معها دون وسيط.
وتتجسد هذه العودة في مشاركتها هذه السنة في ثلاثة أعمال مسرحية، أبرزها عرض المونودراما “ضريبة العشق”، وهو عمل يتطلب مهارة عالية وقدرة على حمل العرض منفردة، ما يشكل فنياً قفزة نوعية وتجربة جديدة تثبت نضجها وتطورها كممثلة.
- “ضريبة العشق”… تجربة مسرحية استثنائية على خشبة محمد الخامس
تستعد جميلة الهوني لخوض تجربة فنية مميزة على خشبة مسرح محمد الخامس بالرباط مع عرض المونودراما الجديد “ضريبة العشق”، المقرر في فاتح دجنبر المقبل.
في هذا العمل، تتحمل الهوني وحدها قيادة السرد والحوار، وتجسد الحالة الدرامية بكل تفاصيلها، لتأخذ الجمهور في رحلة مشحونة بالعاطفة والصراع الداخلي، حيث كل لحظة على المسرح هي اختبار للتركيز والقدرة التعبيرية.
يعد هذا العرض فرصة نادرة لمتابعة الممثلة وهي تتقن فن الأداء المنفرد، وتكشف عن قدراتها الاستثنائية على المزج بين العمق النفسي والإثارة المسرحية. الجمهور مدعو لتجربة فريدة، تتيح له الانغماس في عالم “ضريبة العشق”، الذي يعد محطة جديدة ومهمة في مسار الهوني الفني، ويؤكد مكانتها كواحدة من أبرز وجوه المسرح المغربي المعاصر.
- بين الهوية والفن… تمثلات جديدة لفنانة تتقدم بثقة
تجمع تجربة الهوني اليوم بين بعدين يبدوان مختلفين، لكنهما في الواقع يتكاملان:
- بعد شخصي يعيد طرح سؤال الهوية والانتماء في سياق عابر للحدود.
- وبعد فني يعكس عودة إلى الجذور الإبداعية من خلال المسرح.
وبين هذين البعدين، تظهر الهوني كفنانة تسعى إلى إعادة تعريف علاقتها بالفن والجمهور والذات، دون أن تتخلى عن خلفيتها الصحراوية أو عن ارتباطها بالمغرب، الذي تصفه بأنه “مستقر الحياة والروح”.
التحولات التي تعيشها ليست مجرد تفاصيل شخصية، بل تعبير عن جيل جديد من الفنانين المغاربة الذين يتحركون بين عوالم متعددة، وينخرطون في نقاشات الهوية المعاصرة دون خوف أو حساسية مبالغ فيها. وفي هذا السياق، تبدو جميلة الهوني صوتاً ووجهاً يعبّر عن هذه المرحلة، متصالحة مع جذورها ومنفتحة على خياراتها.


التعاليق (0)