الدبلوماسية المغربية… نموذج في البراغماتية والإصغاء وتعزيز الاستقرار في الساحل

مجتمع

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

شكّلت الدورة الخامسة لمنتدى المغرب الدبلوماسي الصحراء المنعقد يوم 15 نونبر 2025 ، مناسبة لإبراز الدور المتنامي للمغرب في هندسة مقاربات جديدة للتعاون الإقليمي، خصوصًا في منطقة الساحل التي تعيش منذ سنوات على وقع أزمات متشابكة. وقد قدم رئيس بعثة الاتحاد الإفريقي لدى مالي ومنطقة الساحل، ووزير خارجية غامبيا الأسبق مامادو تنغارا، شهادة دبلوماسية لافتة أكّد فيها أن الدبلوماسية المغربية تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده تمثل اليوم نموذجًا في الإصغاء والبراغماتية والتضامن.

  • مقاربة مغربية قائمة على الفهم الحقيقي للخصوصيات المحلية

تنغارا شدّد خلال مداخلته على أن قوة المقاربة المغربية تكمن في عدم فرض حلول جاهزة، بل في قراءة دقيقة لواقع المجتمعات المحلية في دول الساحل، واستيعاب تركيبة مجتمعاتها ونسيجها الاجتماعي والثقافي. وفي هذا السياق، ذكّر بالاستقبالات الملكية الأخيرة لوزراء خارجية مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وهي خطوة تحمل رسائل واضحة مفادها أن الرباط تفضّل الحوار المباشر مع الفاعلين الأساسيين، وتؤمن بأن الاستقرار الإقليمي يبدأ من تفكيك أسباب الأزمة من الداخل وليس الاكتفاء بالمعالجات الأمنية التقليدية.

  • البراغماتية… مفتاح النجاح المغربي في الساحل

البراغماتية التي تحدث عنها تنغارا ليست مجرّد خيار، بل أصبحت علامة مسجلة للدبلوماسية المغربية. فالمغرب:

-ينشئ شراكات قائمة على مكاسب متبادلة بدل منطق الوصاية.
-يقدم برامج ميدانية للتكوين الديني والمهني والصحي تستجيب لمطالب حقيقية.
-يستثمر في الاستقرار عبر نهج تنموي يوازي المقاربة الأمنية.
هذه البراغماتية هي التي جعلت المغرب، منذ عقدين، وسيطًا موثوقًا في ملفات معقدة مثل الأزمة الليبية، والحوارات الإفريقية الداخلية، بل وحتى في الملفات الدولية المرتبطة بالمناخ والهجرة والتنمية.

  • إفريقيا في قلب الأولويات المغربية

أشاد تنغارا بما وصفه بـ “عزم المغرب على الدفاع عن أولويات القارة داخل الهيئات الدولية”. وهذا الموقف ليس جديدًا؛ فمنذ العودة التاريخية للمغرب إلى الاتحاد الإفريقي، تبنى الملك محمد السادس نصره الله وأيده سياسة واضحة مفادها أن الحلول الإفريقية يجب أن تُصاغ بأيدٍ إفريقية.
وقد ترجم المغرب ذلك عبر:

-مبادرات الأمن الغذائي والطاقة المتجددة.
-مشاريع الربط الطاقي والغازي بين المغرب ودول غرب إفريقيا.
-الدعم المستمر للمؤسسات الإقليمية الإفريقية.
-تعزيز التعاون جنوب جنوب باعتباره رافعة للنمو المشترك.

  • المغرب والساحل… من شراكة عادية إلى رؤية استراتيجية

إنّ الاهتمام المغربي بمنطقة الساحل لا ينبع فقط من الجوار الجغرافي، بل من قناعة بأن استقرار المغرب مرتبط باستقرار محيطه الإفريقي. ولهذا فإن الرباط تنظر إلى الساحل باعتباره فضاءً يجب أن يتحول من ساحة صراع إلى مجال للتكامل والتنمية.
فالمغرب يطرح رؤية مزدوجة:

  1. معالجة جذرية للتطرف عبر تكوين الأئمة والعلماء ونشر الإسلام الوسطي المعتدل.
  2. مقاربة تنموية تركز على البنية التحتية، التعليم، وتمكين الشباب.
  • لماذا تنجح الدبلوماسية المغربية حيث يفشل الآخرون؟

وفق ما جاء في تصريح المسؤول الإفريقي، يمكن تلخيص عوامل النجاح المغربي في النقاط التالية:

-الإصغاء بدل الإملاء:
المغرب يتعامل مع الفاعلين المحليين كشركاء لا كمتلقين.
-الاحترام المتبادل: بدون وصاية سياسية أو ثقافية.
-التدرج في بناء الحلول: تفكيك الأزمات على مراحل بدل الإسراع في فرض تسويات هجينة.
-الاعتماد على الروابط التاريخية: ثقافية ودينية واقتصادية عميقة الجذور.

  • خلاصة

تؤكد شهادة مامادو تنغارا في منتدى المغرب الدبلوماسي أن الرباط نجحت في تحويل سياستها الإفريقية إلى نموذج يُحتذى به في القارة. فالدبلوماسية المغربية لم تعد تكتفي بقيادة مبادرات ثنائية، بل أصبحت تساهم في إعادة تشكيل هندسة الأمن الإقليمي، خصوصًا في منطقة الساحل التي تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى مقاربات واقعية ومبتكرة.
إنّ قوة النموذج المغربي تكمن في أنه يجمع بين الحكمة الملكية، الرؤية الاستراتيجية، وواقعية التنفيذ، وهذا ما يجعل المغرب اليوم فاعلًا رئيسيًا في تشكيل مستقبل الساحل وإفريقيا بصفة عامة.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً